جريمة حرب العراق

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

بيتر سينغرفي الشهر الفائت أحيت صحيفة نيويورك تايمز الذكرى الخامسة عشرة للحرب التي قادتها أمريكا على العراق بعمود مؤثر لسنان انطون وهو روائي عراقي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان « قبل خمس عشرة سنة، دمرت أمريكا بلادي». لقد عارض انطون كلا من الدكتاتورية الوحشية لصدام حسين وغزو العراق الذي قادته أمريكا سنة 2003 والذي أغرق البلاد في الفوضى وأثار التوترات العرقية وأدى إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين علما أن الحرب أدت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة مما ساهم في صعود تنظيم داعش والذي في أوج قوته احتل أجزاء مهمة من الأراضي العراقية وقطع رؤوس خصومه ومارس التطهير العرقي ضد الأقلية اليزيدية بالإضافة إلى نشر الإرهاب حول العالم.إن مما لا شك فيه أن الحرب للإطاحة بصدام كانت خطأ مأساوياً حيث يعتقد انطون أنها كانت جريمة كذلك ولو كان هذا الكلام صحيحا فإن مرتكبي تلك الجريمة ما زالوا طلقاء. إن قلة من الأمريكان سيأخذون على محمل الجد التأكيد بأن الرئيس جورج بوش الابن وغيره من أعضاء إدارته –بما في ذلك نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وجون بولتون والذي تم تعيينه مؤخراً من قبل الرئيس دونالد ترامب كمستشاره المقبل للأمن القومي- هم مجرمو حرب كما أن قلة من البريطانيين سينظرون إلى رئيس الوزراء توني بلير كمجرم حرب كذلك ومع ذلك فإن الحجة بأنهم ارتكبوا جريمة هي حجة قوية على نحو مفاجئ.إن فكرة إن البدء بحرب عدوانية يعتبر جريمة تعود على أقل تقدير إلى سنة 1919 عندما مهدت معاهدة فرساي لمحاكمة القيصر فيلهلم الثاني بسبب «الجريمة العظمى ضد الأخلاق الدولية» ولم يتم إقامة مثل تلك المحاكمات بعد الحرب العالمية الأولى ولكن بعد الحرب العالمية الثانية كان شن الحروب العدوانية إحدى التهم الاربعة التي اعتمدت عليها المحكمة الدولية العسكرية خلال محاكمات نورمبرج من أجل إدانة 12 قائداً نازياً والحكم عليهم بالإعدام ومن بينهم مارشال الرايخ هيرمان جورنج ووزير الخارجية جواكيم فون ريبينتروب والمشير فيلهلم كايتيل.بعد المحاكمات وضعت مفوضية القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة المبادئ القانونية الأساسية في وثيقة أطلقت عليها اسم «مبادئ نورمبرج «حيث تنص تلك المبادئ على أن أي شخص يرتكب جريمة بموجب القانون الدولي هو مسؤول عنها ويتعرض للعقوبة بغض النظر عن قانونية سلوكهم طبقاً للقانون المحلي للدولة التي مارسوا فيها ذلك الجرم. تنص الوثيقة على بضعة جرائم بموجب القانون الدولي بما في ذلك «التخطيط والإعداد والبدء وشن الحرب العدوانية أو حرب تنتهك المعاهدات أو الاتفاقيات أو التطمينات الدولية» و»المشاركة في خطة مشتركة أو مؤامرة» للبدء بمثل هذه الحروب أو شنها.لقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة أدواراً قيادية في محاكمات نورمبرج ولو فشلتا في تطبيق المعايير نفسها على قادتهما، فهل يعني ذلك أن هناك بعض النفاق؟إن غزو العراق كان عملاً عدوانياً ضد بلد لم يكن يهاجم أو يهدد بمهاجمة بلد آخر فالغزو كان عبارة عن انتهاك لميثاق الأمم المتحدة حيث يتضمن البيان بأن على «جميع الأعضاء الامتناع أثناء ممارستهم لعلاقاتهم الدولية عن التهديد أو استخدام القوة ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي أو بأي طريقة أخرى لا تتوافق مع أغراض الأمم المتحدة». لقد سعى بوش وبلير للحصول على تفويض مجلس الأمن الدولي للهجوم حيث أدعيا أن العراق كانت تنتهك اتفاقها المتعلق بنزع السلاح ولكن فرنسا والصين وغيرها من أعضاء مجلس الأمن رفضت ذلك وجادلت بأن مفتشي الأسلحة الذين كانوا موجودين في العراق آنذاك يجب السماح لهم بالاستمرار في عملهم من أجل تحديد ما إذا كان صدام يمتلك أسلحة الدمار الشامل ولكن مهما يكن من أمر مضى بوش وبلير قدما بالهجوم.إن بولتون والذي كان في ذلك الوقت وكيل الوزارة للحد من التسلح والأمن الدولي كان جزءاً من «الخطة المشتركة لشن حرب عدوانية». لقد أساء بولتون لمحللي الاستخبارات الذين لم يتفقوا مع الطرح الذي أرادت إدارة بوش منهم أن يدعموه. لقد علق جون برادوس وهو زميل في أرشيف الأمن القومي لجامعة جورج واشنطن بأن «المحللين الذين كانوا يعملون على الاستخبارات المتعلقة بالعراق لا يمكن توجيه اللوم لهم عندما وصلوا إلى استنتاج مفاده بأن حياتهم المهنية يمكن أن تكون في خطر لو قاموا بتوفير أجوبة تختلف عن تلك التي أرادت إدارة بوش سماعها». لقد قامت إدارة بوش باستحضار أدلة خاطئة ومضللة وأبرزها مستندات مزورة تظهر بأن العراق قد سعى لشراء اليورانيوم من النيجر وذلك من أجل تبرير قرارها المتخذ سابقاً لغزو العراق الغني بالنفط.لقد قام بلير بتبرير الغزو قائلا: بأنه كان ضرورياً من أجل منع صدام من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وفي مذكراته الأخيرة رفض جاريث ايفانز وزير الخارجية الاسترالي الأسبق والمؤلف الرئيسي لعقيدة «مسؤولية الحماية» والتي تعتبر أساس التفكير الدولي فيما يتعلق بتبرير حرب ما على أساس التدخل الإنساني، ما ادعاه بلير. يقر جاريث بأن صدام قد ارتكب فظائع في الثمانينات وأوائل التسعينات كانت يمكن أن تبرر التدخل ولكن بحلول سنة 2000 لم يكن سلوكه يعتبر «أكثر سوءا من عشرات من الأشخاص الذين اعتادوا على انتهاك حقوق الإنسان حول العالم».إن من غير المرجح أن يحاكم بوش أو أي عضو من إدارته على جريمة شن حرب عدوانيه علما أن المكان الواضح لمثل تلك المحاكمة هو المحكمة الجنائية الدولية وعلى الرغم من أن الرئيس بيل كلينتون وقع الاتفاقية التي تؤسس المحكمة الجنائية الدولية قامت إدارة بوش بسحب التوقيع وما تزال الولايات المتحدة الأمريكية دولة غير عضو في الاتفاقية.لكن هذا لا يعني أنه لا فائدة من مناقشة الطبيعة الجنائية المزعومة للهجوم على العراق. لقد بدأت التوترات العالمية بالتصاعد منذ أن تولى ترامب مهام منصبه علما أن تعيين بولتون سيزيد من تلك التوترات، وذلك نظراً لآرائه المتشددة جداً فيما يتعلق بإيران وكوريا الشمالية. لقد حان الوقت لنذكر انفسنا بأن شن حرب عدوانية هو عادة ما يكون خطأ ولكن دائما هو جريمة وحتى لو لم تتم معاقبة من ارتكبها.أستاذ أخلاقيات البيولوجيا في جامعة برينستون.بيتر سينغر

شارك الخبر على