٧٠ عاما على مذبحة دير ياسين.. من هنا بدأ الاحتلال الإسرائيلي

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

كتب- ربيع السعدني وصلاح لبن

إن السباق بين الحبر ودماء الشهداء ما زال مستمرا،​ وحتى كتابة هذه الكلمات ما تزال دماء الفلسطينيين والعرب تنزف كل يوم ويدفع الأطفال والنساء والرجال ثمن الدفاع عن الأرض والعرض والبقاء والبداية كانت في دير ياسين حيث دُمرت جدران المنازل، التي كانت في يوم من الأيام شاهدة على مشاعر الدفء والضحك والفرح، وصارت تتناثر مع نزيف الدم وذكريات القتل والتهجير المؤلمة.

70 عامًا كاملة مرت على مذبحة «دير ياسين» التي قامت على أنقاضها إسرائيل، ورغم مشاهد الدماء والقتل والطرد والنفي التي صاحبتها فإنها تظل شاهدة على بقايا الروح العربية التي لم تقبل وقتها بالهزيمة على الرغم من أعداد المستوطنات غير الشرعية التي تتزايد، وأعمال النهب والقتل والتهجير والتدمير للأرض والشعب والمعاناة الإنسانية التي حدثت.

بدأت المعركة من هناك في دير ياسين.. أولى القرى الفلسطينية التي سقطت في يد العدو الصهيوني المحتل للأرض العربية وتلتها تباعًا باقي القرى والمدن الكبرى، دير ياسين، قرية صغيرة، تقع على الأطراف الغربية من مدينة القدس، كانت وستظل شاهدة على ما اقتُرِف في حق الشعب الفلسطيني لسنوات طويلة من أهوال، ومذابح إبادة شاملة في غياب من المجتمع الدولي. 

كان ذلك التاريخ فارقًا في حياة الشعب الفلسطيني الذي عانى من ويلات الاضطهاد والتصفية والإبادة والتهجير والنزوح عن ديارهم وأرضهم التي سكنوها لسنوات طويلة، الجميع هناك هربوا من حمامات الدم التي طوقت القرية الفلسطينية السلمية التي قُصِفت بمدافع الهاون بعد إغلاق كل منافذها ومنع المؤسسات الدولية بما فيها الصليب الأحمر من الوصول إلى موقع الجريمة حتى تحولت القرية إلى ما يشبه أفران النار التي تحرق أصحاب الأرض وحدهم.

الشاعر الفلسطيني محمود درويش وصف القرية العربية المنكوبة بخمس كلمات «أنا شاهد المذبحة.. شهيد الخريطة»، واليوم باتت دير ياسين شاهدة على مذابح النكبة، شهيدة لخريطة كامل التراب الفلسطيني، التي عبث بها المحتلّون على غير حق.

من هنا بدأت النكبة..

خلال العام الأسود، عام النكبة، العام 1948، استولى جيش الاحتلال الإسرائيلي على عدد من القرى الفلسطينية بكل الطرق غير المشروعة من سلب أراض، إلى ترويع أهال، إلى غير ذلك من الأساليب التي لم يستوعبها العرب آنذاك وفي مثل ذلك اليوم دخل أفراد الجماعات الصهيونية شبه العسكرية قرية دير ياسين العربية التي تقع على أطراف مدينة القدس، في الفترة ما بين 9 و11 إبريل .

وهاجمت عصابة الأرغون الصهيونية (بقيادة مناحيم بيجن أحد رؤساء وزراء إسرائيل لاحقًا) شرق القرية وجنوبها، بينما دخلت قوات شتيرن (بقيادة إسحاق شامير الذي خلف بيجن في رئاسة الوزراء) وعصابة «الهاغاناه» التي كان يترأسها دافيد بن غوريون، مؤسس الحركة الصهيونية، من الشمال ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي، حتى يفاجئوا السكان وهم نائمون وقتلوا غالبية أهلها ودمروا أكثر من 15 بيتًا بالمتفجرات ونفذوا عمليات نهب واسعة.

اختلفت الروايات حول عدد الضحايا الذين سقطوا في مذبحة دير ياسين، حيث قدرتهم المصادر الفلسطينية بـ360 شهيدًا بينما قدرتهم مصادر أخرى بـ109 فقط من بين 650 شخصًا كانوا يسكنون القرية الهادئة المسالمة التي وقعت على اتفاقية سلام قبل أسبوعين من المجزرة حين طالب رؤوساء المستوطنات اليهودية الالتزام بالسلم وعدم العدوان مع جيرانهم ووافقوا عليها، ولكنهم سرعان ما نقضوا عهدهم.

وفوجئ القرويون العرب بعمليات الاجتياح الإسرائيلية الغاشمة في اليوم الثاني من سقوط القسطل القريبة من القدس واستشهاد القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني بعد أن قاد معركة ضد العصابات الصهيونية لمدة ثمانية أيام.
هنا ظهرت شجاعة الأطفال قبل الرجال ودافع الفلسطينيون عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة، بصورة أربكت حسابات العصابات الصهيونية المسلحة الذين توقعوا أن يفر الأهالي دون مقاومة، ففوجئوا بنيران الأهالي التي لم تكن في الحسبان وسقط من اليهود 4 قتلى و32 جريحًا.

مقابر جماعية

كان القتال يدور من بيت إلى بيت، وكلما احتلت العصابات الصهيونية المسلحة بيتا فجروه على من فيه ولم يتركوه إلا أطلالًا وكانت مشاهد الدماء صارخة.

وفي لحظة دخول عصابات الصهاينة القرية أخذوا ينادون بمكبرات الصوت على سكانها قائلين لهم: «إنكم مهاجمون بقوة أكبر منكم، إن المخرج الغربي لدير ياسين الذي يؤدي إلى عين كارم مفتوح أمامكم فاهربوا منه سريعا وأنقدوا أرواحكم»، فصدق سكان القرية النداء وحين خرجوا من بيوتهم اصطادتهم رصاصات الإرهاب الصهيونية، منتهكة جميع المواثيق والأعراف الدولية، ومارست شتى أنواع التعذيب ضد الفلسطينيين الذين بقوا في بيوتهم من النساء والأطفال والشيوخ، وتم الإجهاز عليهم من قبل العصابات الصهيونية بعد تعذيبهم والتمثيل بهم حتى إنهم بقروا بطون النساء، وجدعوا الأنوف وصموا الآذان وقطعوا الأوصال وشوهوا الأجسام.

كانت هناك أيضا تقارير عن عمليات الاغتصاب والتشويه، واقتيد نحو 25 من رجال القرية داخل حافلات وطافوا بهم شوارع القدس كما كانت تفعل الجيوش الرومانية قديما، ثم أعدموهم رميا بالرصاص وقد شهد على ذلك جاك رينيه رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي في فلسطين، الذي زار دير ياسين آنذاك وفحص المقابر الجماعية، وشاهد أكوام القتلى العرب في المذبحة ووضع تقريرًا بالفرنسية عن ذلك.

وألقى الممثل الرئيسي للجنة الدولية للصليب الأحمر بيانًا قال فيه: «استقبلت مكالمة هاتفية من العرب، يستنجدونني للذهاب حالاً إلى دير ياسين، حيث ذُبِحَ السكان المدنيون العرب في القرية بالكامل وعلمت بأن متطرفين من عصابة الأرغون يحمون هذا القطاع، الواقع قرب القدس».

لم تكن نكبة دير ياسين هي المجزرة الكبرى ولم تكن أبشعها، بل إن الفظائع المرتكبة، وحجم العنف والدمار والأسلحة الخبيثة التي استخدمتها إسرائيل ضد المدنيين في العقود الأخيرة أكثر سادية ووحشية ودموية، لكن تبقى دير ياسين إحدى أهم نقاط التحول في التاريخ الفلسطيني، ولعلّها الشعرة التي قصمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948 باعتباره الحدث المأساوي الذي يذكر العرب بنكباتهم المستمرة، التي تسببت في التهجير القسري لأكثر من 750.000 فلسطيني من ديارهم وإحلال المستوطنات الإسرائيلية مكانها وضاعفت من أعداد اللاجئين الفلسطينيين المشردين في جميع أنحاء العالم.

بعد مرور عام على ارتكاب المجزرة، أقامت قوات الاحتلال احتفالات بالقرية المنكوبة حضرها أعضاء الحكومة الإسرائيلية، وحاخامات اليهود، لتخليد سقوط دير ياسين في أيدي قوات الاحتلال، وفي منتصف عام 1980، أعاد الاحتلال الإسرائيلي البناء فوق المباني الأصلية للقرية، وأطلق أسماء العصابات الإسرائيلية (الأرغون وإتسل والبالماخ والهاجاناه) على أماكن فيها.

ناجون من المجزرة

تباينت ردود أفعال العرب والمنظمات الصهيونية المختلفة بعد المذبحة، بين الشجب والإدانة العربية لما حدث في قرية دير ياسين من قبل الجماعات الصهيونية المسلحة وبين اعترافات من قبل منفذى المذبحة الذين عاشوا وما زالوا يفخرون بجريمتهم دون حياء أو خجل.

«التحرير» تواصل مع أحد أفراد الأسر الناجية من مذبحة دير ياسين وتدعى دينا عبد المعطي التي تعمل إخصائية اجتماعية تبحث في الآثار المترتبة على الإجهاد الناجم عن الصدمة والعنف على الصحة الجسدية والعقلية.
تحكي دينا التي تعيش حاليا في ولاية شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية عن جدتها فاطمة رضوان وشقيقتها سكينة فتقول: «جدتي هي إحدى الناجيات الفلسطينيات من المجزرة والدليل الحي الذي لا ينساه أحد، هي والناجون من أمثالها يتحلون بثبات وصبر، سيعيشون لفترة طويلة بعد رحيلهم، قد لا يتم تسجيل قصصهم في كتب تاريخنا، لكنهم تركوا انطباعات لا تمحى ستظل منقوشة في قلوبنا وعقولنا».

تذكر ذلك التاريخ جيدًا الجمعة 9 إبريل 1948، كانت جدتي في التاسعة من عمرها وقت مذبحة دير ياسين وكل يوم يمر عليها منذ ذلك التاريخ يظل عالقًا في ذاكرتها وفي يوم المذبحة هربت عائلات بأكملها من القرية الهادئة على عجل في رعب شديد، هربًا من حمامات الدم وبحلول فجر يوم الجمعة، كانت مشاهد الحياة في دير ياسين غير الحياة اليومية التي عاشوها من قبل حيث جمعوا الآباء والأجداد والإخوة والأبناء في صف واحد أمام جدار كبير مقيدين وفتحوا عليهم وابلا من النيران وأعدموهم بالرصاص».

مشاهد من الموت

تحكي الجدة على لسان دينا عبد المعطي أنه تم تشويه ملامح المدرسين المحبوبين في القرية بالسكاكين وأُخِذت الأمهات والأخوات كرهائن، وتحولت حياة غالبية السكان إلى بقع دماء تملأ شوارع القرية، وجُرد الأطفال من طفولتهم بين عشية وضحاها، وكانت جدران المنازل، التي كانت في يوم من الأيام شاهدة على الدفء والضحك والفرح، تتناثر مع أشلاء الفلسطينيين ودمائهم التي تحولت إلى ذكريات مؤلمة، وفقدت جدتي 37 من أفراد عائلتها في ذلك اليوم.

«هذه مشاهد ليست قصصا ستقرأ عنها في معظم كتب التاريخ».. تقول الحفيدة إننا نحن أبناء أجيال من القوة، أجدادنا وأولياء أمورنا هم لاجئون وناجون وشهداء، ودماء دير ياسين ما تزال تسري في عروقنا، نحن مثل شجرة الزيتون جذورها العميقة تضرب في الأرض وبقيت غير متزعزعة وعاقدة العزم على الوقوف على الأرض بصبر ورغبة عميقة في البقاء.

بعد المذبحة أرسل أحد مرتكبيها مناحيم بيجين، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق برقية تهنئة إلى قائد الأرجون المحلي قال فيها: «تهنئتي لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل»، وفي كتابه «الثورة» كتب بيجين الذي اقتسم مع الرئيس المصري أنور السادات جائزة نوبل للسلام يقول: «إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي»، وأضاف قائلا: «لولا دير ياسين ما قامت (إسرائيل)».

وفي تعليقه على المذبحة قال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق مناحيم بيجين: «لقد حاولت دعاية العدو أن تلطخ أسماءنا، ولكن النتيجة أنها ساعدتنا، فلقد طغى الذعر على العرب، فقرية قالونيا التي ردت قبلاً كل هجوم قامت به الهاجاناه سقطت دون قتال، وكذلك أخلى العرب بيت أكسا وكان هذان المركزان يطلان على الطريق الرئيسى للقدس، ولكن سقوطهما مع فرض السيطرة على القسطل مكننا من إبقاء الطريق إلى القدس مفتوحة، وهرب العرب حتى لا يصطدموا بالقوات اليهودية، فما حدث في دير ياسين وأذيع عنها ساعد على تعبيد الطريق لنا للانتصار في معارك حاسمة في ساحة القتال وإنقاذ طبرية وغزو حيفا».

«ولد في دير ياسين».. 

عنوان الفيلم الوثائقي الذي قدمته المخرجة الإسرائيلية نيطع شوشاني، الأكاديمية اليسارية التي كانت تعد دراستها الجامعية لنيل شهادة الماجستير في معهد «بتسلئيل» بالقدس بعد أن رفعت التماسا لمحكمة العدل العليا لإجبار الجيش الإسرائيلي على فتح أرشيفه، ونشر الصور والتقارير والوثائق الخاصة بالمجزرة المفروض عليها حظر نشر حتى اليوم ولكن طلبها قوبل بالرفض بدعوى أن نشر تلك الصور من شأنه أن يمس بعلاقات إسرائيل الدولية وبكرامة الأموات.

وتكشف شوشاني في فيلمها الوثائقي أنها التقت في «أرشيف الهاجاناه» رجلا تسعينيا يدعى شراغا بيلد، كان يعمل في الخدمات الإعلامية التابعة للمنظمة اليهودية، والذي اعترف لها بأنه أرسل مزودا بكاميرته بعد المذبحة مباشرة لتوثيق ما حدث في دير ياسين وجاء فيها: «إن الصورة الأولى التي شاهدتها لدى وصولي إلى دير ياسين كانت شجرة كبيرة جرى حرقها، بعد أن ربط إليها رجل عربي، لقد ربطوه إلى الشجرة وحرقوهما معا».

كما وثقت شوشاني أيضًا عشرات القتلى الذين جرى تجميعهم في كسارة تقع إلى جانب القرية، وقام بتسليم الفيلم إلى المسؤولين عنه ومن يومها لم ير تلك الصور ويورد الفيلم أيضا شهادة مكتوبة بخط يهودا فيدر، والمعروف باسم «غيورا»، أحد أفراد عصابة «شتيرن» الذين شاركوا في المذبحة يقول فيها: «قتلت مسلحا عربيا وفتاتين بعمر 16- 17 عاما قامتا بمساعدته، أوقفتهما إلى جانب الحائط وأفرغت بهما باغتي رصاص من سلاح تومي غن الأوتوماتيكي». 

وفي شهادته عبر الفيلم قال قائد عصابة شتيرن في القدس، يهوشوع زطلير، الذي ظهر في الفيلم قال: «كنا ندخل بيتا بيتا نضع فيه المتفجرات ونقوم بنسفه، وخلال بضع ساعات دمرنا نصف القرية» وعن حرق جثث الضحايا أضاف: «كان هناك بعض الأخطاء التي قام بها رفاقنا والتي أغضبتني، حيث جمعوا جثث القتلى في كومة وأحرقوها، لم يكن ذلك سهلا».

أما الوزير وعضو الكنيست السابق يائير تسبان، فقال في شهادته التي وردت في الفيلم، إنه أرسل مع رفاقه في «الجدناع»، لدفن جثث القتلى وإخفاء آثار الجريمة، خوفا من وصول الصليب الأحمر في أي لحظة، وعن مشاهدته هناك يقول تسبان: «رأيت الكثير من الجثث، ولا أذكر أنني صادفت جثة واحدة لمقاتل، ما أذكره أنها كانت جثث نساء وشيوخ ووجود مسن وامرأة يجلسان في ركن غرفة والرصاص يخترق ظهريهما، لا يمكن أن يكون قد جرى في حمأة القتال».

أين التعويضات؟

رغم مرور 70 عامًا على المذبحة، فإن أسر الضحايا لم يحصلوا على تعويضات مناسبة جراء المجزرة التي تعرضوا لها، وتشير وثيقة من أرشيف عام 1957 إلى أن حجم التعويضات الذي دفعته إسرائيل لعائلات قتلى وجرحى المجزرة، بناء على توصية لجنة عينها رئيس الحكومة ديفيد بن غوريون بلغت 5000 ليرة لورثة كل شهيد، و300 ليرة لكل جريح.

وكتب في الوثيقة ذاتها أن «اللجنة ترى في ذلك نهاية للحادث»، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض من سكان القرية الأصليين، الذين رأوا أنها محاولة فاشلة من قبل بن غوريون لفرض الصلح من أجل طي القضية بسرعة.

يقول السفير الفلسطيني السابق لدى القاهرة بركات الفرا، إن التعويض الذي من المفترض أن يحدث يأتي في إطار قرار الجمعية العامة رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم عن ممتلكاتهم، لكن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل مكانها المحكمة الجنائية الدولية.

وأضاف أن تلك المسألة كانت تتطلب أن ترفع دولة فلسطين الملف برمته للمحكمة الجنائية الدولية لمقاضاتهم حسب ما ارتكبته إسرائيل من جرائم إبادة وتطهير عرقي ضد الإنسانية، مشيرًا إلى أنه لم يتم تقديم الملف للمحكمة الجنائية حتى الآن، وذلك رغم مرور 70 عامًا على احتلال الأرض وإبادة للشعب الفلسطيني، لأنه لم يكن هناك اعتراف بدولة فلسطين، ولم تكن عضوًا بالمحكمة الدولية، التي لم يحصلوا عليها إلا مؤخرًا، لكن من حقنا الآن الانضمام للأمم المتحدة. 

وحول أسباب عدم تقديم الدول العربية للملف الكامل للجرائم الصهيونية ضد العرب قبل ذلك أشار الفرا لـ«التحرير» إلى أنه كان من الممكن أن يفعلوا ذلك، لكن كان الأمر بحاجة إلى التوثيق، وأن تقدم ملفات موثقة ومستندات دامغة عن المذبحة بالوقائع والأحداث مصورة، ونحن سنقدم أوراقا ثبوتية، متابعًا: «الملفات الآن أصبحت في طريقها لأن تكون جاهزة لتغطية كل الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني».

بين المجزرة والمحرقة

«نحن نطالب إسرائيل بتعويض الشعب الفلسطيني على مجازرها المتواصلة، وعندما كنت سفيرًا قلت في بروكسل أثناء اجتماع المندوبين الدائمين بالجامعة العربية إن أوروبا تتحمل المسؤولية التاريخية فيما وقع على الشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي».. يقول الفرا إن ألمانيا مثلًا دفعت أموالًا طائلة لإسرائيل بحجة «محرقة الهولوكوست» التي يدعون أن القائد النازي أدولف هتلر أحرقهم في أفرانها ونحن سنطالب بأن يتم تعويضنا بشكل مناسب.

ومن جهته يقول السفير محمود ريحان مساعد وزير خارجية الأسبق، والمتخصص في الشأن الفلسطيني إنه إذا كان المعيار تطبيق جوانب العدالة، فإنه كان ينبغي تعويض أسر الضحايا بالشكل المناسب، فجريمة اغتصاب الأرض لا تسقط بالتقادم، لكن المعايير السائدة في العالم تقف عقبة وحائلا دون تحقيق ذلك.

كما أن التعويض الذي عرضته إسرائيل لا يساوي شيئا أمام حجم المجزرة التي وقعت، حسب تعبيره ونحن نرى ألمانيا ما زالت تعوض إسرائيل حتى الآن بحجة الهولوكوست المزعومة، وهو ما يتطلب تعويض فلسطين بعد إبادة قرية بأكملها، لافتًا إلى أن جميع الدول العربية قصرت في حلم القومية العربية.

وتابع: كان ينبغي أن نتخذ الإجراءات القانونية منذ وقعت المذبحة، ونطرق الحديد وهو ساخن من خلال رجال القانون والاختصاص في ذلك الوقت، لكن الظروف كانت أكبر عائق أمامهم، فبعد المذبحة بـ6 أيام، كان العرب جميعًا أمام صدمة «إعلان دولة إسرائيل» على أنقاض فلسطين، وكان التفكير أكبر من المجزرة.

وأضاف: لا يموت حق وراءه مطالب، ولا بد أن ننادي دائمًا بحق الشعب الفلسطيني، ونطرق كل الأبواب التي من شأنها عودة الحق لهذا الشعب.

لماذا لا يُحاكم مرتكبو المذبحة؟

كانت الشهادات التي عرضها «التحرير» عن أسر الضحايا والجنود المشاركين في المجزرة غيض من فيض عارم من الشهادات الدامية الواردة من قلب القرية التي شهدت عمليات تطهير عرقي وإبادة كاملة، ورغم بشاعة الجريمة لم يحاسب مرتكبوها حتى الآن، بل حاز أحدهم مناحيم بيجين جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات رغم أنه كان يقود التنظيمات العسكرية المسلحة، التي تقتل أي شخص يعوق إقامة دولة إسرائيل على أنقاض أصحاب الأرض.

القيادي الناصري أمين إسكندر يرى أن المذابح هي جزء لا يتجزأ من التفكير الصهيوني لنزع الأراضي الفلسطينية، وإحلال المستعمرات والمستوطنات بدلًا منها، ولكن لم تتخذ أي إجراءات جديدة تجاه تلك المذابح الدامية، نظرًا لأن العالم لم يعترف بالسلطة الفلسطينية إلا منذ وقت قصير. 

وأشار إسكندر إلى أن تقديم ما يدين الكيان الصهيوني للمحكمة الدولية يحتاج إلى قرار سياسي، حيث إن الموضوع ينظر له بحسابات لها علاقة بالسلطة الفلسطينية وطريقة تفاوضها مع الكيان الصهيوني، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون هناك قرار سيادي. 

كما أن المطالبات العربية بمحاكمة الجناة ليست عملية بسيطة في الحساب السياسي، حسب تعبيره حيث ينظر للأمر بمدى الضغط الذي قد تمارسه أمريكا وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي.

التواطؤ 

وحول الملفات التي يتم تجهيزها من قبل الفلسطينيين لتقديمها أداة إدانة للمحكمة الدولية أشار إسكندر إلى أن ذلك الأمر صحيح، لكنها ستوضع في المكاتب لحين اتخاذ القرار، وربما تقدم الأوراق عندما تتعثر المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني.

بينما يرى أحمد دراج، الخبير السياسي، أن غالبية النظم العربية التي حكمت بعد فترة عبد الناصر بعضها تواطأ مع إسرائيل، والآخر تخاذل عن أداء دوره بالصورة المطلوبة، وأصبح يحمل الفكرة الصهيونية.

كما أن بعض المنتسبين للحكومة الفلسطينية يتقاعسون عن تقديم الكثير من الأوراق والوثائق والوقائع التي تدين إسرائيل أمام المجتمع الدولي، والمشكلة في العرب قبل الغرب، فعندما يستطيع العرب أن يمتلكوا زمام أمورهم، فإن إسرائيل هي التي ستسعى لخطب ود الفلسطينيين.

شارك الخبر على