«يوم الدين» وصفة فنية تستحق النجاح وإبهار من أول لحظة

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

من أول خمس دقائق في فيلم يوم الدين - الفيلم المصري الوحيد المشارك في مهرجان كان السينمائي  في دورته الـ71- ستنبهر بما يعرض أمامك، ربما حتى لن تصدق أن هذا الفيلم هو أول أعمال الروائية الطويلة لمخرجه المصري النمساوي أبو بكر شوقي، فالأخير يضرب بقوة على النظرة المجتمعية لمرضى الجذام، لكنه لا يغرق في تفاصيل الألم والحزن التي تصاحب مرض بهذا القسوة، بل يتمكن من إدخال لمحة واضحة ساخرة خفيفة الظل، تجعلك تستمتع بمشاهدة الفيلم، وتتداخل مشاعرك مع أبطاله، يساعدك في ذلك الموهبة الخام لأبطاله ودقة اختيارهم للدور، وفوق كل ذلك الإضاءة المختارة بعناية كأنها حبة كريز فوق قطعة تورتة، ببساطة أبو بكر شوقي في هذا الفيلم يمتلك كل معايير الوصفة الناجحة.

إخراج: أبو بكر شوقي

سيناريو: أبو بكر شوقي

بطولة: راضي جمال وشهيرة فهمي ومحمد عبد العظيم

النوع: مغامرة- كوميديا- دراما

مدة العرض: 97 دقيقة

قصة الفيلم:

يوم الدين، ينافس على الفوز بجائزة السعفة الذهبية، التي تمنح لأفضل فيلم في مهرجان كان، كما أنه مرشح لجائزة الكاميرا الذهبية، التي تمنح للأعمال الأولى للمخرجين كنوع من التشجيع على تنمية مواهبهم، التي سبق وفاز بها فيلم Stranger Than Paradise، منذ اللحظة الأولى التي أُعلِن عن مشاركة يوم الدين في كان، والجميع يتساءل ما يوم الدين؟ وما سر الاهتمام المحلي والعالمي به، الإجابة في قصة الفيلم، التي أثارت فضولًا عالميًا، جعلت أبو بكر أصغر متنافس على جائزة السعفة الذهبية في المهرجان بأكمله بفيلمه الذي يحكي عن رجل في منتصف عمره بشاي (قام بدوره راضي جمال)، متعافى من مرض الجذام، يذهب في رحلة استكشافية عبر محافظات مصر مع ولد صغير أوباما (قام بدوره أحمد عبد الحفيظ)، بعد وفاة زوجته؛ ليحاول معرفة مكان عائلته والتواصل معهم من جديد، براعة أبو بكر شوقي ظهرت واضحة في اختياره البطل الرئيسي للفيلم مصاب بالجذام؛ ليضفي مصداقية كبيرة للفيلم، ليس هذا فحسب بل جاءت الفكرة غير التقليدية التي طورها "شوقي" عن فيلم قصير له بعنوان المستعمرة؛ لتجذب اهتمام العالم لمشاهدته؛ ففضولهم كان الدافع الأكبر لمعرفة كيف يتعامل المجتمع المصري مع مرضى الجذام، وفي هذا الفيلم يتناول أبو بكر نظرة المجتمع، فنرى بأعين المخرج أن الجذام في مصر مرض مجتمعي وليس مرضا طبيا.

موهبة ربانية

في الدقائق الأولى التي يبدأ فيها الفيلم تعرف أن راضي جمال سوف يستحوذ على قلبك؛ فبأدائه الهش، ووجه الملىء بالندوب، هو مثال واضح للموهبة الربانية؛ ويبدو أن انعدام خبرته ساعدت في تلقائية تمثيله، وكانت في صالحه على عكس ما قد تظن قبل رؤيتك للفيلم.. راضي جمال في يوم الدين يمنحك أداء احترافيا لا يتناسب مع كونه عمله الأول، فلم يبالغ في تمثيله مرة واحدة طوال الـ97 دقيقة؛ ليمنح دوره المعاناة المناسبة للشخصية التي يلعبها، وفي نفس الوقت التسلية الكافية كي لا تغرق في حزن وكآبة من متابعتك لقصة حزينة ومعقدة مثل قصة الفيلم.

مزيج من الألم والضحك

الحل الوحيد لتخفيف عبء قصة بهذا الثقل، هو الضحك، وأبو بكر فهم ذلك جيدًا من خلال مشاهد مثل الطفل أوباما الأسمر، وهو يشرح سر تسميته، بأنه مثل هذا الرجل الذي يظهر على التلفزيون (يقصد رئيس أمريكا السابق باراك أوباما)، وأصدقاء بشاي (الشحاتين ذوي الاحتياجات الخاصة) الذي تدور بينه وبينهم أحاديث كوميدية، لكن بالطبع عندما تحكي قصة عن مرض بهذه القسوة لا بد أن يكون الألم حاضرًا، في مشاهد مثل ترك بشاي على باب مستعمرة الجذام، وهو طفل صغير لا يفهم شيئا، ثم ثورة غضبه عندما يكبر ويتعافى من الجذام ويجد الناس تنفز منه وتعامله باشمئزاز فيصرخ فيهم غاضبًا: "أنا إنسان"، وأخيرًا في مشهد اجتماعه بأبيه من جديد الذي كان مؤثرًا جدًا.

سقطات أبو بكر شوقي

وقع أبو بكر شوقي في هذا الفيلم في خطأين، الأول غياب التناسق والتناغم في الانتقال بين أحداث الفيلم؛ فتشعر وكأن يوم الدين رقصة ليست مصممة بشكل جيد، ويظهر ذلك واضحًا في تركيزه على الندوب في وجه بشاي والألم الذي يعيشه، وقلة استفادته من وجود كوميديان جبار بين يديه؛ فنغرق مع بشاي في محاولات استعادته كرامته وننسى الجانب السعيد منه.

أما الثاني فهو عدم تماسك الحوار، فأثناء تركيزه في نظرة المجتمع للجذام، نسى بناء حوار محكم لأبطاله، إلا أن السبب الثاني تحديدًا قد يجعله من الفائزين في كان؛ فمعروف أن لجنة التحكيم تحب القصص الحزينة، التي تترك المشاهد بدموع في عينيه بعد الانتهاء من مشاهدتها.

فيلم يوم الدين هو أول فيلم مصري ينافس في كان منذ 7 سنوات، فآخر ترشح لنا كان بفيلم بعد الموقعة للمخرج يسري نصر الله، وبالتالي جاءت منافسة شوقي بأول فيلم له لتكون حدثًا في مصر، خاصةً أن بداية المخرج في عالم الإخراج كانت مضطربة، حيث كان متحيرًا ما بين دراسة السينما، وإكمال دراسة سياسة واقتصاد في الجمعة الأمريكية؛ فيشبه شوقي نفسه في هذه الفترة بالمدمن، ففي لحظة تجده في معهد السينما، وفي لحظة يختفي لتجده يدرس العلوم السياسية، وبالطبع سبب هذا الاضطراب في تأخر دخوله عالم صناعة الأفلام مقارنة بزملائه، إلا أننا بالتأكيد سعداء أنه نجح في تنفيذ فيلمه الذي فكر فيه منذ عام 2012، لتكون النتيجة مشاركته في واحد من أبرز وأهم مهرجانات السينما في العالم. 

شارك الخبر على