ضربوني بقوة على بطني في مكان الجنين.. هذا ما تعرضتُ له في سجون المخابرات الأميركية تحت إشراف جينا هاسبل

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

عربي بوست - اختُطِفتُ من منفاي جنوب شرق آسيا، وسُجِنتُ سراً في واحدٍ من أسوأ أقبية السجون في ليبيا. لكنَّ أشد أنواع التعذيب الذي تعرَّضتُ له في حياتي لم يكن على يد مرتزقة العقيد معمر القذافي، بل في تايلاند على يد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA).
كان هذا في مارس/آذار من عام 2004. وأثناء هذا الكابوس المتمثل في احتجازي ثم "تسليمي" إلى ليبيا، كنتُ حاملاً. وبعد ذلك بفترة وجيزة وضعتُ حملي، وبعد كل ما أوقعته بي وكالة الاستخبارات المركزية، كان وزن طفلي يزيد على الكيلوغرام بقليل. والآن، أسمعُ أنَّ جينا هاسبل، التي كانت مسؤولة الاستخبارات المركزية التي أدارت موقعاً سرياً في تايلاند عام 2002 يشبه ذاك الذي تعرَّضتُ فيه للتعذيب، قد وقع عليها الاختيار لتتولى قيادة وكالة الاستخبارات المركزية بأسرها.
وفي يوم الأربعاء 16 مايو/أيار، ستعقد لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي جلسة استماع للبت فيما إذا كانت مؤهلة لتولّي إدارة الوكالة. أعرف الأسئلة التي سأطرحها عليها إذا ما سنحت لي الفرصة بمقابلتها: هل كنتِ تعرفين باختطافي وتعذيبي؟ هل شاركتِ في ذلك؟ ماذا ستقولين إذا طلب منكِ الرئيس ترمب أن تقومي بأمرٍ مشابه ثانية؟ لن أنسى أبداً مشهد خاطفيَّ وهم يتّشِحون بالسواد ويرتدون أقنعة تزلج، وينتظرونني في زنزانةٍ بيضاء في مكان احتجازي في بانكوك.
فررتُ أنا وزوجي من نظام العقيد القذافي، ورحلنا من بلدٍ إلى بلد؛ لنبقى بعيداً عن القتلة المأجورين التابعين له. كنا في طريقنا إلى أوروبا حين احتُجِزنا في ماليزيا وأُرسِلنا إلى بانكوك، وسلَّمتنا السلطات هناك إلى خاطفينا، الذين أعرف الآن بفضل وثائق عُثِر عليها في ليبيا أنَّهم تابعون لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
سحبني رجلٌ من رأسي ودفعني إلى داخل شاحنة، وعصب الخاطفون عينيَّ وقيدوني. لا أفهم لماذا تم اختطافي، أقدِّر أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كانت تتتبَّع زوجي؛ لأنَّه كان يقود جماعة إسلامية عارضت علناً ديكتاتورية القذافي.
ولكن ما شأني أنا بهذا؟ أنا أنحدر من بلدة صغيرة في المغرب، لم أكن مُعارِضةً سياسية. ولم أذهب أبداً إلى ليبيا إلا حين حملتني الاستخبارات الأميركية إلى هناك، ولم أُسبِّب ضرراً للولايات المتحدة بأي صورة كانت. ولم تكن الولايات المتحدة تخطر ببالي إلا حين وجدتُ نفسي مقيدةً إلى جدارٍ في الموقع السري التابع لاستخباراتها. لا أعرف بالضبط كم لبثتُ في سجن تايلاند السري؛ لأنَّهم لم يسمحوا لي أبداً بالنوم.
كانت الزنزانة بيضاء وخاليةً تماماً من أي شيء إلا من كاميرا للمراقبة وحبال مربوطة على الجدار. كان الخاطفون المقنعون في الانتظار، ولأني كنتُ في منتصف شهور حملي، بالكاد كنتُ أستطيع الحركة أو الجلوس. بعض ما تعرضت له في ذاك السجن كان بشعاً لدرجة أنَّني لا أستطيع الحديث عنه. ضربوني على بطني في مكان الجنين. وكي يُحرِّكوني، لفُّوني من رأسي وحتى أخمص قدمي بخيطٍ كالمومياء. كنتُ واثقةً من أنَّني سأُقتَل بعد فترةٍ وجيزة. ولأصعد طائرة ترحيلي إلى ليبيا، لفُّوني بالخيوط ثانيةٍ، وكان الخيط يشد جانب عيني، وبقيتُ على هذا الحال، كانت عيناي مفتوحتين رغماً عني بفعل الخيوط، والدموع تنهمر على وجهي لأكثر من 14 ساعة. بعد عدة أسابيع قضيتُها في سجن ليبي، أدخل رجال القذافي مهداً إلى داخل الزنزانة.
كنتُ في حالة إعياء شديد. وظننتُ أنَّني لو نجوت من هذه الأهوال، فسأجد نفسي مرغمةً على وضع طفلي وحيدةً في هذه الزنزانة القذرة. وقبل أن أضع طفلي بفترة وجيزة، أخرجوني من السجن. كانت ولادتي متعسرة. وعشتُ وابني في ليبيا سنواتٍ من الخوف، ولبث زوجي في السجن حتى عام 2010، وتعرَّض لتعذيبٍ وحشي، والآن نعيش في إسطنبول مع عائلتنا. لا أعرف بالضبط ما الدور الذي لعبته السيدة هاسبل فيما حدث لي، أو حتى رأيها فيه. كل ما أعرفه أنَّني قرأتُ أنَّها أدارت سجناً سرياً في تايلاند يشبه كثيراً ذاك الذي قبعتُ فيه، وأنَّها عادت إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتعمل في مكافحة الإرهاب، وأنَّها تورَّطت فيما بعد في تدمير الأدلة على وجود تعذيب. وقال مدير الاستخبارات الوطنية: إنَّ هاسبل "تعتزم التعامل بشفافية كاملة" مع ما ارتكبته.
آمل أن يتم سؤالها عن قضيتي وما إذا كانت متسامحةً معها. إذا كانت قد لعبت دوراً فيما حدث لي، فلا بد أن تعتذر، وإن لم تكن، فلا بد أن تُقسِم ألا تقوم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تحت إدارتها بعمليات خطف مشابهة لما تعرَّضتُ له. قرأتُ أيضاً أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية تقول: إنَّ حلفاء أميركا الأجانب يُكنُّون الاحترام لهاسبل. ربما كان هذا صحيحاً. ولكن إذا كانت أميركا تريد أن تقنع العالم الإسلامي بأنَّها لن تضمر الشر، وإذا كانت تريد أن تستعيد الثقة المفقودة فيها، فلا يمكن لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن تتجاهل تاريخ ما اقترفته يدها على أمل أن يذهب طيّ النسيان. فالناس يذكرون الظلم لأمدٍ طويل، والحل الوحيد هو تفسير ما حدث. حتى الآن، وبعد كل ما مررتُ به، لا أضمر سوءاً للأميركيين. في الواقع، أظن أنَّهم يستحقون أن يُعامِلهم مسؤولو الاستخبارات بأمانة. لا أعتقد أنَّ معظم الأميركيين العاديين كانوا سيدعمون ما وقع لي لو علموا به. لن أتمكن من طرح تلك الأسئلة على هاسبل، ولكني آمل أن يطرحها أحد أعضاء مجلس الشيوخ. وإن لم تكن قد شاركت فيما حدث لي، وتؤمن إيماناً راسخاً أن التعذيب كان أمراً خاطئاً، لا بد أن تقول هذا.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على