النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود ١٢.. من كان يقبل بتقسيم فلسطين وكيف

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

على امتداد المُجلد الأول من كتاب المؤرخ عارف العارف "النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود"؛ المكون من ثلاثة مجلدات، الذى يسجل فيه أهم ما جرى من وقائع في فلسطين من اليوم الذي صدر فيه قرار التقسيم 29 نوفمبر 1947 إلى اليوم الذي انتهى فيه الانتداب البريطاني، وانسحاب الجيش البريطاني من البلاد فى 14 مايو 1948، لن تجد أية إشارة إلى أن طرفًا عربيًا كان يرى ضرورة التعاطى بإيجابية مع قرار التقسيم، الرفض العربى لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية، ووضع مدينة القدس تحت إدارة دولية، كان فى الظاهر شاملا، ولم تعلن أية شخصية قيادية أو جهة مسئولة قبولها القرار، لكن إشارة، العارف، إلى أن "البريجادير (تشارلز) كلايتون Clayton -وهو من كبار موظفى السفارة البريطانية فى القاهرة- كان يرافق رجال الحكم فى الأردن أينما حلوا وحيثما ساروا. ولقد حضر هذا معظم المؤتمرات العربية"، يفتح بابًا للبحث عن أصداء لتصورات مختلفة فيما يتعلق باستعداد قيادات عربية للتعاطى مع قرار التقسيم بصورة إيجابية؛ تقبل وتنفذ نتائجه دون الحاجة للإعلان عن قبوله فى العلن، والبداية ستكون مع كلايتون، الذى يصفه محمد حسنين هيكل فى مقاله الشهير "بصراحة" فى "الأهرام" بتاريخ 5 ديسمبر 1970، بأنه "رئيس المخابرات السياسية البريطانية فى الشرق الأوسط"، وأنه (هيكل) رأه "يلعب من وراء الستار فى مؤتمر بلودان سنة 1946 دورا لم أستطع فى ذلك الوقت تحديد مداه.. كان يقيم فى بيت خارج فندق بلودان الكبير الذى خصص للمؤتمر السرى الخطير وكان هناك عدد ليس بالقليل من المؤتمرين الذين يذهبون إليه فى هذا البيت ويقولون له ويسمعون منه".

فيما بعد، وحين نشرت وثائق الخارجية البريطانية، تم الكشف عن تقرير رفعه كلايتون إلى السفير البريطاني في مصر، مؤرخ فى 14 ديسمبر 1947، جاء فيه: تعلمون سعادتكم أنني قمت أخيرًا بعدة مباحثات مع زعماء البلاد العربية المشتركة في جامعة الدول العربية، الغرض منها تبين الموقف الرسمي لحكومات هذه البلاد حيال مشروع تقسيم فلسطين على دولتين يهودية وعربية، وقد اتضح لي من هذه المباحثات أن هذه البلاد اتخذت موقفا صريحا من هذه المسألة، وقد أعلنته على لسان ممثليها في جامعة الدول العربية. غير أني لمحت في أحاديثي مع رؤساء الحكومات العربية، ولا سيما رؤساء وزارات شرق الأردن وسوريا ولبنان إلى خطر نشوب حرب ثالثة، متسائلًا عن الموقف الذي ستقفه بلادهم من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وعن مدى استعدادهم للمساهمة في المجهود الحربي المنتظر عما إذا كانت بلادهم ستتساهل في منحنا قواعد حربية في بلادهم، ومنح قواتنا حق المرور والإقامة فيها، فراوغ رئيسًا لبنان وسوريا في الإجابة عن أسئلتي، وقالا أنهما لا يستطيعان أن يتعهدا لي بشيء قبل عرض الأمر على رئيسي الجمهوريتين السورية واللبنانية، وأخذ رأي مجلس البرلمان في بلديهما. ولكنني على يقين من أننا لو لجأنا إلى شيء من التهديد، فلا شك في أنه سيأتي بأطيب النتائج.

ولقد لمست من أحاديثي مع رئيسي وزارتي سوريا ولبنان بشأن مسألة تقسيم فلسطين أن البلاد العربية أجمعت رأيها على الحيلولة دون إتمامه غير أن في مقابلتي الأخيرة لسعادة رئيس وزراء شرق الأردن تبين لي أن له رأيًا يخالف رأي رؤساء حكومات البلاد العربية، وقد أدلى إليّ باقتراحات لو نفذت لأمكن تنفيذ تقسيم فلسطين التقسيم، الذي نص عليه قرار منظمة الأمم المتحدة دون أن تعترض البلاد العربية، واستطعنا لو نفذت هذه الاقتراحات أن نحتفظ بمراكزنا الاستراتيجية في شرق الأردن وفلسطين.

وترى الاقتراحات التي صرح لي بها سعادة رئيس وزراء شرق الأردن (··) إنه عند إتمام جلاء القوات البريطانية عن فلسطين تنفيذا لقرار منظمة الأمم المتحدة، تنسحب معها القوات الأردنية المعسكرة في فلسطين، ومتى تم انسحابها يقدم الضباط الإنجليز، الذين يعملون في جيش شرق الأردن استقالاتهم، ويعتزلون العمل رسميًا في الجيش، على أن يبقوا في البلاد. ومما لا شك فيه أن الثورة ستشتد في فلسطين، وسيتدفق عليها المتطوعون من جميع البلاد العربية، وعندئذ تعلن الحكومة الأردنية عن قرارها بزحف القوات الأردنية على فلسطين، بحجة تخليصها من الصهيونيين، ولا شك في أن الجيش الأردني مدرب تدريبا حسنا، فمتى اخترقت قواته أراضي فلسطين، فمن المعقول أن ينضم إليه المتطوعون الذين سيكونون خاضعين لرئاسة الجيش الأردني.

مما تقدم تبين أن تنفيذ الشرط الأول من اقتراح الرئيس الأردني لن يثير ريبة الدول العربية. أما فيما يختص بالقسم الثاني من الاقتراح فيرمي إلى أنه كل ما تم لهذه القوات احتلال بلدة من بلدان فلسطين يعلن ضمها إلى المملكة الأردنية، وستعمل القوات الأردنية جاهدة على احتلال البلاد، التي تقع في القسم العربي، وقد أكد لي سعادة رئيس وزراء شرق الأردن أن القوات الأردنية ستتحاشى مهاجمة القرى اليهودية، إنما ستقوم من وقت إلى آخر بهجمات خفيفة على هذه القرى لمنع الشبهات عنها، وأضاف أنه عندما يتم احتلال المنطقة العربية من فلسطين فإن الحكومة الأردنية ستقوم بالاتصال بزعماء اليهود في فلسطين لحملهم على تقديم الضمانات الكافية لعدم محاولة توسيع دولتهم أو الإغارة على القرى العربية المتاخمة لمنطقتهم، وهنا قلت له "قد تحاول المملكة الأردنية في المستقبل الهجوم على سوريا ولبنان لتحقيق فكرة سوريا الكبرى، الأمر الذي يخلق اضطرابات في هذه البقعة من الشرق"، فابتسم سعادته، وقال وكيف لنا أن ننفذ هذه الفكرة، ونحن خاضعون لنفوذكم وبيننا وبينكم معاهدة.

ورأيت قبل أن أختم حديثي مع الرئيس الأردني أن أسأله عما إذا كان قد عرض هذه المقترحات على صاحب الجلالة الملك عبد الله، فقال ما نصه "وهل يحق لي أن أبدي اقتراحات أو أن أتحدث باسم صاحب الجلالة دون عرضها عليه وموافقته عليها"، وعرضت على سعادته أن أدون مقترحاته كتابة، وأن يذيلها بتوقيعه، وأن ينص فيها على أن جلالة الملك عبد الله موافق عليها فلم يمانع في ذلك ودونتها فعلا ووقعها بإمضائه، ولما لم أستطع مقابلتكم لعرضها عليكم فقد رأيت الإسراع بإرسالها إلى وزارة الخارجية لاطلاع الوزير عليها بعد أن احتفظت بصورة منها.

شارك الخبر على