علاقة تركيا بالجماعات الإرهابية بعد الربيع العربي

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

أما لهذا السيل من الإرهابيين أن ينتهى؟! هذا ما قضى فيه العرب وقتهم، بل الشرق الأوسط والعالم كله، منذ بداية الثورة السورية. لم يكن يشغل العالم وقتها سوى وضع حد لانتقال المتطرفين من مواطنهم الأصلية إلى معركة القتال فى سوريا والعراق. وكان التركيز الأكبر على تركيا باعتبارها تشترك مع سوريا والعراق بأطول حدود مشتركة مع البلدين مجموعين.

فى البداية، لم يكن مفهومًا غض الطرف التركى عن انتقال أعداد كبيرة من المقاتلين من جميع أنحاء العالم عبر حدودها. فسّره البعض أنه خوف تركى من أى ردود فعل عنيفة من جانب المقاتلين المتأسلمين، يتمثل فى تنفيذ عمليات إرهابية فى الداخل التركى. وفسّره آخرون بأنه صعوبة فى تأمين تلك الحدود الجبلية الوعرة. كذلك استمر الأمر حتى فى ظل سيطرة داعش على آبار النفط ونقله للبترول من المصافى السورية والعراقية عبر الحدود التركية.

لم يكن فى استطاعة العالم والشرق الأوسط تحديدًا أن يتحمل الخطرين معًا؛ خطر انتقال المقاتلين وبالتالى ضخامة التنظيمات الإرهابية، وخطر قوة تنظيم داعش ماليًا من خلال تصدير النفط والاستفادة من عائده. وهو ما يسهم فى ثبات دعائم التنظيم بشكل قد يجعل من مهمة اقتلاعه والقضاء عليه شبه مستحيلة. فأين هو العنصر التركى فى خضم هذا كله؟

الجماعات الإرهابية في سوريا

فى بداية الثورة السورية، تركت السلطات التركية حدودها مفتوحة أمام انتقال المقاتلين. فكانت تركيا المحطة الرئيسية التى ينتقلون منها إلى سوريا أو العراق. ووفقًا للفورين بوليسى فإن عدد 30 ألف مقاتل عبروا الحدود التركية السورية فى عام 2013 وحده، وهو ما يمثل رقما ضخما جدًا يضع تساؤلا محوريا كيف تترك دولة كبيرة بحجم تركيا، وعضو فى حلف الناتو، حدودها منتهكة إلى هذا الحد.

ألم تكن تركيا تدرك أن نمو تنظيمات إسلامية متشددة فى دولة مجاورة لها بالتأكيد يخلق تهديدا ضاغطا جدًا على أمنها القومى. الحقيقة أن هدف إسقاط بشار الأسد كان الطاغى على تفكير صناع القرار الأتراك. فلم يكن مهمًا هوية الأطراف المشاركة فى إسقاطه. أو لربما كان الاعتقاد أن ترويض الجماعات الإسلامية قد يكون أسهل على تركيا من ترويض الأسد نفسه.

اقرأ أيضا.. أزمات أردوغان لا تنتهي في الشرق الأوسط.. وزعيم المعارضة يتعهد بحلها

ولكن تصريحات وزير الداخلية التركى معمر جولار فى يونيو 2014 كانت مثيرة للقلق. فقد صرح أن تركيا تساعد مقاتلى جبهة النصرة، وأن مدينة هاتاى الحدودية قد أصبحت مركزًا لعبور المقاتلين ولتوفير الدعم اللوجستى والتدريب والرعاية الصحية، وستتولى المخابرات التركية ووزارة الشئون الدينية توفير مواطن لإقامة المقاتلين فى هاتاى!

انتقلت الحيرة الآن ما بين ترويض الجماعات الإسلامية والتوافق الأيدلوجى معهم ودعمهم بشكل مباشر. ثم يأتى الخبر اليقين، رئيس الوزراء التركى أحمد داوود أوغلو يمنع النشر فى قضية نقل الأسلحة إلى داعش عبر الحدود، ويقيل ضباط الجيش المسئولين عن كشف تلك القضية ويحولهم للمحاكمة بتهمة الخيانة. حيث كشف ضباط من الجيش التركى شاحنات تتنقل عبر الحدود التركية السورية محملة بالأسلحة بإشراف المخابرات التركية وبأمر مباشر من رئيس الوزراء، وصلتهم إخبارية أنها فى طريقها إلى داعش. كان ذلك قبل أشهر من إسقاط تركيا لطائرة سوخوى-24 الروسية فى نوفمبر 2015.

لذا، لم يكن الاتهام الروسى آتيًا من الفراغ. فقد صدرت تصريحات من بوتين شخصيًا فى أعقاب حادث إسقاط الطائرة الروسية، أن تركيا تدعم المسلحين فى داعش وجبهة النصرة عسكريًا وماليًا ولوجستيًا. وأضاف على ذلك أنها المستورد الرئيسى للنفط الذى يستخرجه التنظيم من الآبار التى يسيطر عليها فى العراق وسوريا. وعرضت وزارة الدفاع الروسية صورًا من الأقمار الصناعية تظهر فيها شاحنات البترول تنتقل عبر الحدود التركية. ومما دعّم هذا الاتهام، تسريبات ويكيليكس لإيميلات من الحساب الشخصى لصهر أردوغان، زوج ابنته بيرات البيرق، ووزير فى الحكومة التركية. أظهرت الإيميلات علاقته مع شركة نقل للنفط، باور ترانس PowerTrans، متورطة فى صفقات نقل للبترول مع داعش. برغم نفى بيرات لتلك العلاقة، فإن شحنات النفط التى كانت تخرج من الموانى التركية لم تنف تلك العلاقة.

اقرأ أيضا.. بعيدًا عن سوريا: أبرز 4 عمليات عسكرية للجيش التركي منذ أتاتورك 

يمكن القول إن تركيا لم ترضخ للضغوط الدولية بإحكام المراقبة على حدودها وتشديد الإجراءات إلا فى أغسطس 2015، بعد أن انتقل "نصيب الأسد" من المقاتلين.

الأكراد

التحول المحورى الآخر فى سياسة تركيا تجاه الأحداث فى سوريا كان بزوغ نجم المقاتلين الأكراد فى المعركة ضد داعش خاصة بعد نجاحهم فى كسر حصار كوبانى فى يناير 2015 بعد خمسة أشهر. فقوات وحدات حماية الشعب الكردية كانت الأكثر تنظيمًا وجهوزية لمحاربة التنظيم من الآخرين الذين ركزوا على قتال الأسد. فحظوا بدعم التحالف الدولى لمحاربة داعش، ودعم الولايات المتحدة بشكل أساسى. أثار ذلك الخوف التركى من قوة الأكراد المتزايدة، وركزوا على إضعاف قوتهم، وسبق ذلك هدف إسقاط الأسد بشكل مؤقت.

استخدمت تركيا شتات مقاتلى داعش الذين خرجوا من الرقة وغيرها فى تنفيذ عمليتيها؛ درع الفرات وغصن الزيتون. فأصبح داعش عنصرا مهما بالنسبة لتركيا فى مواجهة الأكراد. فكان أهون على تركيا أن تضم مقاتلى التنظيم تحت سيطرتها، من أن ترى دولة كردية قوية تنشأ على حدودها قد تدفع أكراد تركيا لديها للمطالبة بالانفصال شأن أقرانهم فى سوريا، أو يشارك أكراد سوريا فى معاونة أقرانهم من الأتراك فى الحرب ضد الدولة التركية، بما أنهم يملكون السلاح والدعم الأمريكى والموارد. فركزت تركيا مساعيها فى تلك الفترة على هدم أى محاولات لإنشاء دولة كردية، وتحطيم أى مصادر للقوة الكردية.

اقرأ أيضا.. قصة الجيش السوري الحر.. من الثورة إلى تركيا

ليبيا

علاقة تركيا مع الجماعات الإرهابية لم تقتصر على سوريا والعراق باعتبارهما دولتى جوار، بل امتدت إلى ليبيا حيث انعدام تام للسلطة المركزية. وهو ما يشكل امتدادا للتهديد الذى يواجهه العالم فى بقعة أخرى من أخطر البقاع. ففى يناير من العام الجارى، قبضت سلطات خفر السواحل اليونانى على سفينة شحن تركية فى اتجاهها إلى ميناء مصراتة محملة بالأسلحة. بجانب أنه يخرق قرار مجلس الأمن بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، فإن ذلك يذكى الصراع فى ليبيا ويهدف إلى استمراره بلا نهاية.

العلاقة التركية مع جماعات الإسلام السياسى المتطرفة علاقة شائكة جدًا، ولم تتكشف حتى الآن كل خيوط المشهد. وما نعتمد عليه فى رسم الصورة الحالية لا يمثل سوى جزء ضئيل من الأزمة.

اقرأ أيضا.. 6 تصريحات تؤكد تناقضات أردوغان

شارك الخبر على