الإرهاب.. الذي لم ينهزم!

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

علي ناجي الرعويلا أعرف على وجه التحديد كم عدد المؤتمرات الإقليمية والدولية التي عقدت منذ هجمات 11 من سبتمبر 2001 تحت عنوان مكافحة الإرهاب وكسر شوكته والتخلص من شروره وعدوانيته. كما لا أعرف بالضبط كم هي البلايين من الدولارات التي أنفقت على الحرب التي يخوضها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد هذا العدو الذي وصلت به الحماقة قبل 17 عاماً إلى هز كبرياء الامبراطورية الوحيدة المتبقية من عصور الامبراطوريات الغابرة.. لكن الذي أعرفه ويعرفه الكثير غيري أن هذا كله قد فشل في الحاق الهزيمة بالإرهاب وفشل أيضا في إيقاف نمو ذلك الطاعون الذي ما زال خطره يتصاعد ويعمل على توسيع رقعة تواجده ونفوذه على المستويين الكمي والكيفي في عدة مناطق من العالم.ليس هناك ما هو أكثر صدقاً في الكشف عن فشل الحرب الدولية على الإرهاب من ذلك الاستطلاع التي قامت به الأسبوع الفائت إحدى الفضائيات الفرنسية من داخل قاعة المؤتمر العالمي للحد من تمويل الإرهاب والذي استضافته العاصمة باريس فقد أكد ذلك الاستطلاع أن 47% من المشاركين في هذا المؤتمر وهم من ذوي الصلة بمحاربة الإرهاب في أكثر من 70 دولة يرون بان الاستراتيجية التي بلورت في أعقاب هجمات نيويورك قد أخفقت كليا في هزيمة الجماعات الإرهابية على الرغم من الإمكانيات المالية واللوجستية والعسكرية الهائلة التي وظفت للحرب على الإرهاب بل على العكس مما كان متوقعاً فقد نجحت التنظيمات الإرهابية في تسميم العلاقات بين المكونات داخل الخرائط وتسميم العلاقات بين الدول الإسلامية والعالم عوضاً عن تشويه صورة الإسلام وقطع الشرايين التي تربطه بالآخر.وكما يتضح من ذلك الاستطلاع فإن الحروب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال وباكستان وفي غيرها من البلدان بداعي محاربة الإرهاب وسحق التنظيمات المتطرفة، وان كانت قد تمكنت من قتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن وإسقاط (دولة داعش المزعومة) ودفع زعيمها ابو بكر البغدادي للاختفاء عن الأنظار مع ذلك فإن مجموع هذه الحروب التي قيل أن كلفتها المالية قد تجاوزت تريليون دولار لم تعط الثمار المتوخاة منها إذ لم تؤد إلى إضعاف طالبان التي تبدو اليوم أقوى مما كانت عليه عند اجتياح أفغانستان 2001، كما أنها التي لم تؤد إلى القضاء على القاعدة أو داعش بالقدر الذي عملت على تراجع نشاطهما في بعض المناطق مما يسمح لعناصرهما بالانتقال الى مناطق أخرى وإعادة الانبعاث من جديد.ما يطرح سؤالاً بسيطاً: لماذا يصر التحالف الدولي على الاستمرار في هذه الاستراتيجية رغم فشلها الذريع على مدى 17 عاماً؟ بدلا من الاعتراف بالحقيقة بأن النصر على الإرهاب لا يمكن أن يتحقق عن طريق هذه الاستراتيجية والتي تقوم آلياتها على استخدام القوة وقتل العناصر المتشددة التي تنتمي للجماعات المتطرفة مع العلم ان اكثر ما يهدد الغرب من جراء الإرهاب هو أن يفقد عقلانيته وحداثته اللتين قامت عليهما نهضته فلو كان النهج القائم على القتل هو الوسيلة المثلى لما بقي تنظيم القاعدة على الحياة بعد مقتل معظم قياداته ولما استمر داعش بعد كل ما حصل له في العراق وسوريا من تصفيات نالت من عشرات الآلاف من أعضائه ولما أصبحت الحرب على الإرهاب بلا نهاية كل هذه السنوات فالواقع أن قتل العناصر المتطرفة لا يمكن له أن يفضى إلى هزيمة الايديولوجيات والأفكار والمظالم والعواطف المولدة للتطرف والمحفزة على العنف والكراهية القاتلة وهذا أهم ما ينبغي على المعنيين بمواجهة الإرهاب في الغرب إدراكه قبل فوات الأوان.إن الطريقة الرشيدة لمواجهة الإرهاب هي تلك التي تمثل نقيضا لما يهدف إليه وتساهم في منعه من تحويل العالم إلى ساحة حرب مفتوحة لمعارك انتقامية متبادلة فالإرهاب بطابعه ليس مؤهل لان ينتصر وإذا بدا الأمر غير ذلك فهو يعني نجاح الإرهاب في إرغام من يقومون بمواجهته بالتصرف بطريقة خاطئة ليظهر كما وانه (ينتصر) غير أن هذا ليس انتصارا له بل خطأ في منهج مواجهته كما هو الحال مع أولئك الذين يريدون حسم المعركة مع الإرهاب من خلال استراتيجية مهووسة بالقتل والقمع دون التفكير بمعالجة الأسباب التي تغذي الإرهاب كالفقر والجوع والأمية والجهل والحياة الشاقة التي تحيق بالعديد من المجتمعات والشعوب ولو أن العالم المتحضر صرف القليل من بلايين الدولارات التي ينفقها على القصف وملاحقة المتطرفين في تنمية مناطقهم وتحسين التعليم والمشافي وتعبيد الطرق لتغيرت تلك العقليات التي تخلع المشروعية الالهية على الإرهاب.لكن هل مثل هذه الاستراتيجية التي تستخدم في مكافحة الإرهاب مقصودة ؟ أم أنها تعبيرا عن سوء إدارة أو إخفاق في بعض اتجاهات التطبيق كما يعتقد البعض؟ إن ذلك قد يسلط الضوء على الهوة والفجوة التي أفرزتها الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب والتي يتم فيها التزاوج بين الاعتلال الايديولوجي والاعتلال الاستراتيجي الى درجة أن هناك من يفكرون بطريقة تتجاوز منطق مجانين داعش وهمجية القاعدة وذلك كفيل بإحباط أية محاولة لهزيمة الإرهاب خصوصا إذا ما استمرت الحرب على هذه الآفة الجهنمية تسير بنفس الأسلوب وبنفس الآلية وبنفس الاستراتيجية التي تدعي محاربة الإرهاب فيما هي التي توفر له البيئة للنمو والتوالد وتمكنه من استباحة العقول والكتب والمساجد والشاشات وكل المنصات.كاتب يمني

شارك الخبر على