حكايات مؤثرة صنعت أغانٍ خالدة.. «من غير ليه» قضت على «حليم وعبدالوهاب»
over 7 years in التحرير
وارء كل فيلم ومسلسل كواليس وقصص وحكايات، وكذلك بعض الأغنيات، بأن لا تكون الكلمات ليست مستوحاة فقط من خيال الكاتب، أو كوبليهات أُعجب بها المُغني، فإذا ما نظرنا إلى الأغاني العاطفية نجد كثير منها كُتب بدموع حقيقية لمحبين تعذبوا في الحياة، فالبعض صُدم والآخر حُرم وفي النهاية حولوا هذه الآلام إلى أعمال خالدة، ومن زاوية أخرى نجد مثلًا أعمال اُكتُشف من ورائها أحد صُناعيها، أو أعمال خرجت للنور بصعوبة ورحل مقدّموها قبل أن ترى النور، وإليكم قصص عدة أغاني كان وراءها حكايات مؤثرة.
ضلي اضحكي
بعد أن انتهى من تصويرها مؤخرا مع المخرج اللبنانى سعيد الماروق، وبعد أن استمع إليها أكثر ما يقرب من 40 مليون شخص عبر "يوتيوب"، كشف النجم اللبنانى ملحم زين، في تصريحات صحفية، الحقيقة وراء كلمات أغنيته الشهيرة "ضلي اضحكي"، التي حققت نجاحات منقطعة النظير من ألبومه الأخير.
اقرأ أيضًا.. ملحم زين يحيي أولى حفلات مهرجانات طابا للربيع (صور)
ملحم قال إن القصة بدأت مع الشاعر فادي مرجان، عندما شعرت شقيقته بآلام حادة، وذهبت لتطمئن على نفسها في المستشفى لتكتشف أنها تعاني من مرض السرطان الخبيث، وبالفعل قررت أن تدخل المستشفى لتتلقى العلاج، وكما نعلم أن آلام هذا المرض الخبيث أقوى من قوة أى شخص، وكان مرجان يحزن عندما يراها تبكي، فكتب لها قائلًا: "ضلي اضحكي، عيونك ما خلقت للبكي، حطك على جرحي بيطيب، ما بيسوى عمري بلاكي".
وسمع ملحم الأغنية فأعجب بها وغناها وحققت ناجحًا باهرًا، لكن أحدًا منهم لم يكن يعلم أن هذا النجاح سينتهى برحيل شقيقة الشاعر، تاركة ورائها ذكرى لأغنية مبهجة لكنها تحمل في كل كلمة من كلماتها قصة حزينة لا يمكن نسيانها.
يا قلبك الخواف
قصة حب حزينة وراء هذه الأغنية، تحكي عن شاب يدرس في أمريكا، وكان مرتبطًا بفتاة يحبها كثيرًا وهي تبادله نفس المشاعر، ولكن تدخل الأهل للضغط على الفتاة وتزويجها من آخر، وبالفعل هذا ما حدث وانقطعت الأخبار بين الفتاة وحبيبها، إلى أن يسافر الشاب إلى سويسرا وهناك يقابل حبيبته القديمة بالصدفة مع أختها، وحاول أن يتقرب منها، إلا أنه تردد بسبب أختها التي تسير برفقتها، وعندما عاد إلى الفندق وجدها تركت له رسالة تقول فيها أنها تريد التحدث معه، وبالفعل تحدثت إليه على الهاتف وطلبت منه لقائه.
اقرأ أيضًا.. مطربون عرب رفضوا اللهجة المصرية.. محمد عبده: أنشر فن بلدي
حددا المحبان ميعاد المقابلة لكن الشاب لم يذهب لأنها أصبحت ملكًا لآخر وأما لطفل، وغادر الفندق واختفى تماما، وحكي قصته تلك لصديقه الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن الذي ألّف قصيدة من هذا الموقف اسمها "لا تسرق الوقت" الذي غنى منها فنان العرب محمد عبده أغنية "يا قلبك الخواف".
سألوني الناس
لأغنية "سألوني الناس" قصة قد يجهلها كثيرون، تختصر علاقة فيروز، بزوجها الراحل عاصي الرحباني، بدأت عام 1972، عندما كانت فيروز تتمرن على دورها في مسرحية "المحطة" الشهيرة، وقتها أُصيب الرحباني بنزيف في رأسه، ولم يكن حاضرًا أثناء البروفات والعروض، وهو ما كان يحصل للمرة الأولى، إذ كان الرحباني يحرص على التواجد في كل عروض المسرحيات والحفلات.
اقرأ أيضًا.. فيروز.. رفض «عبد الوهاب» تقييم صوتها وهذا اسمها الحقيقي
ومع دخول عاصي المستشفى، كتب له منصور كلمات "سألوني الناس" والتي اعتبرت مثل رسالة شوق وانتظار من فيروز إلى زوجها المريض: "سألوني الناس عنّك يا حبيبي... كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا.. بيعزّ عليي غني يا حبيبي... لأول مرة ما منكون سوا"، كلمات لحّنها زياد الرحباني، الذي كان عمره لا يتجاوز وقتها 17 سنة، ووزّعها الياس الرحباني.
شاهد.. فيروز «قيثارة السماء» .. صوت بعلبك الذي سحر العرب
عاصي خرج من المستشفى، وأغضبته الأغنية على اعتبار أنها كانت "متاجرة بمرضه"، حتى أنه كان يتجه إلى وقف عرض المحطة"، لكن نجاح الأغنية الكبير، ونجاح المسرحية دفعاه إلى التراجع عن قراره الانفعالي، وبعد 14 عامًا على إطلاق الأغنية، رحل عاصي الرحباني، ووقفت فيروز لتغني الأغنية فبكت أمام الآلاف.
لا تكذبي
جاءت هذه القصيدة التي كتبها الشاعر كامل الشناوي ترجمة لكل مشاعر صدمته وانهياره، بعدما علم أن هناك علاقة حب تجمع نجاة الصغيرة بالأديب يوسف السباعي، فهو طالما ما أحب نجاة حبًا كبيرًا ذلك الحب الذي تحول إلى ألم ودموع يشهد عليها أصدقائه وكل من معارفه، وبالرغم من كل هذا الألم، أصرّ الشناوي أن تغنيها نجاة بنفسها، فاتصل بها يومًا وردد عليه كلمات الأغنية التي أُعجبت بها كثيرًا وطلبت منه أن تغنيها وأن يلحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب.
اقرأ أيضًا.. ما تجهله عن نجاة الصغيرة.. عبد الوهاب منعها من الغناء بمحضر شرطة
ست الحبايب
في بداية الستينيات من القرن الماضي، ذهب الشاعر حسين السيد في زيارة إلى أمه في ليلة عيد الأم، وكانت تسكن في أحد الأحياء الشعبية في الطابق السادس، وبعدما وصل إلى شقتها اكتشف أنه نسي شراء هدية لها بهذه المناسبة، وكان من الصعب عليه نزول السلم مرة أخرى.
وقف على باب الشقة، وأخرج من جيبه قلمًا وورقة، وبدأ يكتب هذه الكلمات ليهديها إلى أمه في عيد الأم، وكتب الكوبليه الأول من الأغنية ودوَّن مسودة، على مفكرة كانت في جيبه ثم رن جرس الباب، وحين فتحت الأم الباب قام الابن الشاعر بإسماع كلماتها لأمه، وفرحت بها جدًا، وهنا وعدها بأنها سوف تسمعها في صباح يوم "عيد الأم" بالإذاعة بصوت جميل.
اقرأ أيضًا.. حينما حنّ موسيقار الأجيال لأضواء الشهرة.. «انشروا صورتي مع الريس صفحة أولى»
وهكذا أنقذ حسين السيد نفسه من أول ورطة ليقع في ورطة الوفاء بالوعد فقرأ كلمات الأغنية لمحمد عبد الوهاب على الهاتف، وقام الأخير بتلحينها فورًا، وانطلقت الأغنية من خلال أثير الإذاعة المصرية بصوت عبد الوهاب وهو يعزف على العود فقط، وفي نهاية النهار كانت كل مصر تردد الأغنية حين سمعتها الأمهات والأبناء والبنات بصوت فايزة أحمد الساحر، ولتبقى هذه الأغنية من أروع الأغاني المعبرة عن حب الأم.
الهوى هوايا
شاهد.. بليغ حمدي «ملك الموسيقى».. الصدفة جعلته يلحن لكوكب الشرق
بعد نجاح أغنية "التوبة" التي شهدت التعاون الأول بين عبد الحليم حافظ والشاعر عبد الرحمن الأبنودي، كان هناك جلسة تجمع العندليب و"الخال" وبليغ حمدي، وفجأة قال الأبنودي: "الهوى هوايا"، فضحك حليم وقال: "إيه دي مطلع قصيدة؟"، فأكمل الأبنودي: "ابنيلك قصر عالي"، فضحك حليم مرة أخرى، فاستطرد الأبنودي: "واخطف نجم الليالي"، واستمر حليم في الضحك والأبنودي في سرد كلمات القصيدة حتى اكتملت الأغنية التي غناها عبد الحليم في آخر أعماله السينمائية "أبي فوق الشجرة" عام 1969.
اقرأ أيضًا.. عبد الرحمن الأبنودي «الخال».. اعتقله ناصر واعتبر قاتل السادات بطلًا
على الحلوة والمرة
ذات يوم، وبينما كان الشاعر مأمون الشناوي يتوجه إلى عمله، وضع يده في جيبه لتستوقفه ورقة وجدها، وقرأ ما بداخلها ليجدها كلمات تصلح لأن تكون أغنية مميزة، واندهش لأنه لم يقم هو بكتابتها، ولم يستمع إليها من قبل، فما كان منه إلا سؤال الخادمة عن كيفية وصول الورقة إلى ملابسه، وهنا اعترفت الخادمة أنها تعيش قصة حب مع "المكوجي"، الذي اعتاد إرسال خطابات غرامية إليها في الملابس، وهذه المرة كان هناك خلاف بين الثنائي، فأرسل إليها هذه الكلمات من أجل الصلح.
اقرأ أيضًا.. عبد الغني السيد.. «استورجي» طلق زوجته بأمر الملك و«كاريوكا» تسببت في وفاته
وعلى الفور، طلب مأمون من خادمته إحضار "المكوجي" إليه، ثم اتصل بصديقه الملحن محمود الشريف، ليعرض عليه كلمات الأغنية ليعبر عن إعجابه بها، فطلب منه الحضور إلى منزله، وبعدما اجتمع الثلاثي أكد لهما "المكوجي" أنه من قام بكتابتها ولديه العديد من الكلمات، فأخبره الشناوي أنه سيأخذ هذه الأغنية من أجل تنفيذها على أن تبث في الإذاعة، وبعدها اتصل بالفنان عبد الغني السيد، ليخبره أن هناك أغنية مناسبة له، وبالفعل حضر وأُعجب بالكلمات واللحن، ليقوم بعدها بتسجيل الأغنية في الإذاعة، وحينما أُذيعت حققت نجاحًا كبيرًا للغاية، وأصبحت واحدة من أهم أغنيات السيد في تاريخه، بينما أصبح "المكوجي" أحد أهم شعراء الأغنية سيد مرسي.
من غير ليه
"جايين الدنيا ما نعرف ليه، ولا رايحين فين ولا عايزين إيه، مشاوير مرسومة لخطاوينا، نمشيها في غربة ليالينا، يوم تفرحنا ويوم تجرحنا، وإحنا ولا إحنا عارفين ليـه، وزي ما جينا جينا، ومش بإدينا جينا".. في عام 1974 اتفق العندليب عبد الحليم حافظ، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، مع فكهاني الكلمة مرسي جميل عزيز، على كتابة أغنية "من غير ليه"، ليُغنيها حليم، وبالفعل انتهى الشاعر من كتابتها وأرسلها إلى عبد الوهاب في تعاونه الأول معه، ليبدأ تلحينها.
اقرأ أيضًا.. مرسي جميل.. حكاية «فكهاني» غير مسار الأغنية المصرية بكلماته
ومع بدء البروفات اعترض حليم وعبد الوهاب على جملة بالأغنية "بقت الدنيا غرام وأنا جنبك"، وطالبا مرسي تغييرها، وعلى غير العادة استجاب، واستبدلها بجملة: "ولقيت روحي في أحضان قلبك بحلم وأصحى وأعيش على حبك، حتى في عز عذابي بحبك"، وكان الشاعر وضع جملة "من غير ليه"، نهاية لكل كوبليه، لكن الثنائي اقترحا أن ينتهي كل كوبليه بجملة "من غير ليه يا حبيي بحبك"، وأخبرا مرسى برغبتهما، ثم أراد عبد الوهاب استبدال كلمة "مواني"، بـ"زماني"، فغضب الشاعر وانصرف من الاجتماع التحضيري للأغنية، وعندما نادى عليه العندليب، رد قائلًا: "يلعن أبوك وأبوه".
اقرأ أيضًا.. عبد الحليم حافظ.. العندليب الذي قاد أمة بصوته
واستمر الخلاف بين الشاعر والعندليب وموسيقار الأجيال أيضا في عام 1975، إلى أن استقروا على الشكل النهائي للأغنية، واستغرق عبد الوهاب في تلحينها طوال عام 1976، ثم أجرى بروفات عليها مع حليم، وأثناء تلك الفترة اشتد مرض العندليب، وعزم الرحيل إلى لندن لتلقي العلاج، ورحل في 30 مارس 1977، فتعطل مشروع الأغنية الأخير للثلاثي، حتى رحل مرسي هو الآخر في 9 فبراير عام 1980، إثر إصابته بمرض خطير سافر بسببه إلى أمريكا لتلقي العلاج، وعاد ليموت فوق تراب الوطن، وبعدها تلقى عبد الوهاب عروضًا من مطربين لغناء "من غير ليه"، إلا أنه رفض وقام هو بغنائها بعد انقطاع 25 عامًا، وكانت الأغنية الأخيرة له قبل وفاته.
قصص وحكايات خلّدت لنا أعمال مازلنا نسمعها وفي قلوبنا الحنين إلى صُناعيها الذين فارقونا، ومازلت تُكتب قصصًا جديدة من ورائها أغانِ هادرة، فالحكايات لا تنتهي.