ماكرون يريد فرنسا «عظيمة مرة أخرى» خلال زيارته لأمريكا

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

لا يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الرئيس الوحيد الذي يسعى إلى أن يجعل بلده "عظيمة مرة أخرى"، فنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، يريد القيام بالشيء نفسه.

لهذا السبب يعطي الرئيس الفرنسي البراجماتي، الانطباع، بأنه لا يفعل شيئا سوى قضاء الوقت مع نظيره الأمريكي، مما يمنحه الاحترام والتشجيع الذي يتوق إليه.

شبكة "سي إن إن" الأمريكية، ترى أن ماكرون لا يتصرف هكذا بسبب "طيبة قلبه"، ولكن لتحقيق هدفه المتمثل في استعادة مكانة فرنسا وتأثيرها العالمي، لذا فهو بحاجة إلى الولايات المتحدة، وهذا يعني أنه لا خيار أمامه سوى التعامل مع الرجل الجالس في المكتب البيضاوي.

وكان هذا حاضرًا، عندما لعب ماكرون دورا قياديا إلى جانب واشنطن في الرد على الهجوم الكيماوي المزعوم في سوريا، التي "تعزز قيم الحضارة الغربية"، التي يعتقد الكثير من الأوروبيين أن ترامب يستنكرها.

ولهذا السبب يصر ماكرون على أن الولايات المتحدة لا تستطيع سحب قواتها من سوريا وترك الملعب مفتوحًا للمتطرفين مثل داعش والقوى الإقليمية الكبرى مثل إيران، وهذا يفسر لماذا يسعى ماكرون، ليصبح صديقا لترامب، الذي لا يحظى بشعبية في فرنسا وكذلك في بقية أوروبا.

اقرأ المزيد: مهمة «ماكرون» المستحيلة لإقناع ترامب بالبقاء في الاتفاق النووي

ومن جانبه، يهدف ترامب، إلى توجيه دعوة أول زيارة رسمية إلى ماكرون، ردا للجميل على الاستقبال الذي قدمه ماكرون له، عندما حل ضيفًا للشرف في احتفال فرنسا بيوم الباستيل يوليو الماضي، في وقت كان فيه الزعماء الأوروبيون الآخرون لا يزالون يحاولون استيعاب صدمة استراتيجية ترامب "أمريكا أولًا".

يوضح ماكرون أن الفضائح التي تلاحق البيت الأبيض، وحتى الشكوك التي تحوم حول إمكانية عدم إكمال ترامب فترة رئاسته، لن يكون لها أي تأثير على طريقة تعامله مع الرئيس الأمريكي.

حيث قال ماكرون في مقابلة مع "فوكس نيوز صنداي"، "أنا لست الشخص الذي أصدر أحكامًا على الناس، أو أعتبر ترامب أقل مصداقية بسبب خلافاته أو بسبب التحقيق معه"، وأضاف "أنا هنا للتعامل مع رئيس الولايات المتحدة وشعب الولايات المتحدة انتخب دونالد ترامب".

وأكدت الشبكة أن مثل هذه التصريحات ستلقى صداها لدى ترامب، الذي غالبًا ما يتصرف وكأن شرعية انتخابه قد تم تقويضها، إما بسبب التحقيق في التدخل الروسي وإما بسبب هجمات أعدائه.

لكن دفء العلاقة مع ماكرون، تسبب في معاناة ترامب من معضلة، وهي أنه إذا كان يقدّر صداقة ماكرون حقًا، ويهتم بالحفاظ عليها، فقد يضطر ترامب إلى دفع ثمن سياسي.

اقرأ المزيد: هل يعيد ترامب وماكرون ثنائية بوش وبلير؟

وتساءلت "سي إن إن"، هل الاعتراف الذي يحظى به ترامب من ماكرون يبرر التنازلات التي سيقدمها في مواقف متأصلة في معتقداته الخاصة، ويؤيدها معظم قاعدته الانتخابية، ولكن يعارضها الحلفاء الأوروبيون الأقرب لأميركا؟

وهو سؤال يمثل اختبارا لترامب، لأنه في معظم تعاملاته مع حلفائه السياسيين، وموظفيه، وأعضاء حكومته، وشركائه التجاريين، كان نادرًا ما يبدي ولاءه لهم.

وأشارت الشبكة الأمريكية، إلى أنه ليحصل ماكرون على ما يريده، سيتعين على ترامب أن يتراجع عن تعهده بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، بحلول الموعد النهائي الذي حدده في أوائل الشهر المقبل، كما عليه أن يستثني الاتحاد الأوروبي من التعريفات الأمريكية على واردات الألومنيوم والصلب التي ستدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، وإبقاء القوات الأمريكية في سوريا على الرغم من أنه يريد سحبهم.

ولا يملك ماكرون أي تأثير على ترامب سوى صداقتهم، كما أنه أشار إلى أن الولايات المتحدة، على الرغم من امتلاكها لرئيس تلقى انتقادات بسبب سياسته الخارجية الأحادية واحتقاره أصدقاء أميركا، تحتاج إلى أصدقاء.

وقال ماكرون لـ"فوكس نيوز" في محاولة واضحة لتوصيل رسالته إلى الرئيس الأمريكي قبل لقائه "إنني في غاية البساطة، أنا صريح جدًا"، مضيفًا، "إذا دخلت في حرب ضد الجميع، فأنت تشن حربا تجارية ضد الصين، وحربا تجارية ضد أوروبا، وحربا في سوريا، أن ذلك لا يجدي نفعًا، أنت تحتاج إلى حلفاء، نحن حلفائك".

اقرأ المزيد: ماكرون يزور واشنطن في اختبار جديد للعلاقات الفرنسية الأمريكية

وقد يعتبر مجلس الأمن القومي الأمريكي لإدارة ترامب أن فرنسا هي الآن العضو الأكثر فاعلية في الاتحاد الأوروبي، وهي قوة أساسية في حلف الناتو وعضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ومع وضع ذلك في الاعتبار، قال جيفري فيلتمان، نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة للشؤون السياسية، لـ"كريستيان أمانبور" على  شبكة "سي إن إن"، يوم الإثنين، إن فرنسا "مهمة للغاية لمساعدة إدارة ترامب على تحقيق أهدافها".

عندما وصل ماكرون إلى قاعدة أندروز الجوية، يوم الإثنين، شعرت وسائل الإعلام الأمريكية بالصداقة بين الزعيمين المختلفين في العمر، والمزاج، والنهج الفكري.

لكن المفهوم المنتشر عن ماكرون بأنه "الناصح لترامب" لا ينصف دهاء رسالته، وحساسية التعامل مع شخص متقلب مثل ترامب، والمخاطر السياسية التي يواجهها.

حيث إذا لم تفلح جهوده في إشراك ترامب وربط أميركا بقوة في حلف الأطلسي، فإنه سيبدأ عاجلاً أو آجلاً في مواجهة الأسئلة في وطنه، على الرغم من موقفه السياسي القوي حاليًا.

وتتطلب استراتيجية ماكرون، أن يكون قريبًا بما فيه الكفاية ليفوز بإذن ترامب، ومع ذلك، فإنه لا يستطيع أن يُنظر إلى نفسه أو إلى فرنسا على أنها تسير تحت تأثير ترامب، خاصة بالنظر إلى حقيقة أن العديد من الأشخاص الذين يقتربون كثيرا من الرئيس الأمريكي الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته يمكن أن يتعرضوا للتشويه.

حيث قال نيكولاس دونجان، المحاضر في جامعة "بو"، وهي جامعة بحثية فرنسية مرموقة إنه "ليس من الجيد لصورة ماكرون ولا لفاعليته أن يكونا قريبين من ترامب، فعليه ممارسة النفوذ، بدلًا من الحديث عن دوره في إقناع ترامب".

اقرأ المزيد: الخلافات بشأن إيران تخيم على محادثات ترامب وماكرون

وأضاف أن "ماكرون وهو رئيس الجمهورية الفرنسية، يريد أن يجعل فرنسا عظيمة مرة أخرى، ولا يستطيع أن يفعل ذلك إذا عارضه ترامب، ولا يمكنه أن يفعل ذلك إلا بدعم ترامب".

إن محاولة ماكرون للدعاية لنفسه كزعيم لأوروبا، يعود جزئيا إلى جرأة الرئيس البالغ من العمر 40 عاما، والذي فاز بالانتخابات العام الماضي من خلال إحياء تيار الوسط، ووقف تيار الشعوبية الأقرب لأسلوب ترامب، والذي يزعج الديمقراطيات الغربية.

كما يرجع ذلك إلى تراجع أدوار اثنين من حلفاء أمريكا التقليديين الآخرين في أوروبا، فلا تزال بريطانيا غارقة في مفاوضات مغادرة الاتحاد الأوروبي، كما تعاني رئيسة الوزراء تيريزا ماي من ضعف حكومتها الائتلافية، كما أن عدم شعبية ترامب الشديدة بين البريطانيين تسببت في عدم تلقيه دعوة رسمية من الملكة إليزابيث الثانية لزيارة أقرب حليف لأمريكا.

من جانبها، ترتبط المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعلاقة ضعيفة بالرئيس الأمريكي، الذي قالت عنه إنه لا يشاطر القيم الغربية، وبعد النتائج الضعيفة في انتخابات العام الماضي، لم يعد لميركل المساحة الكافية لإعادة إنشاء التحالف الغربي الذي أقامته مع الرئيس السابق باراك أوباما.

وسيبرز الانخفاض في أهمية دور ميركل في العلاقات عبر المحيط الأطلنطي، عندما تزور واشنطن في زيارة عمل يوم الجمعة، لكن لن تحصل على أي من البريق الذي يحظى به ماكرون في زيارته الرسمية.

شارك الخبر على