في ندوة أقامتها مجلة "الثقافة الجديدة"..مختصون وخبراء قانون شركة النفط الوطنية ملغّم بالخروقات المالية والقانونية ويهدر ثروة البلاد

حوالي ٦ سنوات فى المدى

 بغداد: حسين رشيد
أثار قانون شركة النفط الوطنية جملة من التحفظات والملاحظات حتى قبل إقراره من رئاسة الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية "الوقائع". وقد نظّمت مجلة "الثقافة الجديدة" أخيراً ندوة حوارية لمناقشة القانون والخروقات الدستورية التي اشتمل عليها وتقاطعه مع عدد من القوانين النافذة في القطاع النفطي وبشكل خاص قانون عمل وزارة النفط. قدم الندوة وأدارها عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي وكيل وزارة الزراعة السابق د. صبحي الجميلي الذي أشار في مستهلها إلى أن هدف الندوة تسليط الضوء على عدد من فقرات القانون وتبادل الاراء بين الخبراء والمختصين بالشأن النفطي، فضلاً عن إمكانية التوصل إلى رؤى متطابقة تضع القانون في المصلحة الوطنية لغرض المحافظة على الثروة الوطنية.
شارك في الندوة أعضاء في لجنة الطاقة النيابية من المؤيدين والمدافعين عن القانون، النائب عدنان الجنابي والنائب إبراهيم بحر العلوم ، الى جانب عدد من الخبراء والمختصين بالشؤون النفطية والقانونية والحقوقية وجمع مميز من الشخصيات السياسية بينهم سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي د. رائد فهمي والأستاذ حميد مجيد موسى. وجرى تشخيص العديد من الثغرات والنواقص في القانون الذي عُد خطوة أولية مهمة لإعادة الحياة إلى شركة النفط الوطنية، مما يتطلب العمل على تخليص القانون من ثغراته.الخبير النفطي أحمد موسى جياد الذي قُرئت مداخلته بالنيابة رأى أن القانون مُرّر على عجالة وفي وقتٍ حرج، فجاء يعاني من فجوات خطيرة ومن عدم التناسق بين مهام الشركة وتشكيل مجلس أدارتها وخطورة تشكيل كيانين متنافسين لإدارة القطاع الاستخراجي النفطي وتعارضه مع أحكام الدستور وتحويله عوائد سيادية إلى عوائد شركة عامة مما يفقدها الحماية السيادية تحت القانون الدولي، ويحمّل الشركة مهام لا تتعلق بطبيعتها كشركة نفطية نتيجة للتوجهات الشعبوية ولأهداف انتخابية. وبعد أن أشار جياد إلى جملة من النقاط الخلافية والخروقات للدستور والقوانين النافذة دعا السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) للتحرك الفوري لإيقاف وضع القانون حيز التنفيذ والطلب من مجلس شورى الدولة تدقيق مشروعية القانون والطعن بدستوريته أمام المحكمة الاتحادية العليا، مؤكداً إن "القانون الحالي يختلف كلياً وجذرياً عن مسودة القانون الذي قدمته الحكومة في شهر نيسان من العام الماضي؛ فلماذا كل هذا الانتظار ليدرج ويصوّت عليه في هذا الوقت؟".كما أشار جياد إلى خطورة المادة (12) من القانون داعياً لإغائها لما تشكلها من خطورة كبيرة على الثروة الوطنية السيادية، عازياً ذلك إلى أن هذه الفقرة تعطي لقانون شركة النفط صلاحيات تمكنها من الناحية الفعلية من تحديد حجم الواردات النفطية في الموازنة العامة السنوية وبالتالي تكون قرارات الشركة هي المحدد الاساسي للنشاط الاقتصادي. وهذا يعني إن الشركة تصبح أكثر اهمية من كل من وزارة المالية ومجلس الوزراء في تحديد حجم النفقات العامة!.عضو لجنة النفط والطاقة النيابية إبراهيم بحر العلوم الذي وصف نفسه من أشد المدافعين عن القانون رغم حجم الملاحظات والخروقات التي فيه، عدّه "منجزاً كبيراً"، منوهاً إلى أن القانون طُرح في أولاً في عهد حكومة إياد علاوي وظل قيد الانتظار حتى حانت فرصة إقراره.وأضاف بحر العلوم إنه بالإمكان تعديل القانون مستقبلاً، وذكر إن هناك ثلاث مسودات للقانون قدمت في الأعوام 2009 و2012 و2017 وجرى التصويت على الصيغة الأخيرة في 5/2/2017، وبعد قرابة 20 يوماً تمت المصادقة على القانون من قبل رئاسة الجمهورية، معتبراً إن المدة كافية لذلك وإنه من البديهي أن اللجنة القانونية في رئاسة الجمهورية قد اطلعت على القانون ولم تبدِ أي ملاحظة أو تحفظ ..بعد ذلك فتح باب المداخلات التي أشارت إلى أهمية وضرورة تشريع القانون بما يضمن استثمار الموارد النفطية على نحو أفضل، وبناء القدرات الضرورية لتشجيع الاستثمار الوطني المباشر للثروة النفطية والغازية. د. صباح الساعدي المستشار القانوني لوزارة النفط تحدث في رأي وصفه بـ (الخاص) عن أهمية ايجاد حالة من التوازن بين قانون الشركة الوطنية وقانون وزارة النفط بما يضمن المحافظة على عمل كل منهما، مركزاً على أهمية رسم السياسة النفطية والتخطيط لها بعيداً عن التداخل في عمل كل جهة منهما، لافتاً إلى امكانية توضيح بعض فقرات القانون بما يتلاءم مع المصلحة العامة، ومتسائلاً كيف سينظم عمل صناديق الشركة (الاجيال / الاعمار / المواطن)، وختم مداخلته (الدبلوماسية) بالقول إنه مع إعادة شركة النفط الوطنية.إلا أن الخبير النفطي فلاح الخواجة أطلق تصريحاً من العيار الثقيل حين اعتبر أن العراق في الوقت الحاضر ليس بحاجة لمثل هكذا شركة، مشيراً إلى القانون المثير للجدل والى الدستور الذي يقر بإن الثروة الطبيعية ملك الشعب، وتساءل: هل ستكون هذه الشركة التجارية أحرص من الدولة على ثروة الدولة والشعب؟ ودعا إلى العمل على تطوير الشركات الحالية ووزارة النفط وزيادة الانتاج وفق رؤى الحاجة والقدرة على ذلك.حميد مجيد موسى رأى في مداخلته إن الاختلاف حول القانون منطقي ، وتساءل عن شكل العلاقة مع وزارة النفط ومشيراً الى الغموض الذي يلف هذه العلاقة في القانون، فضلاً عن تعارض عدد من القوانين النافذة في القطاع النفطي مع قانون الشركة والدستور الذي يعد الغطاء الحامي للثروة النفطية الوطنية.واقترح موسى بدل التوزيع المباشر للأموال على الناس توظيفها في مشاريع انتاجية وبنى تحتية تدر أموالاً أخرى وتقلّل من أعداد العاطلين عن العمل، مؤكداً على ضرورة وأهمية هذه الشركة للتنافس مع الشركات الاجنبية العاملة، لكن بعد تعديل فقرات مهمة من قانونها.القاضي هادي عزيز علي أوضح في مداخلته أن المادة (3) من قانون الشركة (الاهداف) تتشابه وتتطابق مع المادة (6) من قانون وزارة النفط (الاهداف)، فما الغاية من ذلك إن كانت الأهداف تحققها جهة أخرى عاملة في مجالها؟ وأشار عزيز إلى نقاط أخرى متشابهة في قانوني الشركة والوزارة .الخبير النفطي د. فؤاد الأمير أكد في بدء مداخلته على ضرورة أن يُطعن بهذا القانون وخاصة الفقرة (12)، مبيناً إن القانون قُدّم في وقت سابق لكن الصيغة المشرّعة تختلف عما قدم سابقاً حيث تمت إضافة عدة فقرات، مشدداً على أن القانون السابق الصادر في العام 1067 هو من أنجح وأفضل القوانين التي يمكن أن يُعمل بها في الوقت الحاضر.ولفت الخبير النفطي إلى أن المادة (12) من القانون الجديد ترفع ثروات البلاد من عهدة وزارة النفط والمالية السياديتن وتضعها بيد شركة ومجلس ادارة غير منتخب، ما يعرضها لخطر الحجز الدولي بعد اعتبار عوائد الصادرات النفطية ايرادات مالية لشركة عامة يجرد تلك العوائد من الصفة السيادية التي يوفر لها القانون الدولي الحماية وبالتالي يعرض تلك العوائد لكافة أشكال الحجز والمصادرة تنفيذاً لأي إجراء قضائي في اي مكان تتواجد فيه العوائد. منوهاً إلى فقرة عدم تسليم الأموال من المحافظات المصدرة يحرم أبنائها من عائدات صندوق المواطن مثلاً البصرة تصدر أكبر كمية للنفط ماذا لو امتنع مجلس المحافظة عن تسليم أموال المبيعات؟ , كما نوّه إلى حجم المبلغ الذي سيوزع على المواطنين والذي لايتجاوز (50) دولاراً لكل فرد سنويا.وذكر د. أحمد إبراهيم إلى إن وجود هذه الشركة سيزيد من البيروقراطية في العمل والانتاج النفطي وستتحول إلى حلقة أخرى معرقلة لأي امكانية تطوير مستقبلية. مشدداً إن قانون الشركة يكرس الجانب الريعي بالاقتصاد دون الاهتمام بميزان المدفوعات كما سيعرقل أي خطوة نحو التنمية والتطور.أما الخبير النفطي د. إحسان العطار الذي بيّن إنه استقال من منصبه كمستشار في وزارة النفط بسبب البروقراطية ومكتب المفتش العام الذي يتدخل في كل تفاصيل العمل ما جعله أداة عرقلة وليس أداة وقائية للفساد، تساءل في ما يتعلق بموضوع الصناديق عن كيفية توزيع الأموال عليها ومن ينظم ذلك ووفق أي رؤية؟ لافتاً إلى أن الأوّلى تطوير عمل وزارة النفط.الخبير النفطي قحطان العنبكي كانت له ملاحظات أخرى عن القانون في الفقرات (2) الخاصة بفتح فروع في المحافظات المنتجة دون التطرق إلى إقليم كردستان. والفقرة (4) الخاصة بعقود الشراكة مع الإقليم وكيفية تنفيذه خاصة إن هذه العقود مثار جدل وخلاف.ولفت العنبكي إلى غياب المختصين في مجلس إدارة الشركة فضلاً عن ارتباط دوائر مهمة بوزارة النفط مثل العقود والتراخيص والمكامن والاستخراج فكيف سيُفك هذا التشابك بالعمل والتقاطع في ذات الوقت معتقداً أن القانون بحاجة إلى إعادة نظر في الكثير من فقراته.أما د. رائد فهمي فقد ركز على أهمية أن تكون الأموال الموزعة على المواطنين في مشاريع انتاجية وبنى تحتية تقدم خدماتها للجميع ، مؤكداً على ضرورة تعديل القانون الذي أثار الجدل الكبير ليكون وفق الصيغة الأمثل تحقيقاً للمصلحة العامة، ولافتاً إلى صعوبة اختزال كل العوائد النفطية بهذه الشركة وفق قانونها الحالي.وأشار فهمي إلى أن كبر حجم العراق ونفوسه يضع صعوبة أمام صناديق الأجيال خاصة لو علمنا إن هذه الصناديق في دول عدة تعرضت إلى هزات اقتصادية كون الأموال التي توضع فيها تستثمر في مشاريع وشركات عالمية تكون عرضة للخسائر كما حدث ذلك في أكثر من مرة لدول عدة، وأشار إلى الملكية العامة للقطاع النفطي الذي يعد ثروة وطنية وبما أن القانون الحالي منع بيع وتدوال الأسهم ، مَن يضمن أن الحكومات المقبلة ستبقي هذه الفقرة سارية وهنا الخطر الأكبر على الثروة الوطنية.كما ساهم كل من المحامي سجاد سالم والمختص القانوني والحقوقي علي حسين بملاحظات قانونية وحقوقية حول قانون الشركة وبعض الاستثناءات والاعفاءات التي شملت الشركة.وبيّن د. جاسم الجنابي استاذ الاقتصاد الدولي إن أسلوب الشركة ربحي وهذا يدعو للخلاص من الجانب الريعي، لكنه عاد وركز على إن القانون يحتاج إلى تعديل في فقراته بسبب التقاطعات مع قوانين أخرى وفق الرؤى الاقتصادية.ورأى د. ناطق إسماعيل إنه مع تأسيس الشركة لكن بعد تعديل القانون وإعادة النظر بالفقرات التي أشير إليها في المداخلات السابقة. أما د. نوري الموسوي فقد شدد على ضرروة إعادة النظر بهيكلة الدولة ودوائرها وتخليها من الفساد. مبيناً أن القانون جيد إنْ أجريت عليه التعديلات المطلوبة. عضو لجنة النفط والطاقة النيابية عدنان الجنابي بين إن هذا القانون خطوة متقدمة لأجل الانتاج الوطني والمساهمة في الاستخراج ووضع حصص للأجيال المقبلة في صناديق معدة لهذا الغرض. في ذات الوقت أبدى الجنابي تحفظه على عدد من فقرات القانون، مستدركاً أن هذا لا يعني عدم المضي والعمل به في الفترة المقبلة. وبشأن التقاطع مع قانون وزارة النفط أكد الجنابي إن ذلك يدعو إلى تعديل قانون الوزارة بما يتلاءم مع عمل الشركة وإنهم سيعملون أيضاعلى قانون المصافي والغاز في الفترة المقبلة.في نهاية الندوة أشار الحضور إلى وجود امكانية لإجراء التعديلات على القانون بما يحسنه ويسهل عملية تنفيذه، فيما جرى التأكيد على أهمية تشريع قانون النفط والغاز، وقانون خاص بالغاز، وآخر للمصافي والصناعة النفطية على أن لا يكون قانون الشركة الوطنية بديلاً عن قانون النفط والغاز. كما جرى التأكيد على تقديم الطعون بالقانون لما فيه من خروقات وتقاطعات مع قوانين أخرى وتهديد للثروة النفطية.

شارك الخبر على