الأمم المتحدة تحصد البلايين

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

فريد أحمد حسنيتكرر بين العاملين في منظمة الأمم المتحدة الحديث عن الصعوبات المالية والأموال التي تحتاجها المنظمة لمنع الحروب، وتحقيق السلام الذي هو الرسالة الأساس لهذه المنظمة الدولية، ولأن التركيز ظل طوال السنوات الفائتة فقط على مسألة التزام الدول الأعضاء بتسديد اشتراكاتهم لذا ظلت هذه المؤسسة تعاني من الصعوبات المالية، وستظل تعاني منها طالما اعتمدت في موازنتها على تلك الاشتراكات - وربما الهبات من بعض الأعضاء – والتي يمكن أن تتأثر بسبب بعض مواقفها كما حصل أخيرا عندما قرر رئيس الولايات المتحدة خفض قيمة مساهمات بلاده. هذا يعني أنه حان الوقت للتفكير في طرق جديدة ينتج عنها توفر ما يكفي من أموال لتتمكن هذه المؤسسة المهمة من تحقيق أهدافها وليكون لها دور أكثر فاعلية في منع النزاعات والحروب وفي تحقيق السلام، وبالتأكيد لا يوجد أفضل من الاستثمار لضمان الحصول على تلك الأموال، فاستثمار الأموال يأتي بالأموال.شيء من هذا القبيل دعا إليه رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ميروسلاف لايتشاك في رسالته التي بدأ بها اجتماعه رفيع المستوى حول بناء السلام واستدامة السلام في نيويوروك. ملخص دعوته هي الاستثمار في عدد قليل من الدول والتي رأى أنه يمكن أن ينتج عنه بلايين الدولارات من الأموال للمجتمع الدولي، وهي فكرة صائبة ومهمة للغاية ولعلها تكون متعددة الفوائد لو أن الاستثمار تم في الدول الأكثر حاجة إلى الاستثمارات حيث يمكن بهذا حل جانب من مشكلاتها وهو ما يفعله الاستثمار عادة حيث يعود النفع على المستثمر وعلى البلد الذي استثمر فيه الأموال، ولأن استثمارات الأمم المتحدة ستكون كبيرة لذا فإن العائد لا بد أن يكون كبيراً فتستفيد وتسهم في إعانة دول محتاجة للمال، وفي كل الأحوال تكون قد أسهمت بشكل عملي في نشر السلام الذي يتحقق مع تخلص الدول من مشكلاتها المتعلقة بالمال. ما ذكره لايتشاك في كلمته التي تم توزيعها على وسائل الإعلام قبل عقد الاجتماع بأيام مهم بل مهم للغاية، فهو مقترح للخروج من المشكلات المالية التي تعاني منها الأمم المتحدة ويعين على إخراج بعض الدول من بعض مشكلاتها ذات العلاقة بتوفر السيولة والتي يمكن أن تتوفر عبر تلك الاستثمارات. لايتشاك قال أيضاً في كلمته أو بالأحرى رسالته إنه «عندما أنشئت الأمم المتحدة تصوّر مؤسسوها عالما من نوع مختلف.. عالما تُحل فيه النزاعات في قاعات الاجتماعات وليس في ساحات الحروب.. عالماً تتوقف فيه الحروب حتى قبل اندلاعها.. عالما لا ينتظر فقد الأرواح قبل اتخاذ إجراء حيالها»، ولأن هذا لا يمكن أن يتحقق من دون توفر المال الكثير لذا اهتم بشرح فكرته عن الاستثمار والتي انطلق منها من معلومة أساسية ملخصها أن «ما تشهده مناطق متعددة من العالم اليوم من نزاعات عنيفة متصاعدة أصبحت أطول أمداً وأكثر تعقيداً وفتكاً» وهذا يعني باختصار أن النزاعات ستزداد عنفا وستتصاعد أكثر وسيطول أمدها وتتعقد أكثر وأكثر وستفتك بالمزيد من الأبرياء ما لم يتوفر المال الكافي الذي به يمكن المساعدة والمساهمة في إيجاد الحلول المناسبة، فمن دون المال الكثير لا يمكن للأمم المتحدة أن تواصل في عملها، فلا تتحقق أهدافها وتتحول تلقائيا إلى مؤسسة قليلة النفع.«تحتاج الأمم المتحدة إلى نهج جديد نحو السلام»، هذا ما قرره رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في كلمته التي مهد بها للاجتماع الذي بدأ أمس حول بناء السلام واستدامة السلام في نيويورك والذي يشارك فيه قادة العالم للتركيز على «منع نشوب النزاعات»، ونبه إلى أن «ما نطلق عليه «استدامة السلام» هو ما يجب علينا العمل نحوه عوضاً عن السعي للبحث عن حلول بعد نشوب النزاع» وأكد على أن السلام يمكن أن يتحقق في أي مكان من خلال الجهود الدبلوماسية المكثفة، والإرادة السياسية الحقيقية، ويمكن حفظه وجعله مستمرا وضمان عدم تراجعه مستقبلا.يستشهد لايتشاك بمثال من رحلته إلى غرب كولومبيا الشهر الفائت فيقول: «ألهمتني رؤية المجتمعات الأصلية تعمل مع الأمم المتحدة لبناء السلام عبر تقوية الروابط الاجتماعية، كما ألهمتني رؤية القرويين، وهم متحمسون للمستقبل رغم أن منهم من عانى على مر أكثر من 50 عاماً من الحرب، وقد أخبرتني إحدى النساء حول عزم الشعب على عدم الانزلاق مرة أخرى في نزاع» معززا بهذا المثال وبغيره قوله بإمكانية استدامة السلام، وداعيا إلى تسليط الضوء على ما يفعله بناة السلام الحقيقيون.. «ابتداءَ من هؤلاء الذين يديرون أكواخ السلام للنساء في ليبيريا إلى أولئك الذين ينظمون ورش الوساطة في قرغيزستان»، لكنه يعود ليؤكد من جديد على أهمية توفير الأموال عبر المزيد من الاستثمارات والاستثمار في منع نشوب النزاعات، لافتا إلى أن النزاعات تتسبب في انهيار المجتمعات وتمزق نسيجها الاجتماعي وتهدم المباني دون وجود من يصلحها، ومؤكدا على أن الإنفاق على إعادة البناء يكون عادة بمبالغ أعلى بكثير من التي تنفق على منع نشوب النزاع في المقام الأول، وأنه لهذا فإن على الأمم المتحدة أن تعتبر نجاحها في منع نشوب النزاعات هو الأصل، وليس الاستثناء.منطقياً يمكن للأمم المتحدة أن تحصد من هكذا مشروع بلايين الدولارات، ومنطقياً أيضاً يمكن أن تتخلص بعض الدول من مشكلاتها المالية لو أن الأمم المتحدة استثمرت أموالها فيها.·كاتب بحريني

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على