محمود مُرسي.. وصف هنيدي بالممثل المحدود وفيلمه الشهير أغضب عبد الناصر

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

«خشن المظهر ذو لهجة جافة في الحديث، جاد عبوث مُعظم الوقت، غير أنه ما أن يضحك لشىء حتى يدهشك بقهقهة عالية طويلة.. يتمتع بطبيعة كالأطفال وسذاجة مُحببة إلى النفس» هكذا وصف الكاتب حسين أمين صديقه الفنان الراحل محمود مرسي، الذي تمنى أن ينساه الناس، ولا ينسون أعماله، فيقول: «ماحبش حد يبصلي لكن مهتم أنه يبص لعملي فقط، ومش مهتم أكون نجم شباك لكن مُهتم أن عملي يوصل للناس».

النشأة

«عدم الأمان والقلق»، كان عنوانا لحياته، بسبب الظروف التي أحاطت به في طفولته، حيث وُلد الطفل محمود في 7 يونيو 1923 لأبوين منفصلين وأُسرة مُفككة وتربى في كنف والده مرسي بِك محمود نقيب المُحامين في الإسكندرية وقتها، وكان يرى والدته يومي الخميس والأحد فقط حينما تأتي لزيارته، قضى محمود طفولة قاسية في مدارس داخلي، وتنقل بين أكثر من أكثر من مدرسة أجنبية بين الفرنساوي والإنجليزي، واستقر في إحدى المدارس الإيطالية.

قرر والده بعدما شاهد أحد الموظفين الصغار يُضارب في البورصة أن يخوض التجربة، فباع بعض المُمتلكات، ولسوء الحظ حل وقتها الكساد العالمي سنة 30، ليفقد ثروته ويصاب بجلطة دماغية، وظل حيًا أربع سنوات ثم اتوفي بعدها، لينتقل الطفل إلى العيش مع والدته وزوجها، ويلتحق بمدرسة مصرية، حيث عانى وقتها من صعوبة تعلم اللغة العربية.

الزيجة الوحيدة

في حفل نظمته المدرسة، خلفت والدته وعدها معه ولم تأت، ليبقى محمود وحيدًا بينما كل الأطفال الآخرين معهم آباؤهم، ومن هنا تعلم ألا يرتبط بشخص.. ربما كان ذلك سببا في ألا يقتنع محمود مُرسي بفكرة الزواج، رغم أنه جمعته قصة حُب كبيرة مع الفنانة سميحة أيوب وتزوجته بعد طلاقها من المُخرج مُحسن سرحان، وأنجب منها مُرسي ابنه الوحيد «علاء».

تقول سميحة أيوب في مذكراتها إنها أحببته قبل أن يجتمعا بسنوات، بعدما شاهدت صورة له في حوار مع إحدى المجلات في بداية مشواره في الإخراج، فتذكرت أنها التقته في أحد مسارح فرنسا، وتلاقت نظراتهم.. وقد كتبت عن تِلك اللحظة قائلة "يومها غاب الزمن لحظة وأحسست بقلبي يخفق، كُل هذا لم يستمر إلا ثانية"، وعِندما شاهدت صورته تمنت الزواج منه، ومع مرور الأيام جمعهم العمل فقرر الاعتراف لها بحبه وبعدها تزوجا، إلا أن الزيجة الجميلة لم تستمر كثيرا وطلقها محمود.

"سميحة" كتبت بألم عن الأمر في مذكراتها، فقالت: "كيف ينتهي كل هذا الحب، أنه حدث لم يتوقعه الفلكيون، أو زلزال لم تتنبأ به أجهز الهزات، هذه هي نهاية الحب التي رسمتها يد الأقدار، والله يعلم كم كنت أحبه وهو لا يصدق، والشىء الموجع أنه لم يقل لي كلمة جارحة أو منافية للضوء خلال فترة حُبنا".

بدأ مذيعًا 
تخرج محمود مرسي في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وقرر السفر بعدها إلى فرنسا لدراسة "الإخراج السينمائي"، وحينما انتهت أمواله هُناك قرر العمل في الإذاعة الفرنسية، لكن نظرا للخلافات بين مصر وفرنسا قررت الإذاعة طرد العمالة المصرية، والتحق بعدها بإذاعة الـBBC في لندن وكان مُقدم نشره، وهو الذي ألقى خبر تأميم القناة فيها، وتم شطب اسمه كمذيع نشرة، لأنه تسبب للمرة الأولى والأخيرة في تاريخ الإذاعة الإنجليزية بتأخير موعد النشرة، وقدم بعدها عدة برامج، لكنه قدم استقالته احتجاجًا على العدوان الثلاثي على مصر والتي شاركت فيه بريطانيا.

ممثل ضل الطريق للإخراج

عاد إلى مصر وأقنع بعض أصدقائه المصريين في الشبكة الإنجليزية أيضًا بالعودة للوطن، لكنه ظل حتى انتهاء العدوان دون عمل، ليتم تعيينه فيما بعد مُخرجا في إدارة المنوعات في ماسبيرو، وقدم الكثير من البرامج، وأخرج الكثير من الأعمال المسرحية في الإذاعة وتعاون مع كبار المُمثلين، ولفت انتباه الجميع بملاحظاته القوية في التعليق الصوتي والإخراج، حتى أرسله التلفزيون المصري لدراسة الإخراج في اليونان، وعاد بعدها لإخراج عدد كبير من المسلسلات التليفزيونية الناجحة وقتها.

ممثلاً

لجأ للتمثيل بعدما واجه الرفد من التلفزيون بسبب آرائه، وفكر بعدها للهجرة لأمريكا لكن عُين مُدرسا للتمثيل والإخراج في معهد السينما، ولم يكن في باله التمثيل على الإطلاق، حتى إن المخرج الكبير يوسف شاهين، طلبه للقيام بأحد الأدوار الثانوية في فيلم "باب الحديد"، لكنه رفض قائلاً له "مبفكرش في التمثيل"، لكن شاهين قال له "أنت ممثل كويس أوي وبكرة تشوف"، وكان دائمًا ما يرفض العمل مع شاهين حتى إنه رفض العمل معه في فيلم "المهاجر"، لكن بعد الرفد استسلم للتمثيل من خلال فيلم "أنا الهارب" عام 1962 مع فريد شوقي، وانطلق بعدها في عالم التمثيل وقدم روائع نتذكرها لليوم، سواء في السينما أو في التليفزيون.

علاقته بجمال عبد الناصر

كان محمود مرسي داعما للزعيم جمال عبد الناصر طوال الوقت، لكن هذه العلاقة توترت بعد النكسة وخسارة عبد الناصر، ولم يكن يخشى مُرسي أن يُعلن آراءه بصراحة، وقال «صورة عبد الناصر كانت في قلبي لكن بعد يوم 5 يونيو ويوم 9 يونيو اتكسرت في قلبي، 9 يونيو عشان ده اليوم اللي رقص فيه نواب الأمة لما عبد الناصر رجع للحكم ومكنش دم الشهداء رجع لسه»، واستكمل هجومه: «كنت متحيزا من البداية لعبد الناصر لكن طول الوقت كانت حاجات كتير بتحصل بتخلي الواحد مش فاهم، وكل يوم اكتشف حاجة جديدة تخليني أشعر بفقدان الثقة في اللي حوليا، لدرجة إن أنا أقتنع إن في سيناريو محبوك ضد مصر بينفذه ناس كتيرة بما فيهم عبدالناصر».

صدمته في عبد الناصر زادت بعدما حاول أن يذهب للتحدث معه في مُشكلات الدولة، التي رُبما في رأيه لم يكن ناصر يراها من القصر الجمهوري، لكن شخصا مهما في القصر طرده، كما روى في مذكراته، وتحول الأمر لكره شديد وقرر تجسيد "عتريس" في شىء من الخوف، الفيلم الذي أغضب السلطة وقتها ولم يُعرض في السينما سوى 3 أسابيع، وقال مرسي في حوار صحفي أن المُخابرات كانت تقوم بشراء تذاكر الحفلات إلى أن رُفع من السينمات وعُرض بدلاً منه فيلم وثائقي عن صناعة الفول اسمه "المكامير".

مواقف علي الممر
- رفض مرسي ترشيحه للفوز بجائزة الدولة التقديرية للإبداع في مصر كممثل، لأنه يرى أن الممثل ليس مبدعًا، وأن الأحق بالتقدير هما المخرج والمؤلف، فلا قيمة لممثل بلا مخرج أو مؤلف جيدين، لكن بعد سنوات تم تعديل مُسمى الجائزة، وأعطوها له تقديرا لعطائه الفني طوال حياته.

- قرر مُرسي مُقاطعة السينما على الرغم من حصوله على جائزة أفضل مُمثل في فيلمين "الليلة الأخيرة مع فاتن حمامة" وبعده "شىء من الخوف" مع شادية، لكنه قال في لقاء صحفي إن السينما فقدت السيناريو الجيد، والقصص المُشجعة، وكان آخر فيلم له هو فيلم "حد السيف".

- في سنواته الأخيرة وتحديدا عام 2000 أبدى مُرسي غضبه من نجاح محمد هنيدي في السينما، ووصفه بأنه مُمثل، يمتلك قُدرات محدودة، ربما يُضحك الناس، لكنه غير قابل للتطوير، ولن يصل لمقدرة عادل إمام، وعن أفلام هذا الجيل قال فيلم الواحد منهم يكلف ملاليم ويدر ملايين، وتفسيره الوحيد هو أن طوفان التفاهة طاغ، وعمومًا أنا لا أشاهد التليفزيون المصري، ولا أذهب إلى السينما أو المسرح.

- في إحدى المرات حينما كان مُخرجًا في التلفزيون كان يعطي الفرصة للكُتاب الشباب، فجاء له أحدهم من القناطر بقفص مانجة كهدية ووضعها على مكتبة، لكن عندما جاء مُرسي ووجد هذا المشهد غضب بشدة وحمل القفص، وذهب إلى القناطر فورا، وألقى بالقفص في حُضن صاحبة مُعطيا إياه درسا في الأخلاق.

الوفاة

وتوفى محمود مرسي بالإسكندرية  في يوم السبت 24 أبريل عام 2004 إثر أزمة قلبية حادة عن عمرٍ يناهز 80 عاما أثناء تصوير مسلسل وهج الصيف.

شارك الخبر على