المستقبل في الكونغو

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

كيفن واتكنزلقد أصبح اسم جمهورية الكونغو الديمقراطية مرادفا للدولة الفاشلة فلا يوجد بلد تحمل صراعات وحشية واستضاف حكومات أكثر فسادا وتبديدا للثروة الوطنية من جمهورية الكونغو الديمقراطية. لقد أصبح الغموض السياسي والركود الاقتصادي والعنف المتصاعد والكارثة الإنسانية أسلوب حياة ولكن هناك إمكانية لتحقيق مستقبل أفضل.هناك في مدرسة روبايا الابتدائية الآيلة للسقوط في بلدة صغيرة تقع في التلال الخضراء لإقليم نورث كيفو والكائن بالقرب من الحدود الرواندية، يستطيع المرء أن يرى إحدى ملامح تلك الإمكانية فالأطفال يجلسون بانتباه في غرف صفية مكتظة حيث تضيء وجوههم مشاعر الحماسة والطموح والأمل. تريد دوروثي جاكوتي والتي تبلغ من العمر 13 عاما أن تصبح ممرضة وتقول «لو نجحت في المدرسة، أستطيع أن أحظى بحياة أفضل وبفرص أفضل بالإضافة الى مساعدة عائلتي ومجتمعي».لكن ما تزال جمهورية الكونغو الديمقراطية –بما في ذلك نورث كيفو – تعاني من التحديات فهناك العشرات من المجموعات المسلحة العرقية تدعى ماي –ماي التي تستهدف السكان المحليين فالعنف الجنسي والذي عادة ما يستهدف الفتيات الصغيرات منتشر بكثرة علما أن عدد الحالات التي يتم التبليغ عنها لا تعكس الرقم الفعلي وهناك 4.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية وحوالي نصفهم يعاني من سوء التغذية الشديدة وأقل من نصف الأطفال الذين يصابون بأمراض قاتلة مثل الالتهاب الرئوي والملاريا يتلقون العلاج. الذي يزيد الأمر سوءاً أن حوالي ربع الأطفال في سن الدراسة في جمهورية الكونغو الديمقراطية لا يتلقون أي تعليم على الإطلاق وأولئك الذين يذهبون للمدرسة يواجهون مصاعب كبيرة في التعلم فدوروثي لا تمتلك كتاباً أو قلماً خاصاً بها وتواجه صعوبات في فهم الفرنسية وهي لغة التدريس.لكن الحكم على جمهورية الكونغو الديمقراطية كفشل تنموي هو حكم خاطئ فمنذ نهاية حرب الخمس سنوات المدمرة سنة 2003 تمكنت البلاد من تحقيق مكاسب ملحوظة وبينما ما يزال ثلثي شعبها يعيش على أقل من 1،25 دولار أمريكي باليوم فإن هناك انخفاضاً في معدلات الفقر ووفيات الأطفال كما تتصاعد معدلات التطعيم والالتحاق بالمدارس.بالإضافة إلى ذلك فإن جمهورية الكونغو الديمقراطية لديها إمكانيات اقتصادية هائلة لم يتم استغلالها بعد فهي تحتوي على أكثر من نصف احتياطات العالم من الكوبالت (عنصر رئيسي في تصنيع رقائق الكمبيوتر وبطاريات الليثيوم-ايون) وحوالي 80% من إنتاج العالم من الكولتان (وهو معدن مقاوم للحرارة يستخدم في الهواتف النقالة وغيرها من الأجهزة). إن هذا البلد هو أيضا منتج رئيسي للنحاس والذهب والقصدير والتنغستن والماس كما تتمتع جمهورية الكونغو الديمقراطية بتربة خصبة وإمكانيات هائلة في مجال الطاقة المائية حيث يجب أن تكون جمهورية الكونجو الديمقراطية مركزاً مهماً على مستوى الإقليم إن لم يكن على مستوى القارة بأكملها.إذن ما هو تفسير انعدام الرابط بين الامكانيات الاقتصادية الهائلة لجمهورية الكونغو الديمقراطية ووضع اطفالها الحالي؟ بادئ ذي بدء فلقد فشلت الحكومة في إنشاء نظام ضريبي لحشد الموارد للاستثمار العام في الصحة والتعليم وفي واقع الأمر فإن جمهورية الكونغو الديمقراطية لديها أقل معدل من حيث النسبة والتناسب بين الإيرادات والناتج المحلي الإجمالي حيث تقوم جهات أجنبية بالإضافة الى المصالح الشخصية الراسخة بنهب البلاد فعليا.لقد كتب جوزيف كونراد في روايته قلب الظلام والتي تدور أحداثها في جمهورية الكونغو الديمقراطية عن ما وصفه لاحقا «بأشنع تدافع للنهب لتشويه تاريخ الضمير الإنساني» ولكن حتى كونراد نفسه كان سيشعر بالانزعاج الشديد بسبب الكسب غير المتوقع ومعدلات الضرائب المنخفضة جداً والتي تمكن المستثمرون الأجانب في التعدين من الحصول عليها خلال العقد الفائت.لقد انتقد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الكرم الزائد في الصفقات التي تم منحها للمستثمرين الأجانب في التعدين على الرغم من صياغتها والترويج لها كما اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية احد المستثمرين الأجانب باكتساب مبلغ 1.3 بليون دولار أمريكي – أكثر من إجمالي المبلغ التي تنفقه الحكومة على الصحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بخمسة أضعاف- من خلال صفقات «غامضة وفاسدة».إن نقص الموارد الحكومية ينعكس بشكل مباشر على قلة الاستثمارات في الخدمات العامه فالآباء الذين يسعون لعلاج طفل مصاب بالملاريا أو إلحاق ذلك الطفل بالمدرسة يجب أن يدفعوا من جيوبهم وهو أمر مستحيل بالنسبة للكثيرين فعلى الرغم من الاكتظاظ الشديد في صفوف مدرسة روبايا الابتدائية فإن كل طفل تكلمت معه اخبرني أن لديه شقيق أو شقيقه لا يذهب للمدرسة لأن عائلاتهم لا تستطيع تحمل الرسوم – حوالي 10 دولارات أمريكية في كل فصل دراسي.إن الاضطرابات السياسية تزيد من تعطيل جهود التنمية فالانتخابات التي كان من المفترض أن يقوم الرئيس جوزيف كابيلا بالدعوة لها في سنة 2016 من المقرر أن تجرى الآن في ديسمبر 2018 علما أن هذا التأخير تسبب في تصاعد المظالم وزيادة العنف. في العام الفائت اضطر حوالي مليوني إنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية، نصفهم في الاقليم المسالم في وسط الكونغو كاساي الى الفرار من بيوتهم علما أن العدد الإجمالي للمشردين داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية وصل الى 4.5 مليون إنسان – أي أنها تحتل المركز الثاني بعد سوريا فيما يتعلق بالصراعات الحالية – كما يوجد هناك 750 ألف شخص آخرين فروا إلى الدول المجاورة. إن هؤلاء المشردين واللاجئين يعيشون في ظروف يائسة بدون مأوى ملائم وبدون تغذية أو رعاية صحية وبدون القدرة تقريباً على الوصول للتعليم.إن تعزيز الانتاجية وتوفير الوظائف لأكثر من 1،5 مليون شخص يدخلون سوق العمل سنويا هو أمر ضروري لوضع جمهورية الكونغو الديمقراطية في طريق مختلف واكثر أملا مما يعني أن التعليم هو أمر حيوي فكل سنة إضافية من التعليم المدرسي مرتبطة بزيادة مقدارها 9% في الدخل وهكذا فإن زيادة فرص التعليم ستلعب دورا كبيرا في تخفيض الفقر وخاصة نظرا لأن حوالي نصف شعب جمهورية الكونغو الديمقراطية هو تحت الخامسة عشرة من العمر ولكن تحسين الوصول للتعليم يجب أن يصاحبه استراتيجيات لمكافحة سوء تغذية الأطفال وسوء الصحة.إن التعليم للجميع وتوفير الصحة العامة يشكلان عاملاً مهماً في تحقيق مستقبل أفضل لأطفال جمهورية الكونغو الديمقراطية. إن إحراز تقدم سيتطلب أن تقوم الحكومة المقبلة باتخاذ خطوات عاجلة لبناء قاعدة ضريبية والمسألة الأكثر إلحاحاً هو أنه ما لم يكن هناك رد فعل مؤثر في هذا العام على الأزمة الإنسانية المتصاعدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن مستوى المعاناة سيكون كبيراً للغاية وهذا لن يقتصر على جمهورية الكونغو الديمقراطية فقط فالبلدان المجاورة تعرف جيداً أن ما يحصل في جمهورية الكونغو الديمقراطية لن يبقى محصوراً فيها.إن القمة الطارئة المزمع إجراؤها هذا الأسبوع في جنيف تشكل فرصة للجهات المانحة لتجنب حصول الأسوأ وذلك من خلال تقديم مبلغ 1.7 بليون دولار أمريكي وهو المبلغ المطلوب حسب تقديرات الأمم المتحدة من أجل أن تكون هناك استجابة فعالة وهذا سيتطلب من الجهات المانحة التخلي عن تصوراتها قصيرة النظر والخاطئة عن جمهورية الكونغو الديمقراطية بأنها قضية خاسرة وبدلاً من ذلك مساعدة ذلك البلد على بناء المستقبل الذي يستحقه أطفاله.الرئيس التنفيذي لمنظمة انقذوا الأطفال«سايف ذا تشيلدرن» في المملكة المتحدة.

شارك الخبر على