بيت ( المدى ) يحتفي بالناقد ياسين النصيِّر وكتابه عن الحداثة

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

  زينب المشّاط عدسة/ محمود رؤوف
النقد رؤى تتشاطر التحليل والتفكُّر وقدرات الناقد على إخضاع النصوص لإمكاناته وفلسفته، أو خضوعه هو الى النصوص، يُذكر أن ضيفنا في بيت المدى كان قادراً بامتياز على اخضاع النصوص وتوظيفها على وفق رؤاه الخاصة، كما انه ناقد مُفكر إضافة إلى تحليله للنصوص بصورة استثنائية، نتحدث عن احتفاء بيت المدى في شارع المتنبي بالناقد ياسين النصيّر، في جلسة أقيمت صباح يوم الجمعة الفائت في شارع المتنبي بحضور مميز لشخصيات أدبية وثقافية معروفة....
لحظة مفصليّةمجالسة مؤسس كبير للثقافة العراقية في نقديتها الثانية لا يُمكن أن يُسمّى احتفاءً، بل هو لحظة ثقافية مفصلية، هكذا وصف الناقد علي حسن الفواز لحظة الاحتفاء بالناقد ياسين النصيّر، وقال الفواز خلال تقديمه للجلسة " النقد هو مسؤولية للتواصل مع النصوص، ذلك انه والفلسفة معه يلتقطان ويؤسسان لمعايير جمالية عالية."حين نتحدث عن ياسين النصيّر سنكون أمام مساحة كبرى وتراكم وتأسيس .كما يعلل الفواز ذلك قائلا "لأن أحد علامات المثقف المؤسس هو أن يملك إرثاً وتراكماً غير مُكدّس وإنما هو اشتباك وتجاوز يكتب بمعرفية بحيث يتأهل نصه ليكون جزءاً من المفصل الثقافي التاريخي النقدي.""شعرية الحداثة... الحركة الثانية لقصيدة الحداثة" كتاب صدر عن مؤسسة المدى ،هذا الكتاب يمثل خلاصة مهمة وأطروحات مهمة لموضوعات ظلت إشكالية في تاريخنا النقدي والثقافي، ويتحدث عن أهمية الحركة الثانية الشعرية، وكيف تعالق الشعر مع الحياة بكل مفاصلها ومفاهيمها.
قرين المبدعلكلّ مبدع قرين، وللنصيّر مدينة هي قرينته في إبداعه، المخرج والأكاديمي المسرحي د.عقيل مهدي يوسف يذكر أن "البصرة قرينة الناقد حيث الشعراء، والحزب الشيوعي، ثم انتقل الى بغداد لتكون الإذاعة والتلفزيون والمجلات والصحف والحياة الثقافية هنا هي قرينة الناقد، وليصبح بعدها قرينه الكاتب والناقد فاضل ثامر من خلال الكتاب الذي أسسا له معاً"ولأن النصير كتب في المسرح أيضاً يذكر مهدي أن "النصيّر هو الوحيد الذي يعطي مرآة صحيحة عن العرض المسرحي من خلال كتابات نقدية، وكتب عن تجربتي في المتوحشة، وفي مسرحية السياب كذلك."عُدّ النصير من النقاد الأيدولوجيين، كما ذكر ذلك وعن لسان عقيل مهدي "باسم الأعسم الذي أكد أن تصويبات النصيّر النقدية في محلها."
إشكاليّة المكان درس مع أساتذة وأدباء أكاديميين واقتدى بما قدموه له، لكنه أيضا استند الى من هُم خارج المتن الأكاديمي ومنهم الناقد ياسين النصيّر، د. علي حداد الناقد والكاتب يتحدث عن تجربة النصيّر قائلاً "النصير يملك رؤية ومنهجاً وأُفقاً معرفياً أسس عليه اشتغالاته جميعاً، منذ مجيئه من البصرة أوائل السبعينيات حيث كان يحمل معه مشروعاً ثقافياً تيقن منه وأراد أن يؤسس عليه بشكل أيدولوجي فكري قريب من اجتماعية الأدب."نقد النصير كان في حالة تماس مع الوعي العراقي والمجتمع، وقد برز في جانب السرد أكثر منه في الشعر. قدم كتابه المشترك الاول عام 1971 مع الناقد فاضل ثامر، وواصل بعدها في إنجاز مشروعه وفكرته وفلسفته، وهو من النقاد الذين حافظوا وتمسكوا بمنهجية اشتغالاتهم مُشتغلاً بذلك على "إشكالية المكان" كما يذكر د.علي حداد.كتب النصيّر في المسرح، والأوبريت، والشعر والسرد، وهذا الأفق الواسع منحه قدرة أدلجة المكان بطريقته الخاصة والجمالية.
قصص عراقيّة معاصرةصديقان، اشتركا في الأدب والنقد وحتى تأليف الكتب، رغم اختلاف نهجيهما. أتحدث عن الناقد فاضل ثامر والمحتفى به، ويتحدث ثامر عن علاقته بالنصيّر قائلاً "يمتلك ياسين النصيّر أفقاً واسعاً اشتبك مع تجارب الشعر والمسرح والرواية والقصة، وقدم أمثالاً متميزة في هذين المجالين، جمعنا مشروع كتابنا المشترك "قصص عراقية معاصرة" و كان ثمرة لفحص التجربة القصصية الستينية مع دراستين واحدة كتبها النصير وأخرى كتبتها أنا."ولم تكن تجربتهم النقدية تلك مجرد حدوسات بل كانت اختياراتهم للأسماء الستينية موفقة، حيث ترسخت هذه الاسماء في العقود اللاحقة، يذكر ثامر أن "النصيّر يمتلك رغبة جامحة للتفرد ولم يكن يرغب بالوقوع تحت مظلة المناهج والأسماء وأكد أنه يستطيع أن يجرب على طريقته الخاصة." في إخضاع المفاهيمعن علاقة النقد بالمناهج الغربية، وملاحظة المزاج والنزع الظاهراتي المهيمن كسِمة أولى على أعمال ياسين النصيّر يتحدث المترجم والكاتب نصير فليّح قائلا "أعتقد أن ياسين النصيّر ظل حريصاً على منطلقاته الشخصية وعمل على توظيف المفاهيم لصالح منطلقاته ،ولهذا نأى عن بعض الظواهر ككلام كثير وجدوى قليلة، في حال أن تلك بمعزل عن الذائقة السليمة."فيما يمكن للناقد كتابة 10 صفحات ليكتب عن شيء سيّئ كأنه شيء جيد ويثبت أن عملاً مهماً هو عمل رديء يحاول فليّح أن يثبت أن "النقطة الأساس هي الملكة النقدية وحاسّة الجمالية التي توظف هذه المصطلحات، والنصيّر ظلّ حريصاً على نقطة ذاتية وهي إخضاع المفاهيم لسياقه وليس العكس."
ناقد مُفكِّر قُدِّم توصيفان بشأن كتاب النصيّر الجديد وهو "شعرية الحداثة". الناقد بشير حاجم يقول " سأقدم توصيفين الاول عام للمخيلة النقدية والثاني توصيف خاص للمرحلة المكانية لحركة النصيّر النقدية."بلغت حركة النصيّر 50 عاماً كان نتاجها 30 كتاباً بحسب إحصائيات الحاجم، يذكر الحاجم أن النصيّرالتزم بمنهجية السياقية الاجتماعية والواقعية في كتابه الاول المشترك " قصص عراقية معاصرة" ولكن بعد أربعة عقود تأكد النصير أنه في ذلك الكتاب أهمل الجانب الفني وركز على الاجتماعية والواقعية، وفي الكتاب الثاني "القاص والواقع" سنجد ان واقعيته ستتغلب على اجتماعيته، ولم تكن الواقعية والاجتماعية متحالفتين، لماذا؟ لأنه في الكتاب الثاني صار منفرداً." الواقعية الاشتراكية ذات رؤية ماركسية أيدولوجية ،هذا ما سنلتمسه من كتاب "القاص والواقع" ويشير حاجم "بعد أن نقرأ الكتب اللاحقة للنصيّر سنكتشف أنه من النقاد المفكرين، أكثر مما هو ناقد محلل، بالتأكيد هو يدخل في عملية النقد الادبي ويحلل فيها ،لكنه يفكر فيها أكثر من تحليلها."الكتابة المسرحيّةوصفته بأنه يمتلك خصوصية في اجتراح النص وهو يحفر في مصطلحاته، الكاتبة المسرحية أطياف رشيد تتحدث عن المحتفى به قائلة "بحث النصيّر عن المهمش في كتاباته، وقد قرأت له بشكل متعمق العديد من دراساته النقدية الخاصة بالمسرح كونه تخصصياً فوجدت أن كتبه غنيه وفيها إضافات متميزة مهمة في النقد المسرحي خاصة في مراحل الدراسة الاولى حيث كانت كتاباته مهيمنة ومثمرة تفتتح على جوانب كثيرة."
شعريّة الحداثةسعيد هو بما حُكي عنه، وجد أنَّ كلّ ما قيل عنه ليس عابراً، بل هو نصيحة سينتبه لها، وإطراء سيحتفظ به ويحفظه، المحتفى به والناقد ياسين نصيّر يتحدث خلال جلسة الاحتفاء به قائلاً " لكي لايطول الحديث بنا سأركّز الحديث عن كتاب "شعريّة الحداثة" كتابي الأخير الصادر عن مؤسسة المدى، هذا الكتاب مختص بالحركة الثانية لقصيدة الحداثة."بعد أن كانت الحركة الأولى تتضمن كلاً من:السياب، والبياتي، ونازك، وبلند، يجد النصيّر أن "لا أحد الآن من الشعراء يكتب في تلك الحداثة وبشكل تلك القصائد كأنما استطاعت الحركة الاولى إغلاق الدائرة على نفسها وبقيت تشع من داخل منجزها كحركة كبيرة." أما روّاد الحركة الثانية منهم:سعدي يوسف، فاضل العزاوي، سامي مهدي، صلاح عبد الصبور، فلهم خصوصيات لقصيدة الحداثة ،فيذكر النصيّر " أنّ هذه الحركة "أي الثانية" لها من الوعي الاجتماعي والاستثمار السياسي والأيدولوجي، حيث عالجت هذه القصيدة الأساطير بطرق تختلف عن معالجة السياب، ووظفت الحس الشعبي المغاير لسياقاته بشكل غير مألوف حيث أنتجت الحركة الثانية لقصيدة الحداثة وأسست لها أربع سلطات." اختتمت الجلسة بعد كلمة النصير بتوقيع كتابه "شعريّة الحداثة " للحاضرين.

شارك الخبر على