الذّات المؤنثة، تجلّياتها السردية في رواية " ليت ....شهدا " ٢ ٢

حوالي ٦ سنوات فى الشروق

من أسئلة ـ الدّلالة إلى تضاريس الخطاب: تجلّت "شهد" في النصّ صورة للذّات القلقة المستميتة في الفهم والسّاعية إلى التغيير تراجع ذاتها ولا تدّخر جهدا في التمرّد على الأشكال النمطيّة والمعاني الجاهزة المستهلكة، متسلّحة في ذلك بثقافة ثريّة. لكنّها كانت تناور في مربّع ضيّق، مربّع الواجبات التي ترزح تحتها. وبين هذا وذاك تأتي لغتها متنوّعة غير متجانسة تستدعي قارئا متعدّدا. فخطابها يتضمّن أبعادا تناصيّة مع:
+ الملفوظ الأدبي: ص50: " فرّ النوم منها نهائيّا فجاءها المتنبي منشدا:
أرق على أرق ومثلي يأرق... وجوى يزيد وعبرة تترقرق. "
وفي ص 298: " أكره أن أكون شهرزاد تلك الجارية التي تقايض الحياة بالطاعة والحكايا.. وأكره أن أكون جوليات التي تقايض العشق بالموت... وأكره أن أكون عبلة التي تقايض الحبّ بالصبر والانتظار.."
+ مع الموروث الديني: ص50: " تقلّبت يمينا وشمالا، قرأت المعوّذتين وآية الكرسي ثلاثا، استغفرت ربّها مرارا."
+ مع الموروث الاجتماعي وأمثاله الشعبيّة، تقول الأمّ ص: 283" الأب تاج على رؤوس الأبناء.... الله لا يرد هراوة على فاس."
وبرغم هذا الثراء فإنّ ضيق الأفق جعل لغتها لا تسير في اتجاه أفقيّ قد يثمر حوارا بقدر ما تكشف عن مسار عموديّ يصاغ في حركة نافوريّة بين الحلم والذكرى والوهم. هي لغة الشعور واللاّشعور ولكنها لم تكن بأيّة حال لغة الحوار الذي يبدو مكبّلا، عاجزا عن إحداث تواصل مّا بين الشخصيّتين الرئيسيّتين في النصّ القصصيّ رغم التقارب النفسي والتجاذب المادي الفيزيائي بينهما. حتّى أنّ من الحوارات:
+ ما انغلق على ذاته، فكان باطنيّا: ص74: " أيّ جحيم تعيش يا ولد البوجاهي؟ إنها لخيانة موصوفة تبعث على الغثيان"
+ ومنه ما كان مبتورا ص 74" قال لها سأتولّى أمرهما... لم تجبه وابتلعها المطبخ....سألها ألا تتعشين.. انشغلت عنه بترتيب مفرش المائدة "
+ ومنه ما ورد عنيفا ص124: " فتحت عينيها وحدجته شزرا و صاحت بصوت يتحشرج: في المقهى؟ الله الله وأيّ مقهى هذه التي تظلّ مفتوحة إلى ما بعد منتصف الليل؟"
كلّ هذه الأشكال الحواريّة تكشف عجزا عن محاصرة أوجه الخلاف بينهما، ممّا جعل كليهما ينغلق على ذاته محتميا بقوقعته، تاركا لليوميّ توجيه دفّة الحياة
وهكذا تستكين الشخصيّة المؤنّثة في إطار الخطاب المنغلق على ذاته إلى معرفة سطحيّة بأسباب قلقها وتكتفي بتصوّر أحاديّ للواقع قاصر عن إدراك عمق الإشكاليّة التي تعانيها. 
وهذا ما يجعل حركتها الدراميّة لا تسير في نسق خطيّ وإنّما تجيء في حركة دائريّة مغلقة يرجّها من الدّاخل مدّ وجزر، تجلّى حينا في:
= بنية المكان: إذ نقف على ثنائية المكان المغلق البيت والذي قد يزيد انغلاقا: الغرفة في مقابل المكان المفتوح الشارع، البحر.. وهي فضاءات لا تدل على إحالات مرجعيّة بقدر ما هي علامات رمزيّة في النصّ.
= وأحيانا في بنية الزّمان: ثنائيّة الزمان الآني والزّمان الاسترجاعي
عموما كانت حركة النصّ دائريّة تحوصلها حركة مشهديّة جاءت في فاتحته. يقول صوت السارد في ص5: في الشّارع الرئيسيّ شاهدها العابرون تطوف مرارا بالحديقة الدّائريّة في مفترق الطرقات غير عابئة بالسيّارات ولا بمزاميرها.."
هذه الحركة تختزل النصّ بأكمله. إنّها حركة مفتاح تحيلنا على عمقه. الخـــــاتمة: هكذا تتبعت حركة شهد على امتداد النصّ الروائيّ وهي تتقدّم بخطى مبعثرة فوقفت على شخصيّة متأزّمة توهّمت أنّها منحت الحبّ لكن الحبّ عندها صار قرين الخوف حينا والكره أحيانا، الغضب حينا والانتقام أخرى.... شخصيّة مفاهيمها للحبّ والحياة متداخلة.. لكنها تصرّ ألاّ تتناسى إشكالياتها وترفض أن تستبدل وعيا حقيقيا بوعي زائف. بل تستميت في الفهم فتقع في المحظور، محظور من فتح على نفسه الباب السابع بلجاجة أسئلته، وفقد إلى الأبد طمأنينة كان بوسعه أن يستتر بها من رياح العدم التي كادت تقتلعها من جذورها وترمي بها إلى هاوية الجنون..
إلاّ أنّ شهدا تنهض من رمادها وتستميت في إعطاء معنى لحياتها حتّى في أحلك اللّحظات التي صارت فيها تتحرّك خارج الأطر الاجتماعية المقبولة: صورة المرأة غير المتزوّجة وغير المطلّقة. لقد تصوّرت شهد أن ذلك الفضاء قد يكفل لها بعض الحرية فسعت إلى تدارك ما فات وأصرّت على تحويل رهان اللحظة إلى أبنائها. إلاّ أنّ الواقع لا يرحم
ففرار الوالد غير الشرعي من مسؤولياته عضده فرار شرعي للابن بحجة الدراسة وتيه الأم بحثا عن ذاتها في الذوات الافتراضية عضده تيه البنت التي عاشت أيام الباكالوريا قصة حب مع أستاذها.
وتجيء النهاية مفتوحة على الفعل والثورة التي قد تأتي وقد لا تأتي...
ويبقى السؤال: كيف يقاوم الضعيف قوى العنف التي تحاصره؟ وهل مازال أمامه مجال للفعل؟
وختاما هل إنّ أزمة الذات المؤنثة هي أزمة جنس وهويّة أم أزمة مجتمع؟

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على