هل شحَّ منطق العُقلاء في منهج إدارة الرياضة العراقية؟

حوالي ٦ سنوات فى المدى

 مايجري في اتحاد الكرة وانتخاباته أمر معيب واستمرار لسياسة الاستغفال
 د. باسل عبد المهدي
الرياضة وإنجازاتها صناعة لها مناهج وطرق لا تعرفها ولا تقدر على إكمال تحقيقها غير العقول الممتلئة بتنوّع وفير من المعارف العلمية وقدر كافٍ من الخبرة العملية. عقول تفكّر وتبتكِر وتلتزم بتنفيذ ما يضمن تشييد المنجز وتحصينه سعياً الى الأحسن بتواصل مدروس ومضمون نحو منصّات التتويج. بالضبط هذا ما تعلّمناه وما علمناه جيلاً أثر جيل منذ أن انتظمت رياضة العراق عبر تشكيلاتها ممثلة بأنديتها ثم باتحاداتها وبلجنتها الأولمبية. مقود التطور ومحرّكه الأساسي نحو الإنجاز تكفلت بتأمينه دور ومعاهد العلم وما أنجبته وأهلته من ملاكات تخصصية متنوعة عبر مسيرتها الطويلة.العجيب والشاذ في أمر رياضتنا العراقية اليوم بأن القائم على ساحاتها وتشكيلات مؤسساتها ليس فيها ما يشير بأن مواقع المسؤولية والقرار تفهم ما يكفي من هذه البديهية مقارنة بالقدر الذي تستهلكه وتوظفه من جهود ومناورات وتحشيد إعلامي موجّه مبتغاه الموقع ومزاياه والتشبّث الدائم لاستمرار الالتصاق به وبعطاياه مهما تكاثر السقوط في تحقيق النتائج ومهما كثرت ملفات الفساد وفضائحها المتوالية، فليس فينا من يمتلك من الشجاعة ما يكفي للتراجع والاعتراف بالخطأ!!
فوضى.. وتنافرعجّت الساحة الرياضية العراقية أخيراً بزخم هائل من الأزمات والتقاطعات بين أطراف مؤسساتها الرئيسة، الأمر الذي ولّد حالة من الفوضى والتنافر عمّت الشارع الرياضي وغير الرياضي أيضاً. ولم يعد أمراً مستغرباً أن تتكرر حالات اللجوء الى القضاء بحثاً عن حقوق أو للبت في حسم منازعات كان من الممكن أن تنهيها بعض من الخبرة الحكيمة وقليل من الحوار الهادئ بدل اللجوء الى سياسات التسقيط والتهديد وملء الصحف والبرامج الفضائية وصفحات التواصل بمسلسل مقرف من الإهانات المتبادلة ونشر الغسيل!!الحالة هذه في أوضاع رياضة العراق مقدّر لها أن تدوم وتتصاعد وستسبّب خسائر أعظم وتردّي مستمر ومضر ما استمرت حرية عدم الانضباط هي الغالبة في التعامل بين البشر وما دامت أوضاع الاستثناء وغياب القانون الصارم هي السائدة وما دأبت الدولة وحكوماتها المتعاقبة مستمرة على عدم الاهتمام بالرياضة كظاهرة اجتماعية عالمية النطاق ومتعددة التأثيرات المفيدة في عمليات التنمية والبناء وليست لعب (طوبة) فقط أو وسيلة للكسب السياسي في مواسم الانتخابات.
المعالجة الحكوميةورغم إيماننا بأن معالجة الأوضاع والقضاء على مظاهر التخلف ومسبباته تبدأ بالسعي الجدي الرسمي من قبل أعلى مواقع القرار الحكومي وضرورة الانتباه لإدراك الغايات السامية التي تقود إليها الممارسة الرياضية المنظمة وتأثيرات سعت انتشارها وحسن تنظيمها في وبين كل الأوساط والشرائح الاجتماعية ولكل الأعمار وللجنسين على السواء، وفوائد ذلك صحياً وتربوياً ونفسياً وجمالياً وأمنياً أيضاً ، فإن أي مطّلع أو دارس سيؤكد بأن ذلك يستلزم إعادة تشييد هيكل تنظيمي حديث يبنى وفق فلسفة (عراقية) مدروسة ويعمل وفق منهج وسياسة رياضية معلنة تلتزم بها وتنفذها كل مؤسسات الرياضة في البلد. هيكل تنظيمي حديث تدعمه أسس قانونية سليمة تعرف وتسري من خلالها مهمات ومسؤوليات وحدود صلاحيات تشكيلاته وتفصيلاتها. إن تنظيماً حديثاً من هذا النوع سيلزم بديهياً على العاملين في أجهزته المتخصصة مواصفات وشروط علمية وخبرات مستوفية تمنع أو تحدّ أي تسلل أو مرور نحو مواقع القرار والتنفيذ، ولأيّ اعتبار أو تبرير أو استثناء، من لا يحمل ويتمتع بتلك المستلزمات والمواصفات الشخصية المطلوبة.لو أن عملية إعادة بناء رياضة العراق ما بعد السقوط قد تعلّمت من تجربة الماضي المؤلم واستخلصت دروساً مفيدة منها والتزمت ببعض مما مرّ تفصيله بتجاوز واعٍ لما سُمّي (بالعملية الديمقراطية) التي فرضتها سلطات الاحتلال وأفكاره وهي خالية من أي شروط وضوابط نوعية في اختيار أو انتخاب أجهزة الرياضة وقياداتها لما وصل بنا الحال اليوم الى هذه الدرجة من البؤس والتردي السائد في مجمل أوساطها وتنظيماتها.إن الذي يحصل اليوم في اللجنة الاولمبية الوطنية العراقية من إرباكات وتحركات ومناورات من أجل البقاء (فقط) واستمرار الالتصاق بالمواقع وامتيازاتها، رغم انتهاء ونفاد شرعية الوجود القانوني لقيادتها ورغم هزالة المنتج قياساً بما قابله من انفاق ومن المتراكم من الفضائح والهزّات هو إفراز طبيعي للمواصفات النوعية والاجراءات المتخلفة التي اعتمدتها عملية الانتخابات في انتقاء قادتها !! إن الحال هذه ستستمر على هذا المنوال ما دمنا غير قادرين على معالجة أوضاعنا بحكمة كافية وتجرد بعيد عن أنانية التصرف من أجل الاستمرار على البقاء وكأن المواقع هذه هي (فرمان) دائم وموروث !!
انتخابات العسل والورق الأخضر!!اما بالنسبة للذي يجري في الاتحاد العراقي لكرة القدم وانتخاباته وشروطها وأساليب تمريرها، فيعد أمراً معيباً في الكيفية التي يتم بها التلاعب بالمواقع ومسؤولياتها واستمرار سياسة الاستغفال والضحك على الذقون. إنها ليست مقصورة على افرازات اللائحة الانتخابية، وإنما نتيجة مناورات وألاعيب وترهيمات مستمرة ابتلت بها كرة القدم العراقية منذ مؤقتة حسين سعيد وانتخابات العسل والورق الأخضر في نادي الصيد /٢٠٠٤ مروراً بحقبة حمود ومؤتمره الانتخابي /٢٠١١ وشعارات (علي وياك علي) فقرارات محكمة كاس وما كشف وأعلن فيها من تلاعب مقصود في اللائحة ونتائج انتخاباتها الملغاة انتقالاً الى مشروع المُلا الذي لم يرَ النور نحو مسيرة كروية عراقية سليمة، بل زيادة ظاهرة في العتمة وغلو متصاعد في الاستغلال والتعسّف على حساب كرة البلد وسمعته قبل سمعتها.ويبدو بأن هناك جينات معينة تتوارثها أجهزة كرة القدم في العالم في أساليب التحكم والاستغلال والإثراء غير المشروع على حساب اللعبة الجماهيرية الأولى في العالم. فمن امبراطورية بلاتر ونتائج مزاد شراء الولاءات الى إقطاعية بن همام وفضائحها المعلومة انتقالاً الى أمراء الكرة في التنظيمات الكروية القارية وحصص العمولات المقبوضة (بلاتيني وحياتو نماذج حيّة) الى العشرات ممن كانوا يوماً قادة للكرة في بلدانهم اقتادتهم نوازعهم المريضة إلى ما خلف القضبان.
أي سلوك ديمقراطي هذا؟!أما في كرتنا وأسلوب انتخابات إداراتها فقد تجاوز فيها، كما يقال السيل الزبى !!! من غير المعقول أن تمرر في النظام الداخلي علي الهيئة العامة (٥٢ شخصاً) مادة خاصة بالتثنيات والتثليتات المطلوب الحصول عليها (أو شرائها) من قبل أي مرشح لدخول المعترك الانتخابي في حين تقوم ادارة الاتحاد (١٣ شخصاً) أو أحد أعضائها التعجيل بالاستحواذ على ما لا يقل عن أربعين منها مسبقاً موقّعة على بياض من قبل أعضاء فيما يطلق عليه (الهيئة العامة) لغرض اعادة توزيعها أو بيعها حسب ما تقتضيه اللعبة الانتخابية وتأمين استمرار البقاء. أيّ نبل هذا وأيّ سلوك ديمقراطي وأيّ احترام لحقوق الغير، حين يعمد الى أن يؤتمن القط على قطعة من الشحم، كما يقول المثل الشعبي؟إننا لا نتوقع أيّ معجزة ولا نأمل أيّ تغيير في أوضاع كرتنا ومستقبلها ونتائج انتخاباتها المنتظرة ما دام الخصم والحكم توأمين شريكين.ليس معيباً فقط بل عار يصيب كل كرة ورياضة العراق حينما تقف اللائحة الانتخابية وشروطها (كيفما كيّفت وأقرّت) ، أن تقف مصدّاً مانعاً أمام مشاركة نجوم كرويين كبار كدرجال ونشأت ونعيم وحتى يونس في تجربة حظوظهم الانتخابية على طريق خدمة كرة بلادهم وانتزاعها من براثن التخلف والاستغلال .نكتفي بهذا القدر اليوم ونعود الى رباط كلامنا لنؤكد ثانية، أن لا أمل باين في الأفق من أي تغيير أو إصلاح منتظر وسريع على مجمل مسيرة رياضتنا وتجاوز أوضاع الأميّة والاستغلال والتزوير والفساد المستشري في كل مفاصلها وتنظيماتها من غير أن يكون ذلك كلّه بنداً ومنهجاً مقراً ومحسوباً بالتزام معلن يتموضع مع أهم بنود البرنامج الوزاري للحكومة المقبلة المنتخبة بعد ١٢ أيار المقبل.صدق من قال، إن المجرَّب لا يُجرّبْ. والله من وراء القصد.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على