سبايك لي يفتح ملفّات عنصرية الماضي لمحاكمة عنصريات الحاضر

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

كان: عرفان رشيد
شرطي أسود، (يؤدّيه جون ديفيد واشنطن، نجل النجم دينزيل واشنطن )، خفيف الظل ومحبوب من زملائه البيض، يعمل في خليّة تحقيقيّة، يعثر يوماً على إعلانٍ نشرته منظمة « كوكلوس كلان » العنصرية الأميركية. الإعلان يتضمّن عنواناً بريديّاً ورقم هاتف، فيسارع إلى مهاتفة الرقم ويتهكّم من المعلنين مُدعياً كونه أبيض وكارهاً للسود ولكل شخص آخر لا ينتمي إلى «الجنس الأميركي الأبيض ». المكالمة الهاتفية مثيرة للضحك وربما كانت ستنتهي باعتبارها مُزحة قام بها الشرطي رون ستالوورث للتهكّم على تلك المنظمة العنصرية، إلاّ أنّ الأمر يتعقّد، عندما يكتشف أنّه أعطى إلى الصوت الذي ردّ على مكالمته إسمه الحقيقي.وحين تفرض ظروف التحقيقات ضرورة تسلّل أحد أفراد الشرطة في صفوف كوكلوس كلان لكشف ما يُخطّطون له من عمليات ارهابية واعتداءات، يُرَشَّحّ لهذه المهمة زميل ستالوورث، الأمريكي، الشرطي الأبيض ( من أصل يهودي ) فليب ( ويؤدّيه آدم دررايفر ) الذي يُجيد تطوير العلاقة مع أفراد عصابة كوكلوس كلان. هذا ما يرويه المخرج الأميركي الأسود سبايك لي في فيلمه الأخير « بلاك كوكلوسمان »، والذي يكشف عبره النقاب عن عنصرّيتين تتواجهان في أميركا الماضي، وتنسحب آثارهما على الحاضر اليوم. ولا تُبدي الأحداث، في الفيلم، والمشاهد الوثائقية التي تُصوّر المواجهات الدامية التي جرت بين البيض والسود في أغسطس من العام الماضي، بأنّ شيئاً ما قد تغيّر، أو بالأحرى، ”لم يتغيّيّر أي شيء، فما كان سائداً في الماضي، أصبح أكثر حضوراً اليوم“، كما يقول المخرج، مؤكّداً أنّ ذلك وقع بالفعل،بالذات بعد انتخاب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي سارع إلى تبرئة العنصريّين البيض وتبرير ما اقترفوه من عنف. يقول سبايك لي ” إنّ علينا أن نتّخذ المسار الصحيح، وعلينا اتخاذ القرارات الحاسمة، ليس في الولايات المتّحدة فحسب بل في العالم بأسره، لأنّ العنصرية ليست مشكلة أميركية فحسب، بل هي أوروبية أيضاً، ويكفي أن نرى كيف يتعامل الأوروبيون مع المهاجرين ومع العرب“، ويُضيف ”إنّ علينا أن نكون يقظين وليس مسموحاً لنا البقاء صامتين إزاء ما يحدث“. ويؤكّد سبايك لي بأنّه كتب هذا الفيلم ”داخل قلبي أولاً، كان نقداً ضرورياً ينبغي البدء به، وقد تلخّص جهدي في الإمساك بهذه الحكاية والربط عبرها ما بين أحداث ذلك الزمان والحاضر الذي نحيا في ظلّه اليوم“.
الكينونة أولاً.. لارا تُقرر مصيرها"ما أريده هو أن أكون فتاةً فحسب!" تهمس لارا في أذن والدها الذي يحاول مواساتها إزاء ما تعانيه من إقصاء.إنه همس بكل قوّة الصرخة، المخنوقة عمداً وبإصرار. تلك هي حالة لارا، الفتاة ذات الـ 16 ربيعاً، والتي ولدت في جسد ذكر. تحاول لارا، بدعم رائع من والدها العطوف والمتفهّم، وشقيقها ذي السنوات الست، والعديد من أفراد العائلة واصدقائها أن تستعيد كينونتها الحقيقية بعيداً عمّا تُثبّته وثائق الميلاد والهوية الشخصية. كل شيء يسير دون مشاكل تُذكر. لارا تدرس الرقص الكلاسيكي وهي مُجيدة في ادائها الذي يتطوّر بشكل متصاعد. الجميع يُحيطها بحب كبير، وتتجاوز بهدوء كبير ما يطرأ من إشكالات تعامل أقرانها معها في المدرسة الاعتيادية وفي مدرسة الرقص. وهي تستعد بدعم من الجراحين والأطباء النفسيين لمواجهة مغامرة تغيير الجنس، ولمجرّد أن تبدأ بمرحلة الإعداد بالعلاج الهرموني، تبدأ المشاكل بالظهور، محوّلة حياة الفتاة والعائلة إلى توتّر متواصل ومتصاعد، بالذات لأن لارا لا تُفصح لوالدها عمّا تعانيه، سواء في مدرستها الاعتيادية او في مدرسة الرقص. الوالد متفهّم وساعٍ إلى توفير كل ما يضمن أمانها واستقرارها.وتعجز لارا أيضاً عن الإفصاح عن حقيقتها لجارها الشاب الذي اصطفته صديقاً مُقرّباً لها. إلى أن تحلّ اللحظة التي تُقرّر فيها لارا حسم الأمر بتراجيديّة وعلى طريقتها الخاصة مُطلقةً العنان لكلّ ما كانت تختزنه من غضب وعزم وإصرار.ودون الولوج في الحديث عن تفاصيل الفيلم وأداء ابطاله الأساسيّين الثلاثة، يبرز تساؤل منطقي حول السبب الذي دعا المدير الفني للمهرجان تييري فريمو إلى إقصاء هذا الفيلم عن المسابقة الرسمية، فيما تحتوي هذه المسابقة افلاماً لا تستحقّ حتى الوصول الى كان. وقد أَجِدُ تبريراً لذلك، في ما ترسّخ لديّ خلال السنوات الأخيرة، بكون برنامج «نظرة ما»، أكثر إثارة للاهتمام من برنامج المسابقة الرسمية في مهرجان كان. أقول هذا لقناعتي المطلقة بأنه لو تواجد هذا الفيلم في المسابقة الرسمية لكان من بين الافلام المتنافسة على السعفة الذهبية وإحدى جائزتي التمثيل، بالتأكيد. ولا استبعد ان يكون من بين أقوى المرشّحين لجائزة برنامج " نظرة ما ".

شارك الخبر على