من ابن طولون لفيفي عبده.. تاريخ موائد الرحمن في مصر

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

صابر العربي ومؤمن عبد اللاه

فور ظهور هلال شهر شعبان، يتسابق ميسورو الحال والفنانون وعدد من المشاهير ورجال الدين في إعداد موائد الرحمن التي تكتظ بها شوارع القاهرة والمحافظات، استقبالًا لضيوف "الرحمن" في شهر رمضان الكريم من الفقراء والأغنياء من الصائمين؛ ومنذ تاريخ ظهورها في مصر ونشأتها بشكل عام وهي تجتذب المارة ولا تفرق بين طبقاتهم الاجتماعية، باختلاف المناطق شعبية كانت أم راقية.

 

 

أصل موائد الرحمن

تباينت الروايات في أصل موائد الرحمن، فمنها من أرجعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان أول من أقام مأدبة طعام، لوفد الطائف عندما قدموا إلى المدينة، ليعلنوا إسلامهم ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يرسل إليهم إفطارهم وسحورهم مع بلال بن رباح، ومن بعده صار على هذا المنهج الخلفاء الراشدون، حيث كان عمر بن الخطاب أول من أقام دارًا لضيافة الصائمين.

 

أما عن تاريخها في مصر، فذهب الرأي الراجح إلى أن الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، هو أول من أقام مائدة الرحمن بمصر في أول أيام رمضان، اجتمع عليها كبار رجال الدولة من القادة والأعيان في السنة الرابعة لولايته، وأمر بأن تستمر هذه المائدة طوال الشهر الكريم.

 

وخطب "ابن طولون" خطبته الشهيرة وقتها حيث قال "أجمعكم حول هذه الأسمطة لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم في حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب، ولكنني وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم في رمضان، ولذلك فإنني آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير المحروم".

 

رواية أخرى تقول إن أول من أدخل موائد الرحمن إلي مصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وكان أول من أقام مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص، وكان يخرج من قصره 1100 قِدر بها جميع أصناف الطعام لتُوزَّع على الفقراء، وكانت تسمى هذه الموائد بـ "دارالفطرة" وكانت تمتد بطول ١٧٥ مترًا وعرض ٣ أمتار.

 

وتشير رواية ثالثة بأن موائد الرحمن بدأت مع الفقيه المصرى الليث بن سعد، والذى كان يقيمها ليقدم فيها للصائمين أشهى الأطعمة، خاصة "الهريسة" حتى عُرِفَت باسم "هريسة الليث".

موائد الرحمن كانت حكرًا على الملك فاروق

وقبل ثورة الضباط الأحرارعام 52، كانت موائد الرحمن في وسط البلد حكرًا على الملك فاروق، الذي كان يقيم مأدبة هائلة في ساحة قصر عابدين يفتتحها بنفسه يوميًا مع أشهر قراء القرآن الكريم، ويستضيف فيها كبار المسؤولين بالقصر والوزراء ونجوم المجتمع من الباشاوات وأيضًا الفقراء وأبناء السبيل، وفي عام ١٩٦٧ أعاد بنك ناصر إحياء موائد الرحمن بإقامتها من أموال الزكاة بعد غيابها لسنوات.

وفي عام ١٩٦٧ تولى بنك ناصر الاجتماعي الإشراف على موائد الرحمن بشكلها الحالي، فيما كان يتم إعدادها من أموال الزكاة، وكان أشهرها المائدة التي تقام بجوار الجامع الأزهر والتي يفطر عليها أربعة آلاف صائم يوميا، وبعدها ظهرت مشاركة الوزراء ورجال السياسة والفنانين ورجال الدين في إعداد موائد الرحمن بغرض التقرب إلي الله أو بغية أهداف أخرى.

وتعاقبت السنوات، حتى وصلنا لرمضان في العصر الحالي، والذي لا يخلو من تباري الكثير لإقامة موائد الرحمن، والمنتشرة في ربوع مصر بشهر رمضان لإفطار عشرات الآلاف من الصائمين، وترصد "التحرير" عددا من أبرزها ذائعة الصيت، عبر هذا التقرير.

أطوال مائدة في مصر

تكتظ منطقة مدينة نصر بشمال شرق القاهرة بعدد من موائد الرحمن، ومنها المائدة التي يقيمها الدكتور حمدى طه أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، وتُعَد واحدة من أطول الموائد في مصر -إن لم تكن أطولها- ويلتف حولها طلاب الجامعة من كافة الجنسيات، بالإضافة إلى عدد من كبير من المثقفين والأدباء ورجال الدولة.

مائدة استاد القاهرة

إلى جانب مائدة مدينة نصر الكبيرة، فهناك باستاد القاهرة تُقيم طريقة الأشراف مائدة ضخمة أيضًا، يكون زوارها بالمئات يوميًا.

وهناك عشرات الموائد الشهيرة التي يقيمها الأزهرالشريف، وتمثل فرصة لاجتذاب الطلاب الوافدين من الأفارقة والآسيويين.

مائدة منذ 25 عامًا

ومن أشهر الموائد الموجودة في مصر والتى يرجع تاريخها لأكثر من 25 عامًا تلك التي تقيمها عائلة زينهم بوسط البلد، والتي يعمل القائمون عليها بتجارة التحف والأنتيكات بشارع هدى شعراوي، مثل مائدة الحاج حسن زينهم، ومائدة الحاج علي زينهم اللتين تقامان بجوار سور بطريركية الأرمن الكاثوليك بشارع صبري أبو علم.

ومن أشهر موائد الرحمن الموجودة في مصر أيضًا، تلك التي تقام بمنطقة الكورنيش ببولاق أبو العلا بالقرب من وكالة البلح، نظرًا لأنها تتوسط منطقة تجارية كبرى ويساهم فيها الكثير من التجار وأصحاب المحال، وتستقطب العديد من الفقراء، ويساهم فيها عدد من الأقباط.

وعلى الرغم أنه من الأماكن الراقية في مصر، فإن شارع 26 يوليو بالزمالك يعد حاضنًا لعدد من أشهر موائد الرحمن في مصر، بالإضافة إلى المائدة التي تُقام أسفل كوبرى 15 مايو كل عام ويقوم عليها العديد من أصحاب المحلات وميسوري الحال، كما اشتهر ميدان عابدين بإقامة مائدة ضخمة لأهالي المنطقة من الفقراء وغير القادرين.

 

 

وفي ميدان رمسيس يقام عدد من الموائد الشهيرة بجوار محطة مصر للسكة الحديد، لعل أبرزها مائدة مسجد الفتح، ومائدة الحج غريب والحج مهران، صاحبي عدد من المحلات التجارية بالمنطقة لخدمة المسافرين والقادمين من السفر.

 

وفي السيدة زينب تُعَد مائدة نصار من أكبر الموائد في المنطقة ويقوم عليها أهالي السيدة زينب، بالجهود الذاتية، مع مائدة الرحمن التي تقام داخل مسجد السيدة زينب.

وفي منطقة الأزهر بالتحديد عند تقاطع الأزهر مع شارع بورسعيد تكون مائدة الرحمن المجمعة، والتي يحرص تُجار الموسكي وشارع عبد العزيز على إقامتها كل عام، وتمتاز هذه المنطقة بتجارة الأقمشة والعطارة والمساجد الكبرى مثل الحسين والأزهر ومشيخة الأزهر ودار الإفتاء ومنطقة الغورية.

مائدة الـ2000 صائم

وفي محافظة الجيزة بميدان الدقي، نجد مائدة الرحمن الكبيرة والشهيرة التي يلتف حولها عدد من المغتربين من الطلاب والعاملين القادمين من المحافظات.

كما توجد مائدة أخرى شهيرة داخل أروقة الحي الراقي، والتي تمتد أمام سور نادي الصيد بالدقي، ويحتشد حولها نحو 2000 صائم يوميًا.

أما في مدينة السادس من أكتوبر بالقرب من ميدان ليلة القدر، فتنتشر الكثير من موائد الرحمن، من جانب أصحاب المصانع، الموجدوة في المنطقة الصناعية.

 

ولم تتوقف الموائد بنطاق محافظات القاهرة الكبرى، بل امتدت وتشعبت داخل غالبية المحافظات، ففي الإسكندرية يشهد ميدان المنشية إقامة أكبر وأهم موائد الرحمن لكونه يقع وسط المدينة، حيث يعكف رجال الأعمال وتجار المدينة على إقامة الموائد به.

وفي مدينة العاشر من رمضان تقام مائدة أسفل كوبرى مدخل المدينة، وتُعد من أكبر الموائد في المنطقة، وتمتاز هذه المائدة بموقعها المتميز، لقربها من طريق الإسماعيلية الصحراوي، وتستضيف الكثير من المسافرين ويقوم عليها عدد من رجال الأعمال بالمدينة.

وفي ميدان عرابي بالزقازيق يحتفظ عدد من الموائد الكبيرة بأماكنها منذ عقود، لتقدّم الطعام للفقراء والفلّاحين الذين يمرون من هناك في وقت الإفطار.

وفي ساحة الشيخ أحمد مرتضي بمنطقة الزناقطة بالأقصر، تُقام أطول مائدة إفطار للصائمين في الأقصر وتقدم الطعام للمئات يوميًا من زوار الساحة.

موائد المشاهير 

لم يتخلف عدد من الفنانين عن سباق الخير ابتغاء الثواب، حيث بادروا إلى إقامة موائد الرحمن على مدى السنوات الماضية.

شيريهان ومائدة عمرها 17 عامًا

تعتبر نجمة الفوازير الأولى فى مصر شيريهان من أوائل النجمات اللاتي حرصن على إقامة الموائد، فكانت أول مائدة لها فى عام 2001 بجوار عمارة ليبون الشهيرة بحى الزمالك، والتي امتدت منذ ذلك الوقت حتى الآن لتسجل 17 عامًا، وبعد اندلاع ثورة 25 يناير قررت أن تقيم مائدة أخرى أمام قصرها بالمنصورية وحظيت المائدتان بشهرة واسعة لم يتوقعها أحد خاصة بعد الصعوبات التى تعرضت لها الفنانة بالسنوات الأخيرة، ويقوم أقاربها حاليًا بالإشراف عليها وخدمتها.

مائدة فيفي عبده.. أكل فنادق وتوزيع أموال

وفي شارع جامعة الدول العربية بمحافظة الجيزة، تحرص الفنانة فيفي عبده على إقامة مائدة الرحمن في رمضان كل عام، كما تحرص على مشاركة ضيوف المائدة فى تناول الطعام نحو 3 مرات في الشهر.

وتحرص فيفي عبده على توزيع الأموال على جميع الحاضرين بالمائدة، ما جعل الكثيرين يترددون على تلك المائدة التى ينتظرونها كل عام، ويشهد المترددون عليها بضخامتها وتنوع الأطعمة والمشروبات، حيث يقوم بإعداد الطعام طهاة من أكبر الفنادق.

دينا على خطى فيفي

وعلى غرار فيفي عبده، تحرص الفنانة دينا على إقامة مائدة رحمن، والتي تسعى باستمرار لجعل مائدتها من أفضل الموائد وذلك لجذب أكبر عدد من الضيوف، من خلال قيام أفضل الطهاة العاملين فى أكبر الفنادق بتجهيز الطعام، وتقوم دينا بمتابعة أدق التفاصيل بنفسها كما يقوم كل من والدها وأشقاؤها بالإشراف على المائدة، هذا بجانب أنها تفطر مع الصائمين أكثر من مرة، حالها كحال فيفي عبده.

مائدة روبي بحارة نشأتها.. والميزانية مفتوحة

الفنانة والمطربة روبي كانت على نفس التوجه، بإقامة مائدة للرحمن فى حارة الشيخ إبراهيم المتفرعة من شارع الجيش في وسط القاهرة وهي الحارة التي نشأت فيها، ووضعت روبي ميزانية مفتوحة طيلة الشهر الكريم لهذه المائدة وذلك لإطعام جميع الفقراء سواء في حارتها أو الحواري المجاورة لها.

شيرين عبد الوهاب صاحبة المائدتين

النجمة والمطربة شيرين عبد الوهاب قامت العام الماضي بعمل مائدتين للرحمن، الأولى في حي البساتين بالقلعة وهو الحي الذى نشأت فيه وكانت تحت إشراف والدها، والذي وافته المنية الشهر الماضي، وتقيمها منذ عام 2012.

والمائدة الأخرى التي أقامتها المطربة شيرين رمضان الماضي، بمشاركة الفنان أحمد سعد الذى طلب منها التعاون في إقامتها، حيث تقع في الحى العاشر بمدينة نصر خلف سوق السيارات.

شارك الخبر على