مؤشرات على تراجع الخطاب الطائفي في الحملات الدعائية للانتخابات العراقية

ما يقرب من ٦ سنوات فى كونا

من علاء الهويجل (تقرير اخباري)

بغداد - 6 - 5 (كونا) -- ايام قلائل وتنقضي الحملات الدعائية للانتخابات النيابية العراقية المقررة في 12 مايو الجاري وسط مؤشرات لافتة وغير مسبوقة عن تراجع الخطاب الطائفي والقومي في التحشيد للانتخابات بعد ان كانت هذه الخطابات محركا اساسيا في الحملات الدعائية للدورات الانتخابية السابقة.
ويمكن للمراقب بسهولة ان يشخص اليوم حالة انصهار الحواجز الطائفية وهو يتابع المشهد الدعائي الانتخابي فعلى سبيل المثال يجد المرء ان رئيس الحكومة حيدر العبادي والذي يتزعم قائمة انتخابية تحسب على المكون "الشيعي" يحيي مهرجانا انتخابيا في قضاء الفلوجة بمحافظة الانبار متحالفا مع زعماء عشائر "سنية".
كما يمكن للمتتبع ان يرى اليوم صور النائبة الكردية الا طلباني وهي رئيسة سابقة لكتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي ومقربة من الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وهي تخوض سباق الانتخابات اليوم ضمن قائمة عربية في بغداد وهو امر لم يسبقها اليه اي قيادي كردي بارز.
واصبحت المحافظات العراقية الجنوبية والتي كانت تعد الى وقت قريب مغلقة انتخابيا على مذهب اسلامي محدد اليوم ايضا ساحة متاحة لقوى علمانية معروفة مثل (الحزب الشيوعي العراقي) الذي دخل منافسا قويا ضمن قائمة انتخابية مهمة مدعومة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
اما مدينة الموصل التي خضعت في السابق لسيطرة تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية (داعش) وشهدت على مدار ثلاث سنوات سياسات قمع وتهجير ضد جميع الاقليات فيها فقد تحولت اليوم لميدان انتخابي ملون ضم قوائم سنية وشيعية وكردية ومسيحية فيما نزلت قوائم انتخابية لشخصيات موصلية بارزة مثل قائمة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي في بغداد ومحافظات عراقية اخرى.
كل تلك الصور وغيرها ما هي الا نماذج من مشهد اوسع عكس تغيرا في المزاج الانتخابي العام وتحولا من التمترس خلف الطائفة والقومية الى البحث عن فضاءات اوسع يمكن ان تؤمن للناخب اولوياته الجديدة في توفير الخدمات ومحاربة الفساد والارهاب.
ويقول المرشح رافع الفهدواي وهو زعيم عشائري من محافظة الانبار مرشح عن (تحالف النصر) الذي يقوده العبادي "ان المواطن بدا يدرك ان الخطاب التحريضي الطائفي لم ينتج له سوى "الفاسدين والسراق والمجرمين" وبالتالي فقد كشف اللعبة ونبذ الطائفيين وخطاباتهم المتشددة".
وتابع الفهداوي قائلا لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس "ان المواطن صار يتمتع اليوم بوعي سياسي اكثر نضجا من السياسيين انفسهم وهذه من المفارقات الغريبة والايجابية في العراق اليوم" ورأى ان الناخب اليوم يبحث عمن يمثله من بين الذين حاربوا الارهاب ودعموا الامن والاستقرار وكافحوا الفساد بغض النظر عن الطائفة والقومية مؤكدا "ان الهدف تحول من تعظيم العرق والطائفة الى تثبيت مقومات التنمية والاستثمار والاستقرار وهذا ما لا يتوفر الا بسيادة القانون بعيدا عن التموضعات الجانبية".
وأشار الى "ان الترشح في مواجهة اصحاب الفكر الطائفي والتحريضي ليس بالامر السهل وانما يحتاج الى مرشحين يمتلكون الشجاعة الكافية لمواجهة التحديات وكسب ود الشارع وخاصة طبقة الشباب منهم".
وبدوره يرى استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد علي الجبوري في حديث مماثل ل(كونا) ان مرحلة الحرب على (داعش) في السنوات الثلاث الماضية واصطفاف المقاتلين من كافة الطوائف والقوميات في خندق واحد في مواجهة عدو شرس خلق نوع من الوعي المجتمعي بضرورة نبذ الشحن الطائفي والقومي".
واشار الى "ان المواطن صار يعلم اليوم ان الخطابات التحريضية هي التي عمقت الحالة السلبية في المجتمع وخلقت الفوضى التي كلفت البلد خسائرا في الارواح والممتلكات".
ولفت "الى ان ما عزز ذلك هو حالة الاحباط الكبيرة التي يشعر بها المواطن من تردي الواقع الخدمي والاقتصادي والذي يلقي باللائمة فيها على الاحزاب والكتل السياسية الطائفية التي طالما شغلت الساحة السياسية في المرحلة الماضية دون ان تقدم شيئا يذكر".
الا انه حذر من ان تراجع الخطاب الطائفي سوف لن يكون بالضرورة لصالح الخطاب الوطني الجامع بل ان البعض تحول الى الولاءات الشخصية او العشائرية او الرمزية.
وتأتي كل تلك المؤشرات وسط دعوات اطلقها قادة سياسيون لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة وفق مبدأ الاغلبية بعيدا عن التوافقية الطائفية والقومية التي كانت تعتمد في الدورات السابقة لارضاء المكونات والطوائف اكثر منها لبناء حكومات قوية.
ولعل ما يمهد لذلك على ارض الواقع هو تفتت القوائم الطائفية الكبيرة الى قوائم اصغر متنافسة وربما متنافرة مع بعضها ومتقاربة مع قوائم اللون الطائفي الاخر فقوى التحالف الوطني الشيعي مثلا تحولت اليوم الى قوائم شتى ابرزها (قائمة النصر) التابعة لرئيس الحكومة العبادي و(دولة القانون) لنائب الرئيس نوري المالكي و (تيار الحكمة) لرجل الدين عمار الحكيم و (سائرون) المدعومة من مقتدى الصدر فضلا عن (الفتح) بزعامة النائب هادي العامري.
كما تدخل القوائم الكردية لاول مرة السباق الانتخابي بقوائم متفرقة بعد ان كانت تحرص في جميع الانتخابات السابقة على الدخول بقائمة كردستانية واحدة وكذلك الحال بالنسبة للقوائم السنية التي انخرطت في قوائم متفرقة فيما فضلت قيادات سنية بارزة مثل رئيس البرلمان سليم الجبوري الانخراط في (القائمة الوطنية) لنائب الرئيس اياد علاوي. (النهاية) ع ح ه

شارك الخبر على