«شرفنطح».. فنان رفض الإنجاب فعاش وحيدًا وحوله المرض لهيكل عظمي

ما يقرب من ٩ سنوات فى التحرير

يرتدي "روب" مصنوع من القماش فوق بذلته خوفًا عليها من الأتربة والتمزق، ولا يظهر بها إلا في المناسبات الرسمية، دور اشتهر به "شملول أفندي" زوج "ضريبة هانم" ووالد "زلابية" في فيلم "عفريتة إسماعيل يس"، وكان لهذا الدور نصيبًا من حياته الخاصة، فكما بدا في الفيلم رجلًا بسيطًا، كانت حياته في الواقع أكثر بساطة من ذلك.

الفنان "محمد كمال المصري" ولد في 11 أغسطس عام 1889 بحارة ألماظ في شارع محمد علي، ورغم أن والده كان معلمًا بالأزهر؛ فإن المصري أبدى اهتمامًا بالغًا بالفن بسبب نشأته في أحد الأحياء الشعبية الفنية، حتى إنه التحق بأول فرقة مدرسية للتمثيل بعد التحاقه بمدرسة الحلمية الأميرية، وكان أول أدواره "بائع أحذية".

الانطلاقة الفنية

اشتهر باسم "شرفنطح" بعد أدائه لإحدى الشخصيات التي تحمل هذا الاسم، والتحق بمسارح الهواة وقلّد الشيخ سلامة حجازي، حتى إن أصدقاءه أطلقوا عليه "سلامة حجازي الصغير"، وعمل بعدها بعدة فرق مسرحية شهيرة، مثل "جوقة سيد درويش" المسرحية، وفرقة "جورج أبيض"، وفرقة "نجيب الريحاني"، وغيرها.

ملامحه الغريبة وجسمه النحيل وأنفه الكبير جعلت له شخصية كوميدية متفردة، فقد كان منافسًا لعملاق الكوميديا نجيب الريحاني، وأدى معه عدد من الأعمال، مثل مسرحية "صاحب السعادة كشكش بيه" وفيلم "سلامة في خير" و"سي عمر" وأبو حلموس" وغيره.

حياة بلا أطفال

عاش "شرفنطح" وحيدًا مع زوجته ولم يرغب في إنجاب الأطفال، وقال عن شريكته الوحيدة في الحياة: "ليس لي أسرة كبيرة، فإن زوجتي وحدها هي أسرتي التي ترعاني، وتقوم بتمريضي، وتسهر على راحتي"، أما عن سبب عدم رغبته في الإنجاب فقال: "لقد عشت حياتي معذبا مثقلا بالهموم والمتاعب، فلم أجد معنى لأن أقدم بيدي ضحايا جديدة للحياة.. لم أشأ أن أقذف بنفوس جديدة في بحر الحياة تعاني مثلي الهموم والأحزان"، وتابع ببيت الشعر الشهير لـ"أبي العلاء المعري: "هذا جناه أبي عليّ.. وما جنيت على أحد". 

نجاح فني

من اللحظات الفارقة في حياة "شرفنطح" تشجيع الفنان الراحل فريد الأطرش له وكذلك الكوميديان الأبرز إسماعيل يس، حيث قاما بالتصفيق بينما كان يغني شرفنطح على العود مقلدًا سلامة حجازي في فيلم "حبيب العمر"، وألحق باسمه لقب "الحاج" شرفنطح بعد ذهابه للحج في عام 1953.

أكثر من 54 عملًا فنيًّا متنوعًا بين السينما والمسرح ترك شرفنطح فيهم بصمته، ورغم أنه كان فنانًا ثانويًا (سنيد)، فإنه كان مميزًا عند الجمهور وكان له أثرًا خاصًا في جميع أعماله، ومن أبرزها: فيلم "بيت النتاش" و"خبر أبيض" و"السوق السوداء" و"السر في بير" وغيره، بالإضافة لعدد كبير من المسرحيات أشهرها "مملكة الحب" و"المحظوظ علشان بوسة" و"اه من النسوان" وغيرها.

الأستاذ مات

قال عن مأساته: "أنا كما ترون.. وحيد متعطل مريض بالربو مثقل بالشيخوخة ولم يعد لدي مال.. أنفقت ما أملك على الدواء وليته أجداني، فإن الربو لم يبرح مكانه صدري.. إن الربو عنيد لا يتزحزح، لقد أقعدني وأعجزني عن العمل، وقال لي الأطباء إنني سأموت إذا غامرت بالعمل والربو في صدري".

السنوات الأخيرة في حياة ملك الضحك كانت مأساوية تخللها المرض والعزلة والفقر والشيخوخة، وعاشت معه زوجته ولم ينجب أولادًا، وانتقلا معًا بعد تهالك منزله بشارع محمد علي إلى حارة فقيرة بحى القلعة حتى أصيب بمرض الربو عام 1951 وحوله المرض إلى هيكل عظمي نحيل، ولم يكن له دخل سوى عشرة جنيهات شهرية من النقابة بالإضافة لصدقات الجيران حتى يستطيع شراء الدواء، ولم يهتم به أحد من الفنانين ولم يعرف أحد برحيله في 25 أكتوبر عام 1966 حتى بعدها بأيام عندما جاء مندوب النقابة ليعطيه المعاش الشهري، وعندما طرق الباب قال له الجيران: "البقية في حياتك.. الأستاذ مات".

شارك الخبر على