غياب مراكز توثيق منجز المبدعين والرواد.. ثقافتنا دون توثيق.. ونتاجاتنا في مهب الريح

أكثر من ٦ سنوات فى المدى

زينب المشاط
نفقد ذاكرتنا للأشياء لأننا ببساطة نُشبه إمرأة كثيرة العلاقات تحرق رسائلها العشقيّة السابقة، وتمزق صورها التي تجمعها بمعشوقيها السابقين على آمل ان تكون العلاقة الجديدة أكثر ثباتاً وأكثر حظاً في أن تدوم، إلا أن ذلك لم يحصل وتستمر هي بإتلاف ذكرياتها في سبيل خلق ذاكرة واحدة دائمة، حتى تُصبح فيما بعد بلا ذكريات أو هوية تعريفية أو تأريخ تتحدث عنه بمدلولاته وأدلته الموثقة....
 
في الواقع هذا التشبيه يُذكرني بثقافاتنا، فنوننا، وبكل شيء، قبل فترة من الزمن حاولت أن أبحث عن مجموعة من الأفلام السينمائية العراقية القديمة وهي من بين تلك الأفلام التي لا يتجاوز عددها ال90 فيلماً، ولكني للأسف لم أجد شيئاً يعوّل عليه، لا عبر "غوغل" أو "يوتيوب"، ولا حتى في أسواق بيع أقراص الافلام، وقد أكون عثرت على صورة لـ "افيش" هذا الفيلم أو ذاك أو مشهداً، إنها بلا توثيق، وحتى المسلسلات القديمة، أو المسرحيات العراقية، والكثير الكثير من الكتب والادبيات وخاصةً ما يخص النقد، وحتى منجزات الكثير من رواد الأدب نكاد لا نجدها، وأتساءل هنا "قاصدةً المجال الأدبي والفني "اي الثقافي برّمته، كيف لنا أن ننقل اسماء شخصيات رائدة ما لم نحتفظ بمنجزهم؟ كيف لنا أن نتحدث عن اسماء كبيرة مالم نضع أيدينا على بعض انجازاتهم، أو نُسمي ما حولنا بأسمائهم "فعسى أن تسأل الأجيال القادمة عن أسباب تسمية هذا الصرح أو ذاك، أو تلك المؤسسة أو هذه، أو هذا الشارع أو ذاك بهذا الاسم؟ لنجيبهم وقتها بأنه تابع للشخصية الفلانية العراقية المعروفة." إلا أننا إضافة لعدم توثيقنا لم نفلح حتى بهذا...من المسؤول عن توثيق المنجز ولِمَ لم نوثق المنجز في الواقع لا أملك جواباً واضحاً لهذا السؤال، فلم يُسعفني أحد بجوابٍ شافِ، غير أني علمت أن الناقدة نادية هناوي قبل أكثر من عام قدمت مشروعاً لوزارة الثقافة لتوثيق المنجز "النقدي حصراً" والمشروع لم ينعم بالرد، هناوي خبرتني قائلة "قدمت مشروعاً خاصاً بأرشفة النقد العراقي وأسماء أهم النقاد، وقدمته الى وزارة الثقافة العراقية، وكان في تفكري جمع كل ما كُتب من نقد منذ بداياته وحتى يومنا هذا كالمقالات والكتب، وهذا الأمر بحاجة الى عمل مؤسساتي وقد سحبت المشروع من وزارة الثقافة لأنها استبقته لمدة عام دون أن تقدم لي أي رد شافٍ بهذا الشأن."في الواقع لم أدرك ما دور وزارة الثقافة بالضبط؟ لكني ومنذ أن عملت في هذا المجال "كصحفية" لم ألمس سوى رعايتها لمهرجانات ومعارض ومؤتمرات تشكو العوق الثقافي والفكري، ولم ألتمس أي رعاية لموضوعة تستحق، وتواصلت مع وزارة الثقافة ليس بسبب مشروع الناقدة نادية هناوي، بل بسبب موضوعة استحداث مراكز توثيق المنجز الثقافي للمبدعين والرواد، هل بادرت وزارة الثقافة لشيء كهذا؟ هل تعاملت بصورة جادة مع مشاريع كهذه في حال قُدمت لها، اتصلت بمدير إعلام وعلاقات الوزارة عمران العبيدي الذي خبرني "إن الوزارة غير مسؤؤلة عن ذلك، فأعمال المبدعين والرواد ليست ملكاً للوزارة، وكذلك أعمال الفنانين، فأما نجد ابناءهم يحتفظون بها وهذا من حقهم فهي إرث لهم، أو قد يكون الفنان باعها بعد أن عرضها وهذا أمر طبيعي." ويبدو أن العبيدي حاول أن يتملص من تساؤلي لماذا لا نمتلك مركزاً لتوثيق هذه المنجزات لا للاحتفاظ بها فحسب! وكان ردّه وبشكل دائم "وزارة الثقافة لا علاقة لها بذلك" مُضيفاً " حتى القاعات والصروح الثقافية والشوارع نحن لا نستطيع أن نطلق عليها تسميات، بالتأكيد لو افتتحنا قاعة أو معرضاً ضمن حدود الوزارة سنقوم نحن بتسميته، أما تلك القاعات التي تفتتح من قبل مؤسسات أو وزارات فكل مؤسسة ووزارة معنية بأن تطلق عليها الاسم الذي ترغب به." حاولت أن أكرر تساؤلي آلاف المرات يا سيدي لماذا لم تستحدثوا مراكز لتوثيق منجز المبدعين ؟ إلا أن الرد ! " الأمر يتعلق بأمانة العاصمة بما تختاره من تسميات على الشوارع التي ترغب بإفتتاحها وحتى على الصروح في تلك الشوارع وان طلبوا استشارتنا سنقوم نحن فقط بتقديم النصح في حالة حاجتهم الى صيانة هذا الصرح سنتدخل فنياً فقط." ورغم أن ما أشرت إليه كان بعيداً عما أشار اليه العبيدي إلا أن هذه اقصى نتيجة يمكن أن أصل لها مع وزارة الثقافة التي اعتدت أن أشهد ولادة متعسرة في منحي الاجابات من قبلها. نعم يُمكن أن نُخلد ونوثق المبدع في حال منح شارع أو منطقة أو صرح في المدينة لأسم هذا المبدع، وهذه طريقة جيدة إذ ما اخترنا من يستحق بمنجزه أن ينال شارعاً اسمه، وهنا حاولت اللجوء لشخصية لها علاقة بأمانة العاصمة إلا إنها ذات تواصل تاريخي وثقافي، فتحدثت للباحث التراثي عادل العرداوي الذي أكد لي بأن "قبل حوالي الـ15 عاماً كانت هنالك لجنة رسمية في أمانة العاصمة معنية بتسمية شوارع بغداد وكذلك شوارع المحافظات، إلا أن دور هذه اللجنة سرعان ما تعطل بعد ارتباطها بمجلس الوزراء ومن ثم مجلس المحافظة، وهي الآن بحاجة الى إعادة نظر لغرض تفعيلها."هذه اللجنة كما ذكر العرداوي " كانت معنية بتسمية الشوارع الجديدة وفيها اعضاء من المثقفين والادباء والفنانين والمهندسين والمحامين وشخصيات معروفة مهمتهم مناقشة الأسماء المقترحة التي سيتم من خلالها اختيار اسم واحد ليطلق على الشارع الجديد." مؤكداً "أن هذه اللجنة لا علاقة لها بوزارة الثقافة، مقرها كان قبل 15 عام في امانة العاصمة ، ليتم نقله وربطه مؤخراً بمجلس المحافظة وتعطيل دوره، ولكن من الممكن ان ينظم لهذه اللجنة ممثل عن وزارة الثقافة للاستعانة به في تسمية احدى الشوارع او الصروح الثقافية." أما عن مراكز توثيق المنجز الثقافي للمبدعين والرواد فيذكر العرداوي "ان هذا العمل بالتأكيد من مسؤليات وزارة الثقافة والسياحة والاثار، رغم ان قسماً من هذه المراكز تابعة لشخصيات عامة، وبعضها الى منظمات وجمعيات ولكن لوزارة الثقافة دور في تسميتها واستحداثها فهذه مهمتها بكل تأكيد، اضافة الى الدور الذي يقع في هذا المجال على المؤسسات الاكاديمية والجامعات وهنا تخرج المسؤلية من امانة العاصمة وتتشاطر بين وزارة الثقافة والمؤسسات الاكاديمية والمجمع العلمي العراقي." أغلب المثقفين اليوم يرومون إلى استحداث مراكز توثق اسمائهم وتأريخهم ومنجزهم ونتاجهم، كما بادرت الناقدة نادية هناوي وقدمت مشروعها في مجال النقد حصراً، وها هو الناقد والكاتب ناجح المعموري يتحدث عن الحاجة القصوى لمراكز كهذه ويقول "نحن بحاجة لمركز وطني لتوثيق اسماء الادباء والفنانين والكتاب والمفكرين والمبدعين في العراق، اضافة الى توثيق نتاجاتهم سأتحدث بهذا المجال وضمنه ما يتعلق في انشاء مراكز ثقافية واطلاق تسميات على الشوارع العراقية." اشار المعموري الى انه سبق ان عمل في مثل هذا المشروع المهم والصعب حين كان في هيأة الاحياء والتحديث في محافظة بابل، ذاكراً انه كان مستشاراً ثقافياً للحكومة المحلية وبدأ المشروع الذي وصفه بأنه "ينطلي على الكثير من التفاصيل التي تستمر لوقت طويل ." ويذكر المعموري أن"مثل هذا المشروع المقترح يجب ان يتحول الى مشروع استراتيجي وطني كبير تتحدد به الجهات المسؤولة والتي ابرزها الدولة العراقية بمؤسساتها الكبرى المعروفة، ووزارة الثقافة والاعلام والجامعات الحكومية والاهلية والمنظمات المهتمة بالثقافة والفنون والادب والمؤسسات الكبرى المتعددة والمتنوعة حيث تستطيع تقديم انجاز سريع فيما لو تكاتفت وتكاثقت جهودها."يجد المعموري أن "هذه المؤسسات وبما فيها اتحادات الادباء والنقابات العراقية وغيرها من مؤسسات ومنظمات وبيوتات الثقافة والادب والفنون تقوم بملئ استمارات خاصة عن اسماء روادها ومؤسسوها والفنانون والمثقفون وهذه الاستمارة بها معلومات كافية عن كل مثقف ومنجزه وتأريخه، على ان لا توثق الا الاسماء ذات المنجز الحقيقي والفعلي وبدون مجاملة ، وفي هذه الحالة سنستطيع تقديم انجاز فوري وسريع وملفت للانتباه، لتتحول هذه الاستمارات الى ذاكرة ثقافية وطنية تبدأ منذ الدولة العراقية وحتى الان ولكن هذا يتسعدي ميزانية خاصة وضرورة مشاركة وزارة الثقافة والسياحة والاثار وانا على ثقة بأن وزارة الثقافة ترغب بإنشاء مثل هذا المشروع الا انها مقيدة ماديا."هكذا مشروع وكما يجده المعموري نراه نحن كذلك من شأنه "الحفاظ على الهوية العراقية" حيث يتشعب المشروع لشبكات عديدة اذا بدأنا العمل فيه ستتنامى فروعه وتتطور وتتحول الى مشروع مهم وكبير، وهنا ألفت المعموري الى "اهمية دور الجامعات في مثل هذا المشروع لانها تضمنت الكثير من اسماء الرواد والمؤسسين الاكاديميين والمثقفين والفنانين."مؤكدا أن "المهمة صعبة ولكنها ستسهل بتظافر الجهود والعمل بجدية الا ان ما يؤسفنا ان الدولة العراقية لم تنظر للثقافة والمثقفين بعين الجد، ولا نجد للثقافة اية فرصة ضمن الدستور العراقي."

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على