جرائم في حق الوقف.. كيف نحمي أموال هيئة الأوقاف؟

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

"بيع أسهم هيئة الأوقاف".. قضية أثارت الرأى العام، خلال الأسابيع الماضية، بعدما أحال الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، رئيس الهيئة المقال إلى جهات التحقيق حول قيام الأخير ببيع أسهم الهيئة ببنك الإسكان والتعمير، بموجب قرار منفرد، الأمر الذى دفع مجلس الوزراء، إلى إصدار قرار بإعفاء رئيس الهيئة من منصبه.

واقعة بيع الأسهم، لم تكن الأولى من نوعها بين أرشيف الجرائم التى ارتكبت وما زالت ترتكب فى حق مال الوقف، ومع تكرار الجرائم ، تطرح "التحرير" العديد من التساؤلات أبرزها : كيف نحمي مال الوقف؟ وآليات الاستثمار الأمثل لمال الوقف؟

نزاع على الأراضي بين الإصلاح الزراعي والأوقاف

تتعرض ممتلكات هيئة الأوقاف للعديد من أعمال المخالفات القانونية، غير أن تلك المخالفات لا تصدر من أفراد فحسب، بل هناك جزء من تلك الممتلكات، تعد محل نزاع بين الأوقاف والإصلاح الزراعي، وتبلغ مساحة الأراضي محل النزاع، قرابة 30 ألف فدان، وشكلت لجنة فنية مشتركة من وزارات العدل والزراعة والأوقاف والرى لحل هذه الأزمة وفك الاشتباك حول هذه الأراضي، غير أن الأزمة ما زالت قائمة.

فساد لكبار المسئولين بالهيئة

سجلت الشهور الماضية العديد من الوقائع التى تبرهن على فساد بعض المسئولين العاملين بهيئة الأوقاف، سواء عن طريق تسهيل للغير ممارسة أعمال السطو على بعض الممتلكات، أو إهدار بعض الأموال بالهيئة، وذلك بعدم إظهار المستندات التى تؤكد أحقية الهيئة فى تلك الأموال، حسب المحاضر الرسمية التى قدمت فى هذا الصدد، فضلا عن صدور قرارات مفاجئة لرؤساء سابقين لهيئة الأوقاف، الأمر الذى يفسره بعض المراقبين بوجود شبهات فساد مالي وراء قرارات الإطاحة والإقالة.

حالات تعدٍّ على ممتلكات الهيئة

يشهد جزء من ممتلكات الهيئة المنتشرة فى كل ربوع مصر وبعض البلدان بالخارج، لحالات اعتداء على مر السنوات الماضية، ووفقا للإحصاءات التى خرجت فى هذا السياق، على لسان المسئولين بالهيئة، تقدر تلك الاعتداءات بقرابة 30 ألف حالة تعد على ممتلكات الهيئة، سواء كانت أراضى زراعية أو عقارات، غير أن الأزمة الكبرى التى تواجهها الهيئة، غياب وجود حصر شامل لممتلكات الهيئة على مستوى الجمهورية، الأمر الذى جعل جزءا من تلك الممتلكات تتعرض لأعمال الاعتداء والسرقة والنهب.

500 مليار جنيه حجم الاستثمار

وحسب تصريحات صحفية للدكتور أحمد عبد الحافظ، رئيس هيئة الأوقاف المقال، فإن حجم الاستثمارات داخل الهيئة بلغت فعليا ما يقرب من 500 مليار جنيه ما بين إيجار أراض زراعية وأراض فضاء والبالغة حتى الآن 170 ألف فدان في 17 محافظة وقابلة للزيادة بشكل كبير قد تصل إلى 700 مليار جنيه بعد انتهاء أعمال الحصر واسترداد إيجار الوحدات السكنية المتأخرة.

وفى هذا السياق، قال الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن ميزانية هيئة الأوقاف، تصل إلى 5 مليارات جنيه.

أدوات لتسهيل الاستيلاء على مال الوقف

كشفت مصادر بهيئة الأوقاف، آليات وأدوات يلجأ إليها البعض للاستيلاء على ممتلكات هيئة الأوقاف، بالتأكيد أن من يقوم بالاعتداء على تلك الممتلكات يسلك طرقا مخالفة للقانون، سواء بتحرير أختام مزورة، فضلا عن تغيير ملامح الوقف فى الدفاتر وتزوير العقود.

وأوضحت المصادر التى فضلت عدم ذكر أسمائها لـ"التحرير"، أن هناك عصابات مخصصة لتلك المهمة، تقوم تغيير اسم صاحب الوقف الأصلي، والتعامل مع الوقف على أنه وقف جديد، وبالتالى يضيع الحق فى الوقف الأصلي، مع تبديل فى التواريخ فى السجلات الرسمية من قبل بعض الموظفين فى الجهات المعنية، ثم تحرير إعلامات وراثة لأشخاص وهميين، وبالتالى بدورهم يقوم هؤلاء بإبرام عقود بيع للغير بموجب إعلامات الوراثة المزورة.

خضوع الممتلكات لقواعد محاسبية واضحة

وقال النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن تطوير آليات العمل داخل هيئة الأوقاف، بقدر يجعل من تلك الأصول تجلب دخلا يلبي احتياجات المجتمع من مال الوقف، مع مراعاة شرط الوقف، فإنه ينبغي إخضاع إدارة تلك الأصول والممتلكات وفقا لقواعد شفافة وواضحة.

وأوضح ياسر عمر لـ"التحرير"، وجود فساد بالملايين فى الحسابات الختامية لهيئة الأوقاف بعد قيام الدكتور أحمد عبد الحافظ، رئيس الهيئة، ببيع أسهم مملوكة لها ببنك الإسكان والتعمير بالمخالفة للقانون، مؤكدا أنه خلال الاطلاع على الحساب المالي للهيئة على مدار العام الماضى، اكتشفنا العديد من وقائع الفساد، أبرزها غياب 4 ملايين مديونية لأوقاف الإسكندرية لشخص، تم رفع المديونية من الدفتر رغم وجودها فى الحساب الخاص بالعام قبل الماضى، مشددا على أن هناك فسادا بالملايين فى موازنة 2016/2017، فضلا عن إسقاط مبالغ مالية دون وجود مستندات.

فكر جديد

وتابع: أول تطوير لمنظومة العمل بالهيئة ينبغي تبنى فكر جديد فى إدارة الممتلكات بعيد عن فكر الموظفين يكون فيه إبداع ورؤية مستقبلية، تبدأ باتباع قواعد محاسبية واضحة، وأن يتم الاستعانة بخبرات اقتصادية لها أبحاث وخبرات فى مجال الاقتصاد، وتفعيل دور مجلس الوكلاء الخاص بالهيئة، مؤكدا أن لجنة الخطة والموازنة طالبت بتشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على حجم الفساد داخل الهيئة.

وقال الخبير الاقتصادى، إيهاب الدسوقى، إن هيئة الأوقاف تمتلك ممتلكات شاسعة فى مختلف أنحاء الجمهورية، وإن استغلال تلك الثروة الضخمة بأسلوب اقتصادي متميز يجعل من الاقتصاد المصرى بشكل عام فى مستوى متقدم.

صندوق استثماري سيادي 

واقترح الدسوقى فى تصريحات خاصة لـ"التحرير"، أنه يتعين أن تحرر تلك الممتلكات من القوانين الحكومية والروتين والبيروقراطية، حتى يتسنى استغلالها على الوجه الأمثل، مقترحا بوضع تلك الممتلكات فى حوزة صندوق سيادي يدار من خلال أعضاء الصندوق ذات الخبرات الواسعة فى مجال الاستثمار، الأمر الذى يحقق استقلالية لتك الممتلكات.

وتابع: من خلال الاستثمار الأمثل لتك الممتلكات بتدشين صندوق استثمارى لها، يصرف جزء من الريع والعائد على شروط الواقف، وذلك لمراعاة البعد الشرعي لتلك الأصول والممتلكات.

موقف الشرع

وقال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الوقف فى الأصل هو مال الله عز وجل، والأصل فى الشرع أن التعامل مع الوقف مرهون بشرط الواقف، وبالتالى لا يجوز العدول عن هذا الشرط، لكن لو أوكل الواقف غيره لاستثمار أموال الوقف للمنفعة العامة فيجوز فى هذه الحالة استثمار أموال الوقف فى المشروعات أو كل عمل يعود بالنفع العام.

وأوضح كريمة لـ"التحرير" أن تخصيص أموال الوقف واستثماره على خلاف ما خصص له أمر باطل شرعا، فالمعيار الرئيسى فى التعامل مع الوقف "شرط الواقف" وبالتالى لا يجوز بيع أصول الوقف واستثمار أموالها، فإذ خصص الوقف سواء كان أرضا أو عقارات أو غير ذلك من أجل الإنفاق على إعمار المساجد أو رعاية بعض دور الأيتام أو لأى غرض شرعى، لا يجوز بأى حال من الأحوال استخدام الريع فى غير ما خصص له أو بيع الوقف ولاستثماره فى المشروعات.

ويرجع تاريخ إنشاء ديوان الأوقاف، إلى محمد علي باشا، الذى أصدر أمرًا بإنشاء ديوان عمومي للأوقاف فى عام 1835، وعام 1913 تم تحويل الديوان إلى "وزارة" وفى عام 1971 صدر قرار من رئیس الجمهوریة، بإنشاء هیئة الأوقاف المصریة، وتكون لها الشخصیة الاعتباریة وتتبع وزیر الأوقاف، وتختص الهیئة بإدارة واستثمار أموال الأوقاف، وتتولى نیابة عن وزیر الأوقاف بصفته ناظرًا على الأوقاف، إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فیها على أسس اقتصادیة، بقصد تنمیة أموال الأوقاف باعتبارها أموالا خاصة، وتتقاضى الهیئة نظیر إدارة وصیانة الأوقاف 15% من إجمالى الإیرادات، وتجنب 10% من هذه الإیرادات احتیاطیا لاستثماره فى تنمیة الوقف.

ویكـون لمجلس إدارة الهیئة سلطة التصرف فى هذا الاحتیاطي، بعد موافقة وزیر الأوقاف، ویؤول صافى الإیراد بعد ذلـك إلـى وزارة الأوقـاف لـتقوم بتوزیعه على المستحقین وتنفیذ شروط الواقفین.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على