سناء جميل.. عمر الشريف أفقدها السمع وندمت بسبب رفض الإنجاب

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

صعيدية تتحدث الفرنسية بطلاقة ومحسوبة على الطبقة الارستقراطية رغم أنها بلا مأوى منذ التاسعة، تركيبة مختلفة تمتعت بها فتاة تُدعى «ثريا يوسف عطا الله»، المولودة في مركز ملوي التابع لمحافظة المنيا، 27 أبريل 1930، لم تكن تعلم أسرتها التي تبرأت منها فور التحاقها بالمعهد العالي للفنون المسرحية، أنها ستُصبح فيما بعد القديرة سناء جميل، إحدى أبرز النجمات منذ ظهورها، صاحبة الأداء التمثيلي الفريد ما أهلّها لتقديم أعمال على المسرح الفرنسي.

الأهل.. والاختفاء

«ثريا» كان والدها محاميًا في المحاكم المختلطة، بينما والدتها خريجة كلية البنات الأمريكية في أسيوط، جاء بها والديها إلى القاهرة وهي في سن التاسعة وأدخلاها مدرسة داخلية «المير دي ديو» الفرنسية، ثم اختفيا، وظلّت في دراستها تلك حتى وصلت إلى المرحلة الثانوية، وأثناء ذلك كانت تشارك في العديد من المسرحيات باللغة الفرنسية.

اقرأ أيضًا.. لويس جريس.. أراد الإسلام لأجل سناء جميل وتمنى الرحيل ليقابلها في السماء

الزوج الكاتب لويس جريس، يروي حديثًا على لسانها في حوارِ له مع الإعلامية لميس الحديدي، منتصف مايو 2016، قائلًا: «كنت بنت سن 9 سنين، أبوها وأمها جابوها ودخلوها مدرسة داخلي ودفعوا مصاريفها واختفوا.. أنا ماعرفش ليه جابوني ودخلوني المدرسة وليه اختفوا»، يُعقب: «معرفتش عنهم حاجة خالص لحد ما ماتت».

أول الرحلة.. وما بعد الطرد

خلال تأديتها لاختبار القبول في المعهد، لم تكن تتقن العربية، وجهزّت مشهدًا من مسرحية «كليوباترا»، ودوّنت نصه العربي باللاتينية كي تستطيع نطقه أمام لجنة التحكيم، التي كانت تضم المسرحي زكي طُليمات، والذي تبنى موهبتها الفنية، ومنحها اسمها الفني، وكان سببًا في ما بعد لأن تتقن اللغة العربية، كذلك ساعدها في أن تجد سكنًا في منزل المغتربات بعدما طُردت.

وتحكي «سناء» عن تلك الفترة أنها لم تمكث كثيرًا في بيت المغتربات، وأن طُليمات ساعدها أيضًا في أن تحصل على سكن خاص بها، وأنها لما ذهبت لتشتري أثاثًا لشقتها الجديدة، اشترت سريرًا وحلة وموقدًا لكن أموالها نفدت قبل أن تشتري مرتبة لتنام عليها، فاضطرت لأن تفرش ملابسها فوق السرير للنوم مما تسبب في إصابتها لاحقًا بانزلاق غضروفي، وهي لاتزال شابة.

ويقول لويس: «زكي طُليمات كان يُشجع الفتيات على دخول المعهد، وكان يُخصص لأي منهن 6 جُنيهات، وأنشئ فرقة المسرح الحديث مكونة من أولاد وبنات من خريجي المعهد، وكانت سناء منهم وأيضًا سميحة أيوب وزهرة العُلا وعبد الرحمن أبو زهرة»، وكان أول أدوارها في السينما عام 1951.

قلمٌ واحد لا يكفي

أشارت «سناء» في أحد حواراتها الصحفية إلى أنها عانت من ضعف حاسة السمع، بسبب «القلم» الذي صفعها إياه الفنان عمر الشريف في فيلم «بداية ونهاية»، عام 1960، حيث اندمج «الشريف» أثناء تصويره للمشهد، وصفعها «قلمًا» حقيقيًا أصيبت على إثره بفقدان حساسة السمع لإحدى الأُذنين.

الزواج من الكاتب

يروي «لويس»: «في يوم 27 أبريل 1961 كنا بنتغدى سوى وقولتلها (سناء على فكرة انتي عايشة لوحدك وأنا عايش لوحدي، ما تيجي نعيش مع بعض)، ضحكت وسكتت، ظّلننا بعدها لا نتحدث ولا نتهاتف حتى 15 يونية 1961، لقيت تليفون منها، قالتلي (هو أنت لما كنت بتقول ما تيجي نعيش مع بعض كنت تقصد نتجوز؟ قولتلها أه.. قالت نتجوز يوم السبت)»، ويقول إن القسّ رفض إتمام الزواج دون وجود معازيم وشهود، ليتوجه الزوج إلى جريدة «روز اليوسف»، والتي كان يعمل بها، ويستأجر 7 عربات بداخلها 35 شخصًا من زملائه، ليحل الأزمة بطريقة طريفة، لافتًا إلى أنهما قضيا شهر العسل تنقُلًا بين عدة محافظات، حيث أنها كانت مرتبطة بعروض مسرحية.

«لويس» كان يعتقد أن «سناء» مُسلمة، بينما هو قبطي، ويقول: «كانت دايمًا بتقول والنبي كل ما تتكلم، لما قالتلي نتجوز قولتلها (حيلك حيلك نتفاهم بعدين)، فقالتلي يعني إيه؟ قولتلها (أنا صحيح بحبك وممكن نتجوز بس في مشكلة، وعشان أُشهر إسلامي في إجراءات.. كنت مستعد أُشهر إسلامي عشانها.. قالتلي وأنت تُشهر إسلامك ليه؟ أنت منين؟ قولتلها من أسيوط، قالت وأنا من المنيا، قالت معاك فلوس؟ قولتلها أه، قالت طيب ما تيجي نروح الحُسين بالليل، روحنا وإحنا هناك قالتلي فين الـ7 جنيه؟ قولتلها معايا، سألت على صايغ وروحناله وقالتله عايزين دبلتين.. كل ده وأنا فاكرها مُسلمة.. قالتلي أنت عايز تُسلم ليه أنا قبطية زيّك، فين الـ7 جنيه؟ واشترينا الدبل».

يحكي عنها الزوج، قائلًا: «قبل سناء كانت حياتي عادية، زواجي من سناء جميل جعل الحياة ثرية وغنية ومتنوعة ومرِّت من غير ما أحس، السنين جِريت وأنا مش دريان، لدرجة إن حتى لما سناء رحلت مازالت عايشة معايا.. وأكتر فيلم بحبه لها (بداية ونهاية) لأنه الفيلم اللي عرفني عليها».

رفضت الإنجاب من أجل الفن.. والندم!

يُضيف جريس، أنها في بداية زواجهما أخبرته أنها لا تُريد الإنجاب، ويروي: «قالتلي في بداية جوازنا في الستينات (أنا بحب شغلي أوي ومقدرش أوزع حبي على اتنين)، قولتلها يعني إيه؟ قالت (لو جبت طفل وتعب مش هقدر أسيبه وأروح لشغلي، فأنا مش عايزة أطفال)، رديت عليها وقولتلها إني مش شايف مستقبل مُشرق ومعرفش إيه هيحصلي فأنا موافق نلغي فكرة إن يكون عندنا أولاد، وعادت سناء جميل بعدما بلغت سن الستين، وقالتلي (لويس.. غلطنا.. وأنا أخطأت.. كان زمان لو عندنا بنت ولا ولد كنا نتسند عليه، القرار كان خاطئ وغلط، وأنا ندمانة إني فكرت بالشكل ده».

إشادة الحُسين

كان أول لقاء حقيقي لسناء جميل مع الجمهور كان من خلال مسرحية «الحجاج بن يوسف» ثم قدّمت مسرحية «زواج الحلاق»، وتشاء الصدفة أن يكون عميد الأدب العربي طه حسين من بين الحاضرين للعرض، فكتب عنها عدة مقالات يُشيد بموهبتها الكبيرة، وكان ذلك أحد العوامل القوية لكي تسير سناء في طريقها المسرحي من نجاح إلى نجاح أكبر وتشترك في روائع المسرح القومي ومنها «بيت من زجاج، سلطان الظلام، الناس اللي فوق».

صفع سيد زيان

كانت «سناء» وجه حينما تراه على الشاشة لا يُعبر إلا عن قوة مُفرطة لدى السيدة، إلا أن الكثير من العاملين معها قالوا إنها كانت تمتاز بالطيبة الشديدة، ومن بين المواقف التي تُثبت ذلك، في أثناء تصوير مسلسل «الراية البيضا»، 1988، صفعت الفنان سيد زيان بشدة، قائلةً له: «أنا سِتك»، حيث كانت تعنفه واندمجت في المشهد بشدة، وبعدما انتهت ظّلت تبكي وتعتذر له.

مسرح فرنسي

قدِمت مسرحية لـ «سترندبرج» بعنوان «رقصة الموت» باللغة الفرنسية، وشاركها البطولة النجم الفنان جميل راتب والممثل الفرنسي كلودمان وقد عرضت المسرحية في باريس واستمر عرضها في عدة مدن فرنسية خلال العام 1977 وسط إقبال منقطع النظير من الجمهور الفرنسي.

فيلموجرافيا

قامت بالمشاركة في 9 مسرحيات، و15 مسلسلًا، منهم (خالتي صفية والدير، البر الغربي، الرقص على سلالم متحركة، الراية البيضا، ساكن قصادي)، و46 فيلمًا سينمائيًا، أبرزها (الزوجة الثانية، الشوارع الخلفية، المجهول، اضحك الصورة تطلع حلوة)، وحصلت على وسام العلوم والفنون عام 1967، كما تم تكريمها في مهرجان الأفلام الروائية عام 1998.

الرحيل

توفيت «السناء»، في الثاني والعشرين من ديسمبر عام 2002، بعد صراع طويل مع مرض سرطان الرئة عن عمر يناهز 72 عامًا، ويقول الزوج الوفي عن ذلك، «بعد ما ماتت فضلت 3 أيام قبل القيام بدفنها، وأذعت الخبر في جميع وسائل الإعلام في كل البلاد العربية، ظنًّا مني إن أهلها يعرفوا فيجوا، قولت يمكن خاصموها في حياتها لكن بعد الوفاة يظهروا، 41 سنة متزوجها معرفلهاش أهل، وده كان مأثر فيها أوي، كانت عينيها تدمع وتقولي مش عايزة أتكلم في الموضوع ده».

شارك الخبر على