إعلان زين .. المتاجرة بقضية فلسطين لجلب الزبائن

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

عندما تمتلك "براند" بقامة شركة زين، واحدة من أهم وأفضل شركات الاتصالات في المملكة العربية السعودية؛ فأنت لا تحتاج إلى توجيه رسائل إنسانية من خلال إعلاناتك؛ فالشركة تمتلك رصيد جماهيري وتجاري بالفعل، لكن شركة زين وعلى مدار الأعوام الأخيرة، تستمر في توجيه رسائل وعرض قضايا خطيرة كالإرهاب والهجرة غير الشرعية وآخرها إعلان سيدي الرئيس؛ فأصبحت كالراقص على الحبل، لا هي قدمت عمل إنساني خالص بدون نية تربح، ولا  إعلان تجاري كشركات الاتصالات تعرض فيه منتجها وتروج له.. إذن ما الفارق بين ما تفعله زين و الإعلانات الأجنبية؟

إعلان زين (سيدي الرئيس)

يبدأ "سيدي الرئيس" بطفل صغير يتوجه مغنيًا أمام شبيه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محاولًا استعطافه برسالة تدعو للحب ونبذ الحروب، بسبب تأثيرها السيء على الإنسانية كلها والأطفال تحديدًا، يتنقل الإعلان ليعرض مشاهد منفذة بعناية، وهو ما يبدو واضحًا في اختيار أشباه مناسبين للرؤساء سواء ترامب أو فلاديمير بوتين أو كيم يونغ، فضلًا عن اختيار طفل لطيف بجاذبية ساحرة، يجعلك تدمع تلقائيًا عندما تشاهده، وأخيرًا مشاهد جثث غرقى محاولات الهجرة غير الشرعية، كل هذا يجعلك تتوقف لحظات أنت أمام إعلان مختلف يعرض قضية ومعاناة الشعب العربي بأكمله، لكن الإعلان لم يقدم شيئًا واحدًا نفهم من خلال ما هذا الذي يعرض أمامنا، حتى آخر 3 ثواني يظهر فيهم لوجو زين.
 

Winner of best Thai Commercial 2014

إعلانات كثيرة حول العالم نجحت في توصيل رسالات إنسانية مؤثرة، ومن أبرزها أفضل إعلان تايلاندي خلال عام 2014، والذي يبدأ بشاب يتمتع بطاقة إيجابية واضحة، تجعله يسرع لمساعدة عجوز في تحريك عربتها، ومشاركة طعامه مع كلب ضال، والتبرع بكل ما في حافظته لمساعدة طفلة صغيرة على إكمال تعليمها، وأخيرًا ترك ثمار موز على باب شقة جارته العجوز كهدية، والشاب يكرر فعلته كل يوم، في رسالة غرضها واضح وهو نشر الحب والإيثار؛ فالشاب لا يتلقى في النهاية أي شيء سوى مشاعر حب ممن يساعدهم، وامتنان من الكلب، ونظرة إعجاب من الطفلة، التي تذهب إلى المدرسة بفضله؛ ليتحول إلى قدوة للآخرين في الإيجابية والحب.. قد تظن أن الإعلان هو رسالة خيرية بالأساس، إلا أنه في آخر ثواني يتضح أنه حول التأمين على الحياة؛ لأن شعار الشركة هو الإيمان بالخير، ومن هنا جاءت فكرة الإعلان لخدمة الشعار الأساسي لشركة التأمين على الحياة.
 

واقع حزين

يعرض إعلان سيدي الرئيس واقع مظلم يعيشه العرب والمسلمون؛ مجسدًا آلام مذابح بورما، والهجرة غير الشرعية وتأثيرها على أضعف فئات المجتمع وهم الأطفال.. الصغير بطل الإعلان يضيف: "سيدي الرئيس أنا لا أنام، كل ما أغمض عيني أسمع انفجار"، في إشارة إلى معاناة أطفال سوريا، كل هذا بالطبع هو مجهود كبير من إعلان مدته 3 دقائق، أن تقدم واقع أليم يعيشه شباب وأطفال عرب وسط تجاهل غربي، وفي نفس الوقت لم يهاجم الإعلان الغرب ولا حتى رؤسائه، بل أظهر لهم تسامحًا ورغبة في السلام؛ برسالة إنسانية نبيلة كلنا واحد.. كلنا إنسان، نفس الرسالة التي تبناها الإعلان التايلاندي، فالشاب يساعد غيره لأنه يعلم أنه معرض لأن يمر بنفس مشاكلهم، ولأن نشر الحب والخير هو غايته.

رسالة واحدة وتنفيذ متواضع

هدف كلا الإعلانين واضح، وهو نشر الحب ونبذ الكراهية ومحاولة مساعدة الآخرين، سواء بشكل شخصي كما في الإعلان التايلاندي، أو في قضية عامة مثل إعلان  زين ودعوته إلى السلام ووقف الحروب واستعادة القدس (الحلم الأكبر)، وهو هدف نبيل كما هو واضح؛ فلن تغامر إعلانات عربية كل يوم بعرض قضايا حساسة مثل الهجرة غير الشرعية، المشكلة هنا جاءت في التنفيذ؛ ففي حين تمتع إعلان سيدي الرئيس بإخراج جيد وممثلين مناسبين لأدوارهم، غاب عنه أهم شيء يستهدفه الإعلان وهو الجمهور؛ إذ أن الرسالة موجهة إلى رؤساء العالم، فلماذا يعرض على المشاهد العربي إذن.. وهل سنستعيد القدس من مجرد إعلان شركة اتصالات!

في المقابل نجح الإعلان التايلاندي في استهداف جمهوره؛ فبواسطة شعار (نؤمن بالخير) نجح في عرض رسالة قوية لمساعدة الآخرين بأعمال بسيطة، يمكن أن يقدمها أي شخص في حياته اليومية العادية، وظهر الإعلان بشكل متواضع يناسب الجمهور الذي يستهدفه، حيث أن تايلندا من الدول محدودة الدخل، إضافة إلى أن شركة التأمين على الحياة (يظهر اسمها في النهاية بالتايلاندي) تعرف أن متوسطي ومحدودي الدخل لا يؤمَّنون عادة على حياتهم، لذا رفعت شعار نؤمن بالخير، كوسيلة للتقرب من الفقراء وتحميسهم بأسعارها المنخفضة.

هل يمكن أن نعتبر "سيدي الرئيس" إعلان؟

التعريف البسيط للإعلان هو أنه وسيلة لترويج البضائع أو الخدمات؛ إذن ما هي السلعة التي قدمها "سيدي الرئيس" طوال 3 دقائق؟! الإجابة لا شيء، لو تجاهلنا تيمة الضحية، سنجد أن الإعلان اتخذ من قضية فلسطين وسيلة للتربح، رغم أنه ليس بحاجة إلى أن يبيع أكثر؛ فلا هو قدم إعلان قال فيه بوضوح نعم أريد أن تشتروا من شركة زين هذا هو هدفي التجاري، ولا هو عرض معاناة العرب وأوصلها إلى الغرب بدون نية تربح، إذن ما هو هدف زين؟ التربح من وراء القضية؟ أم كسب تعاطف معها؟

ردود الفعل

"سيدي الرئيس" صدر منذ أيام قليلة لذا لا يمكننا الحكم بشكل كلي على رد فعل الجمهور؛ فالبعض انبهر بالفكرة وطريقة العرض والرسالة بشكل عام، واعتبر أن اختيار طفل لعرض المأساة ليست متاجرة وإنما لأن الصغار هم الأكثر تأثرًا بواقعنا الأليم، لذا جاء الاختيار في محله، في حين انتقد آخرون دور الضحية المعذبة الذي يظهر عليه العرب، فبالنسبة لهم الإعلان يعرض على التلفزيون للعرب لن يكفي لتغيير وضع مأساوي نعيش فيه منذ أعوام، أيضًا توقيت عرضه كان سيئًا للغاية، فكيف نطلب من رئيس أمريكا أن يساعدنا في استعادة القدس، وبالأمس كانت ابنته إيفانكا تحتفل مع الإسرائيليين في المقر الجديد للسفارة الأمريكية في القدس!

أما الإعلان التايلندي، الفائز بجائزة أفضل إعلان أجنبي لعام 2014، فالجمهور تلقاه بشكل مختلف تمامًا، بل أنه يتم تداوله على موقع يوتيوب بصفته واحد من أفضل الإعلانات الإنسانية في التاريخ؛ فبسبب بساطته، تفاعل معه الجمهور ليتمنى كثير من المعلقين عليه أن يصبحوا مثل بطل الإعلان يوم ما، وبالطبع تسبب تجاوز الإعلان حاجز الـ 8 مليون مشاهدة في تحقيق مبيعات كبيرة للشركة التايلاندية، خاصةً مع استخدامها الطفلة في الإعلان للتأكيد على أهمية التعليم، في حين ظهر الطفل في زين ينادي بقضية أكبر بكثير من عمره، أكبر حتى من أن يفهمها.

بالطبع العرب بحاجة إلى إظهار معاناتهم الحالية؛ فهم دائما محاصرون باتهامات الإرهاب التي تروجها أصوات كثيرة في الغرب، الواقع يفرض علينا نقل صورة واضحة لمعاناة الأطفال والشباب، لكن تلك الرسالة لا يجب أن وجهها إلى أنفسنا، بل إليهم.

شارك الخبر على