النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود (١٣).. مصر ظلت مترددة حتى اللحظات الأخيرة

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

لم يبق لنا مما جاء فى المُجلد الأول من كتاب المؤرخ عارف العارف "النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود"؛ المكون من ثلاثة مجلدات، والذى يسجل فيه أهم ما جرى من وقائع في فلسطين من اليوم الذي صدر فيه قرار التقسيم 29 نوفمبر 1947 الى اليوم الذي انتهى فيه الانتداب البريطاني وانسحاب الجيش البريطاني من البلاد فى 14 مايو 1948، إلا بضع نقاط، سنعالج هنا عددا منها، ونختم قراءتنا للمجلد الأول فى الغد، حتى نعبره إلى المجلد الثانى، حيث سنتتبع الأحداث الهامة منذ دخول الجيوش العربية في 15 مايو 1948 إلى أول يوم بدأت فيه الهدنة في 11 يوليو 1948، ولنبدأ من بعض أعمال اللجنة الخماسية التى قضى قرار التقسيم بتشكيلها من ممثلى خمس من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة لتشرف على عمليات تسلم مسئوليات الحكم من بريطانيا إلى رجال الدولتين: العربية واليهودية.

فيخبرنا، العارف، أنه قد ألفت اللجنة من ممثلين عن: بوليفيا، وتشيكوسلوفاكيا، والدنمارك، وبنما، والفلبين، واختار المستر تريجفى لى، السكرتير العام للهيئة المستر رالف بانش سكرتيرا لها، ودعت اللجنة الفرقاء المختصين لانتخاب من يمثلهم فى اللجنة، فعينت الوكالة اليهودية موشه شرتوك، وأما الهيئة العربية العليا فلم تعين أحدا، بل أبرقت إلى المستر تريجفى فى 19 يناير 1948 تقول إن "الهيئة العربية العليا تصر على رفض التقسيم، وأنها لهذا ترفض قبول الدعوة للاشتراك فى أعمال اللجنة الخماسية".

اقرأ الحلقة السابقة.. النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود 12.. من كان يقبل بتقسيم فلسطين وكيف

ويطلعنا العارف على أول تقدير لضحايا القتال، حيث يذكر أنه "فى 16 فبراير 1948 بلغ عدد الضحايا فى فلسطين منذ صدور قرار التقسيم 869 قتلى و2000 جرحى، بعضهم عرب، وبعضهم يهود والبعض الآخر بريطانيون، ونشر التقرير الذى رفعته اللجنة الخماسية لمجلس الأمن، وقد جاء فيه أنه "لا مناص من تأليف قوة دولية تتولى فرض التقسيم فى فلسطين، على أن تكون هذه -من حيث العدد- قادرة على التنفيذ، وأن تنتخب من غير الفلسطينيين"، وقالت إنها لا تستطيع تنفيذ التقسيم بغير سند مادى من الأمم المتحدة، وإذا لم تقم قوة دولية مقام الجنود البريطانيين عند جلائهم عن فلسطين فى 15 مايو، فستواجه الأمم المتحدة فترة من الفوضى وسفك الدماء فيها، ولن يسلم من ذلك مدينة القدس نفسها؛ وما قالته إن فشل الأمم المتحدة فى حل القضية الفلسطينية سيكون سابقة خطرة ومضرة بسمعة الأمم المتحدة، وقالت إن الهيئة العربية العليا بفلسطين تقوم بمجهود محكم لتحدى قرار التقسيم، واستبداله -بالقوة- بتسوية تتلاءم ومصلحة العرب، وأن الحكومات العربية تناصر الهيئة المذكورة فى مساعيها.

اقرأ أيضًا.. النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود 10.. لماذا وقعت مذبحة دير ياسين؟

ثم يتابع، العارف، عمل اللجنة الخماسية، فيذكر رفض الولايات المتحدة تشكيل قوة دولية لتنفيذ قرار التقسيم، وكذلك رفض بريطانيا التعاون مع اللجنة الخماسية فى طلباتها، ثم يذكر أنه "فى 26 فبراير 1948 وجهت الهيئة العربية العليا نفسها إلى السكرتير العام لهيئة الأمم كتابا قالت فيه: "إن عرب فلسطين لن يخضعوا لأية قوة تأتى إلى فلسطين لتنفيذ التقسيم"، وفى الأسبوع الأول من شهر مارس سنة 1948 وصلت القدس طلائع اللجنة وكانت تلك الطلائع قد غادرت نيويورك فى 22 فبراير وهى مؤلفة من رجال السكرتيرية، جاءوا إلى القدس ليبدأوا العمل مع الحكومة المنتدبة، ورغم أنهم نزلوا ضيوفا على حكومة فلسطين، فإن رجال هذه الحكومة لم يتعاونوا معهم، فغادروا فلسطين فى الحال.

وعلينا أن نتذكر أن تعبير "حكومة فلسطين" يعنى بها الإدارة المدنية التى شكلتها بريطانيا بصفتها دولة الانتداب على فلسطين، لإدارة الشئون العامة فى فلسطين، ولم تكن هذه الإدارة إلا جزءا من سلطة الانتداب وأداتها المدنية فى إدارة فلسطين.

قد يهمك.. النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود 9.. مقدمات الأيام الحمراء

وإذ يسجل، العارف، أنه فى آخر شهر إبريل سنة 1948 بلغ عدد القتلى فى فلسطين، خمسة آلاف وأربعة عشر قتيلا، موزعين كما يلى: 3569 عربا، 1256 يهودا، 152 إنجليزيين، و37 غيرهم، ويستطرد: "هذا فى ميادين القتال، وأما فى المدن فقد اضطربت الأحوال، وساء الأمن، وفقدت الحكومة سيطرتها فى جميع الميادين، فاضطرت إلى إخلاء السجون وأطلقت سراح السجناء الذين قضوا ثلث المدة المفروضة، وكانت فى شهر مارس الفائت أطلقت سراح أولئك الذين قضوا نصف المدة، وأرسل سجناء القدس الآخرون (الذين لم يشملهم العفو) إلى نابلس وعكا، ولكنهم لم يمكثوا هناك أكثر من بضعة أيام، إذ ما كاد شهر مايو يطل حتى كان العفو قد صدر عن الجميع، ولم يبق فى سجن عكا سوى المجانين، وشملت التدابير نفسها السجناء اليهود، فأطلق سراح عدد منهم، ونقل الباقون إلى مخيم المعتقلين فى عتليت.

لا يفوتك.. النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود 8.. تخبط وتضارب عسكرى وسياسى شامل

ويخبرنا، العارف، بما خلص إليه المؤتمر السياسى الذى عقد فى يوم 23 إبريل 1948 فى العاصمة الأردنية، عمان، وشارك فيه وزراء الخارجية والمالية والدفاع فى الأردن وسوريا والعراق ولبنان، وحضره كل من الملك عبد الله (ملك الأردن)، والأمير عبد الإله (الوصى على عرش العراق)، وعبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة العربية، وقرر المؤتمر بعد أن بحث قضية فلسطين أنه لا مناص من دخول الجيوش العربية لإنقاذها وأنه لا بد من تزويد تلك الجيوش بكافة الوسائل العسكرية والمالية، غير أنه تركوا أمر التنفيذ إلى رؤساء الأركان، وسافروا فى 25 إبريل إلى القاهرة ليقنعوا مصر كى تشترك فى الإنقاذ. وفى الاجتماع الذى عقده مجلس الجامعة العربية فى قصر الزعفران بالقاهرة تقرر تزويد الجيوش العربية بما تحتاج إليه من مساعدات مالية واقتصادية.

وهكذا كانت مصر مترددة فى الدخول إلى الحرب، وكانت آخر الملتحقين بالبحث فى كيفية ذلك.

تابع أيضًا.. النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود 7.. مسيرة طويلة من حبر على ورق

شارك الخبر على