المركز القومي للترجمة يحتفي بعوالم فوزية أسعد الثرية المدهشة غدًا

over 7 years in التحرير

الفلسفة انشغال فوزية أسعد الأول، وهى تعتبر أن نيتشه هو مثالها الأعلى، فتقول: "كانت تدعو فلسفته دائما إلى التمرد، وقدم لنا نموذجا غير مسبوق في الاستبطان وسبر أغوار النفس؛ وبالتالي أصبحت أنا الأخرى كاتبة متمردة".

يستضيف المركز القومى للترجمة الكاتبة فوزية أسعد، فى الساعة السادسة من مساء بعد غد الأربعاء، فى قاعة طه حسين بمقر المركز، بساحة دار الأوبرا، حيث يخصص صالونه الثقافى الشهرى ليتناقش أعمالها كل من: الدكتورة منى طلبة، الدكتور علاء شاهين، الدكتور أنور مغيث، ويدير النقاش: الدكتور خيرى دومة.

فوزية أسعد جديرة بلا شك بأكثر من احتفاء المركز القومى للترجمة بها؛ الذى أصدر ترجمة عربية لغالبية أعمالها، كما أعاد المجلس الأعلى للثقافة إصدار أول كتاب لها - الوحيد المكتوب بالعربية، فكل كتبها بعده مكتوبة بالفرنسية - "سورين كيركجورد: أبو الوجودية" (2008)، بتقديم للدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومى للترجمة، وكانت طبعته الأولى قد صدرت عام 1960، عن دار المعارف، وفى تقديمه يذكر مغيث أن كيركجورد لم يكن بالفيلسوف المحافظ الداعى للامتثال، بل تبدو فلسفته نبعا دائما للتمرد.. لقد كانت من أولها لآخرها تأملات حول حياته الخاصة وكذلك كانت جميع كتبه على اختلاف موضوعاتها سواء مهرها باسمه صراحة أو بأسماء مستعارة. لقد قدم كيركجورد لنا نموذجا غير مسبوق فى الاستبطان وسبر أغوار النفس. وتقوم فكرة كيركجورد على أن "الوجود هو الموضوع الوحيد الذى لا تقف علاقتنا به عند حدود المعرفة".

الفلسفة، إذن، هى انشغال فوزية أسعد الأول، وهى تعتبر أن نيتشه هو مثالها الأعلى، فتقول: "كانت تدعو فلسفته دائما إلى التمرد، وقدم لنا نموذجا غير مسبوق في الاستبطان وسبر أغوار النفس، وبالتالي أصبحت أنا الأخرى كاتبة متمردة.

وهى إذ ولدت فى مصر؛ حصلت على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون، ودرست الفلسفة في عين شمس لفترة- فى تلك الأيام أصدرت كتابها عن الفيلسوف الوجودى المتماس بفاعلية عميقة مع الإيمان المسيحى؛ فهو رغم أنه يؤكد على عدم وجود الحقيقة المطلقة -بالمعنى الفلسفى- يبرز دور الإيمان في التجارب الدينية-، لكنها استقالت من منصبها الجامعى لترافق وتدعم زوجها، الدكتور فخري أسعد، بعد أن عين خبيرا بمنظمة الصحة العالمية، ومقرها بجنيف، ثم في مهماته الصعبة بعد ذلك، ويصف لنا عبد الحفيظ العبدلي؛ فى حوار أجراه معها، عام 2008، وحمل هذا العنوان الدال: فوزية أسعد: "في جنيف، يحلو المقام"، مقر إقامتها: "على بعد مسافة قصيرة جدا من بحيرة جنيف، وعلى الضفة المقابلة للمقر الأوروبي للأمم المتحدة، وعلى بعد أمتار قليلة من مستشفي للعلاج المستمر، تسكن الدكتورة فوزية أسعد فيلاّ شاسعة يحيطها حزام أخضر، وتظللها أشجار وارفة. نصف قرن من الإقامة في سويسرا لم يمنع هذه الكاتبة والروائية من مواصلة سبر أغوار التراث المصري القديم الذي ترى فيه "منبعا للفكر الخلاّق، ومصدرا للعبقرية الشرقية".

بقى كتابها عن كيركجورد وحيدا حتى منتصف السبعينيات، وتكشف لنا فى حوارها مع العبدلي، عن ظروف استئنافها لرحلتها مع الكتابة بعد "كيركجورد"، وتحديدا بعد "الظروف الصعبة التي ألمت بمصر جمال عبد الناصر على إثر هزيمة 1967"- بحسب تعبير العبدلى، إذ تقول عن تلك الفترة: "كانت أياما مرة وقاسية جدا جعلتني أحترف كتابة الرواية. كنت في جنيف، عندما أجلس إلى سفرة عشاء، وأحكي عن نفسي وعن ظروف بلدي، أرى من هم حولي مستغربين ويتساءلون: من أين لفتاة مصرية بهذا الذكاء والفطنة؟!". ويوضح العبدلى: "وصادف أن تزامن هذا مع تخصيص الأمم المتحدة لعشرية "المرأة الكاتبة" (1975-1985)، فطُلب منها تأليف رواية عن وضع المرأة المصرية، فكانت رواية "المصرية"، والتى تصفها بأنها: "وفرت لي فرصة للتعبير عن نفسي وعن أهلي وبلدي، وعن حضارتنا وثقافتنا".

وقد نشرت دار الهلال، فى عام 1997، ترجمة عربية للرواية؛ قام بها أحمد عثمان.

وفى تعريفه بأجواء الرواية يذكر الناشر الأجنبى للنص الفرنسى، أنها "رواية ذاتية إلى حد ما عن فتاة قبطية مسيحية نشأت في القاهرة وعن تاريخ عائلتها منذ الاحتلال البريطاني لمصر- 1882- حتى الحرب العربية- الإسرائيلية (5 يونيو 1967)، وتحتوي على العديد من الشخصيات النسائية من خلفيات مختلفة وتصور تقاليدهن وحاجاتهن للتغيير. فى أجواء من الدعابة المصرية المعتادة".

مع هذه الرواية يتبين انشغال فوزية أسعد الثانى؛ وهو هذا المزج الإبداعى بين التاريخ؛ بمعناه العام، والسيرة الذاتية، والتخييل الروائى، مع تركيز خاص على قضايا المرأة، ستضيف له فيما بعد تركيز على المسائل المتعلقة بحرية العقيدة والرأى والإبداع والدفاع عن حرية الكتاب، فقد مثلت لفترة طويلة نادى القلم الدولي في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي تقوم، حاليا، بتنسيق معتكف الكاتب في "شاتو دو لافيني" بالقرب من لوزان، بسويسرا، وهذا المعتكف يستضيف كتابا من شتى البلدان للإقامة والتفرغ لإتمام مشاريعهم الإبداعية.

لكن فوزية أسعد تظل حتى بداية الألفية الثالثة معروفة على نطاق محدود بين القراء المصريين والعرب الذين لا يجيدون القراءة إلا باللغة العربية، ومع نشر المجلس الأعلى للثقافة، لروايتها "بيت الأقصر الكبير"- 2004-، ترجمة الدكتور منى قطان- إحدى المشاركين فى صالون المركز القومى للترجمة-، ومن تعريف الناشر يتبين لنا أن أسلوب فوزية أسعد فى الكتابة قد تعزز وترسخ، وأن انشغالاتها تجذبها إلى الأعماق، إلى التاريخ، والسياسة، والعقائد، وتفاعلات؛ وصراعات، مختلف عناصر المجتمع المصرى، فبحسب تعرف الناشر: "تنسج الكاتبة خيوط قصة عائلة قبطية ارتبطت حياتها بالتطورات السياسية في مصر منذ عصر محمد علي وحتى اليوم. تمزج المؤلفة أيضا بين لحظات شاعرية ورؤيتها الخاصة إلى تطور الحياة السياسية، وتجسد رؤية فئة من المجتمع المصري الى أحداث ثورة 1952، من أجواء الرواية: "حدثت تغيرات جذرية في الأقصر، أنعم الله على العرب بالذهب الأسود ، فتحوا أبواب المنفى الذي فرضه الريس الأول في الداخل، بعدما كان يسمح للصفوة المحظوظة بالسفر بحرية، هجمت كل الفئات الى بلاد الذهب الأسود: الجامعيون، والموظفون، والفلاحون، وكل الأيدي العاملة التي تعاني من البطالة، عملت غادة في الكويت بأجر أعلى مئة مرة من الأجر الذي كانت تتقاضاه عند أسرة عبد المسيح".

لكن أسلوب فوزية أسعد يربك البعض، فالكاتب الصحفى، ووزير الثقافة السابق، حلمى النمنم، كتب عرضا لروايتها "أحلام وقمامة القاهرة"، ترجمة: ديما شعيب الحسينى، والصادرة عن المركز القومى للترجمة- 2008-، فى جريدة "الاتحاد" الإماراتية، تحت عنوان " فوزية أسعد تطل على عالم المهمشين في كتاب "حائر بين الرواية والدراسة".. كيف جاءت الخنازير إلى القاهرة؟"، وصف النمنم للرواية بأنها: " كتاب حائر بين الرواية والدراسة" أحد دلائل الإرباك الذى قد يسببه أسلوبها فى الكتابة، فالنمنم يكرر وصف الرواية بأنه "كتاب"، وهى نفسها تدرك مدى تعقيد هذا الإرباك الذى يتسبب فيه "التصنيف"، يكتب النمنم: "المؤلفة فوزية أسعد تذكر أنها حين كتبت هذا العمل، لم تعتبره رواية، لكن الناشر الفرنسي أصر على ذلك، وهي تراها دراسة انثروبولوجية."، ثم يواصل: "مشكلة هذا العمل تكمن في شكل الكتابة، فلا يمكن القول إننا بإزاء رواية خالصة، ففي صفحات مطولة، تشعر وكأننا بإزاء تقرير صحفي، ولا يمكننا القول إننا أمام دراسة علمية، لأن الخيال يختلط ببعض الحقائق، فضلا عن أن هناك الكثير من المعلومات بحاجة إلى التدقيق. ونحن بإزاء كاتبة أحبت موضوعها وقضيتها فتحمست لها، واختلط لديها الخيال بالواقع. واجتمع فيها الفن بما هو مباشر تماما".

ما وجده النمنم مشكلة، كان بهاء طاهر قد اعتبره فى تقديمه لكتاب "حتشبسوت المرأة الفرعون" الصادر ترجمته العربية؛ التى قام بها: "ماهر جويجاتى"، عن المركز القومى للترجمة، عام 2003 ، بأنه "متعة حقيقية"، فهو يبدأ هكذا: مؤلفة الكتاب الذى بين يديك عزيزى القارئ روائية موهوبة وأستاذة فلسفة مرموقة، أعانتها ملكتها الروائية على أن تجعل من وقائع التاريخ الجافة سردا مشوقا، ومنعها عقلها الباحث عن الاسترسال وراء هذه التشويق على حساب التحليل والتعمق الرصين فى الوقائع والأفكار، ومن هنا فهى تقدم لنا كتابا فريدا يستعصى على التصنيف فى الأطر الجاهزة مثل السيرة والتاريخ العام وتاريخ الفكر، ولكنه متعة حقيقية للقارئ الجاد".

المدهش أن بهاء طاهر الذى وجد متعة فى أسلوب فوزية أسعد فى مقدمة كتبها عام 2003، تمنى فى نهايتها على الكاتبة أن تمد أسلوبها هذا لتلامس موضوعا آخر، فكتب: "ليت الدكتورة فوزية أسعد تستخدم منهجها الفنى والعلمى ذاته لتميط اللثام عن الدراما الهائلة الأخرى التى تتشكل بعد عصر حتشبسوت بقليل، أى أن تجلو لنا بطريقتها الخاصة ألغاز نفرتيتى وأخناتون!"، وبالفعل كتبت فوزية أسعد، وترجم جويجاتى، وأصدر المركز القومى للترجمة، فى عام 2017 كتاب: الفراعنة المارقون "حتشبسوت- أخناتون- نفرتيتى"، آخر ما نقل من عوالم فوزية أسعد الثرية المدهشة.

Share it on