عمر بن الخطاب.. فرّق بين الحق والباطل وتمنى الشهادة فنالها
أكثر من ٧ سنوات فى التحرير
"اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام"، دعوة أطلقها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى عنان السماء فسمعها ربه، وسرعان ما استجاب لحبيبه محمد، فأعز الإسلام بأحب العمرين إليه وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي ما أن تقرأ عن سيرته قبل دخول الإسلام تفزع من غلظته ثم تردد سبحان من أعز به الإسلام.
من هو الفتى الذي أحبه الله فأعز به الإسلام؟
إنه أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، أخوه الصحابي زيد بن الخطاب الذي سبقه للإسلام، أمه حنتمة بنت هاشم ابن المغيرة، وهي ابنة عم لكلا من أم المؤمنين أم سلمة والصحابي خالد بن الوليد، وأبو جهل بن هشام.
لم يكن عمر شابا عاديا، بل كان متميزا في قريش، حتى قبل دخوله الإسلام، حيث تعلم القراءة، والشعر، إلى جانب ممارسة الرياضة مثل المصارعة، والفروسية وركوب الخيل، إلى جانب براعته في التجارة، التي أصبح من خلالها من أغنياء مكة، وعمل أيضا رأعيا للإبل في طفولته، واتخذته قريش سفيرا لها لدى القبائل الأخرى.
نشأ عمر مثله مثل باقي أبناء قبيلته على معتقداتهم الوثنية، وكان يحب الخمر والنساء.
كيف تحول عمر من عدو للإسلام إلى "أمير المؤمنين"
بدأت الدعوة الإسلامية سرا، ثم أمر الله نبيه محمد بالجهر في دعوته للناس لدخول الإسلام، ومن هنا بدأت العداوة تشتد من جانب أهل قريش من الكفار، وكان وقتها عمر بن الخطاب من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، حيث عذب جارية له منذ بداية اليوم وحتى أخره عندما علم بإسلامها.
وخوفا منه على قبيلته قرر أن يقتل النبي حتى يتخلص من الدين الإسلامي، وتحتفظ قريش بمكانتها.
وبالرغم من شدة عمر وقسوته، إلا أنه وراء هذه القسوة قلب أحبه الله فبعث داخلة نوعا من الرقة استشعرتها زوجة عامر بن ربيعة العنزي وهو أحد الصحابة والمهاجرين، حيث كانت تعد نفسها للهجرة مع زوجها فقال لها عمر "صحبكم الله"، وكان رده مفاجأة بالنسبة لها، فأسرعت إلى زوجها وأخبرته، ولكن لما عرفه عن عمر وشدته، حاول أن ينفي ما استشعرته زوجته من أن عمر قد يسلم وقال لها "أطمت في إسلامه؟ فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب"، ولأن عمر كان ممن يملكون الحكمة ورجاحة العقل فحدث بداخله صراعا بين ما هو عليه ومكانته في قبيلته ، وبين ما يدعوا إليه النبي محمد، حيث أذهله ثبات المسلمين بالرغم مما يتعرضون له من عذاب، كما تمعن في صفات النب الذي عرفته قريش بأنه الصادق الأمين، ولكن الصراع انتهى بأن يفصل في هذا الأمر بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وما زاد حماسه لقتله إهانة حمزة بن عبد المطلب عم النبي لخال عمر وهو أبي جهل.
وهنا كانت اللحظة الفارقة في حياة عمر والمسلمين في ذلك الوقت، فعندما كان في طريق لقتل النبي، التقى أحد الصخابة ممن أخفوا اسلامهم، وعندما سأله أين تذهب أكد له عمر انه في طريق لقتل النبي، فحاول أن يخمد ثورته ضد النبي فقال فاخبره بأن يذهب إلى أخته فاطمة وزوجها حيث أسلما الإثنين، فتوجه عمر إليهما غاضبا، فوجدهما يتعلمان القرأن، فضرب زوج أخته، ولطم أخته فسقطت منها صحيفة كانت تمسك بها، فالتقطها عمر ليقرأها فرفضت أخته حتى يتوضأ، وبالفعل توضأ ليقرأ الأية التي أنارت قلبه بالإيمان وتسببت في دخوله الإسلام استجابة لدعوة النبي محمد بأن يعز الله به الإسلام، والأية هي " طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
(2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6).
وأعطى دخول عمر الإسلام قوة للمسلمين في ذلك الوقت، وبدأوا يجاهرون بإسلامهم دون خوف حيث دافع عمر عن الإسلام والمسلمين ضد ما يتعرضون له من تعذيب من جانب قريش، وقال أحد الصحابة فرحا بدخول عمر الإسلام "«لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به».
ماذا قدم عمر للمسلمين وغير المسلمين؟
تولى عمر بن الخطاب الخلافة بعد أبو بكر الصديق، وضرب أروع الأمثلة في العدل والحفاظ على حقوق الناس، لقبه النبي محمد بـ "الفاروق" لانه كان يفرق بين الحق والباطل، ويرد الحقوق إلى أهلها، ولا يظلم أحد، وبشره النبي بالجنة.
وخلال فترة خلافته تمكن من توسيع الدولة الإسلامية من خلال فتوحاته لجميع دول بلاد الشام والعراق وفارسة وطرابلس وبرقة، حي تميز عمر بالقوة والذكاء، فهو من الشخصيات العظيمة التي يتخذها الكثيرون قدوة حتى الأن فتاريخ عمر حافل بالمواقف الكفيلة أن تؤسس عليها دولة عادلة.
وينسب إلى عمر في تلك الفترة ترميم المسجد الحرام والمسجد النبوي بعد تزايد عدد الحجاج نتيجة كثرة الفتوحات الإسلامية، وتكوين الجيش الإسلامي، واستخدام الأسلحة وتطويرها، وهو من أوجد نظام الدوواين.
وفي تعاملاته مع غير المسلمين ضرب مثلا في التسامح حيث أسقط الجزية عن الفقراء والعجزة من أهل الكتاب، وأعطى فقراء أهل الكتاب من بيت مال المسلمين، ومنع هدم كنائس النصارى، وقرر أن تؤخذ الجزية على حسب المستوى المعيشي.
طلب الشهادة ونالها
طلب الفاروق الشهادة من الله عندما اعتلى المنبر ذات يوم وقال "إن في جنات عدن قصرًا له خمسمائة باب، على كل باب خمسة آلاف من الحور العين، لا يدخله إلا نبي، ثم التفت إلى قبر رسول الله "وقال: هنيئًا لك يا صاحب القبر، ثم قال: أو صديق، ثم التفت إلى قبر أبي بكر، وقال هنيئًا لك يا أبا بكر، ثم قال: أو شهيد، وأقبل على نفسه يقول: وأنى لك الشهادة يا عمر؟! ثم قال: إن الذي أخرجني من مكة إلى المدينة قادر على أن يسوق إليَّ الشهادة".
وبالفعل استشهد عمر على يد أبو لؤلؤة المجوسي حيث طعنه وهو ساجد في صلاة الفجر يوم 26 من ذي الحجة سنة 23 هجرية.