بيت (المدى) يستذكر رائد مسرح اللامعقول الراحل طه سالم

حوالي ٦ سنوات فى المدى

  زينب المشّاط عدسة/ محمود رؤوف
للحياة فلسفتها، تلك التي تجعلنا نولد قيد عذابات، ونرحل مُبتسمين على ما عشناه من أوجاع، وهكذا هو جاء لهذه الحياة مُعذباً بحمله هموم وطنه، وعاش مُتأملاً الحياة بواقعها فخلق منها نصوصاً مسرحية غير معقولة كما هو الواقع الذي عاشه مليئاً بأحداث تكاد لا تُصدق، ورحل بعد أن طال انتظار كلمة "شكر" أو "تكريم" أو "امتنان" الكاتب المسرحي والمخرج والممثل طه سالم يُستذكر في بيت المدى في شارع المتنبي صباح يوم الجمعة الفائت بحضور كبير لأهم الشخصيات الفنية والمسرحية العراقية ..
من الروّادمعلّمٌ من طرازٍ نادرٍ، هكذا وصفهُ مقدم الجلسة الإعلامي عماد جاسم قائلاً "نحن هنا بصدد استذكار المبدع والمعلم والاستاذ طه سالم ، الذي شكّل حضوره بعطاء امتد لسنوات طويلة، فنحت بالصخر والحجر مرارات الواقع المجتمعي مع زملائه ليضع لبنات الولادة الحقيقية للمسرح العراقي."منح طه سالم جلّ اهتمامه لتربية الذائقة، حيث تجرع عذابات العوز ليبقى أميناً لرسالته من أجل نشر قيم الجمال، وخطط للفرق المسرحية متحدياً الرفض الاجتماعي والمتابعة السياسية عبر مراحل من تاريخ العراق المتنوعة الامزجة والتي تصادر إمكانية عشاق الجمال، كما ذكر جاسم " أن سالم طرح أفكاراً جديدة في مسرحياته استلهم فيها التراث الشعبي، وهو واحد من أهم رواد مسرح اللامعقول ، لقد واكب الرواد وزاملهم وصادقهم وأسس لبيت المسرح العراقي."
مسرح اللامعقولنعم لدينا كتّاب مسرحيون أمثال خالد الشواف وصفاء مصطفى وآخرين، ولكن كتاباتهم لم تكن تعكس واقع المجتمع العراقي في تلك المرحلة التي عاشوا فيها، رغم أن صفاء مصطفى تصدى في بعض كتاباته لهذا الواقع لذلك كان المخرجون أمثال إبراهيم جلال وجعفر السعدي وجاسم العبودي وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد لا يجدون غاياتهم في تلك الموضوعات الفنيةومع مجيء فترة الستينيات من القرن الماضي كما ذكر المخرج سامي عبد الحميد قائلا " في أوائل الستينيات من القرن الماضي استطعنا ان نجد من كتابات عدد من المسرحيين المحدثين أمثال عادل كاظم، ونور الدين فارس، وطه سالم بالذات، ولذلك كان إبراهيم جلال من اول المتصدين لمسرحية طه سالم وهي مسرحية فوانيس، ومن يقرأها سيجد تقارباً بين أسلوب بين لويجي بيرانديلو وبين أسلوب طه سالم حيث يكتب ما يخفيه القناع من حقيقة الوجه." مضيفاً "و كان من حظي التصدي لمسرحية "قرندل" وأخرجها للفرقة القومية للتمثيل وكنت أركز على استغلال الإنسان للشغيلة والإنسان الآخر."اكتشف عبد الحميد ان مسرح طه سالم ينتمي الى مسرح اللامعقول في أغلب كتاباته .يذكر سامي عبد الحميد "عندما ظهرت كتابات طه سالم التي تنتمي لمسرح اللامعقول لم نكن نعرف شيئاً عن مسرح اللامعقول حتى طه سالم لم يكن قد قرأ عنه بعد، وقد أيقنت انه إلهام بالنسبة له وانعكاس لواقع المجتمع اللامعقول الذي انعكس على مسرحياته، وبعد مسرحية قرندل أخرجت له ما معقولة لطلبة الاكاديمية وكم تمنى سالم أن أعيد إخراجها ولكني كنت منشغلاً بأعمالي الاخرى ."
التحفيز الحسّي في نصوصه لم يكن يرغب بإعادة ما قيل ووقف عند تجربة طه سالم بمفهومها الفلسفي، المخرج والاكاديمي المسرحي د.عقيل مهدي يوسف يتحدث عن الراحل قائلاً "لاحظت في تجربة طه سالم العوز الذي يدمر كيان البشر، كان معذباً طبقياً، ورغم ذلك نجده يتأمل ويتفانى وينتج ويكتب مسرحيات ومثّل كذلك ،وهذا أمر غاية بالصعوبة." لم يكتفِ طه سالم بما قدم بل مدّ العلم والمعرفة والفن الى عائلته حيث يذكر مهدي أن "بناته اليوم من أهم فنانات المسرح العربي وليس العراقي فحسب."أما عن نصوصه المسرحية فيذكر مهدي أننا " لو تأملنا تلك النصوص سنجد تحفيزات نصوصه حسية من خلال أسماء مسرحياته كـ "ورد جهنم، وكورة، وفانوس." والذي قرّب الصورة بشكل مثالي له توفيق الحكيم من خلال تقنية النص واستلهام نسق فلسفي عميق."
أسس بنى جديدة للمسرحلم يكن طه سالم متأثراً بمسرح اللامعقول كما ذكر البعض ، يتحدث لنا المخرج المسرحي صلاح القصب عن حكاية سالم مع مسرح اللامعقول قائلا " البنية الدرامية والنص المسرحي عند طه سالم كانا في نصوصه أقرب الى يوميات صحفية بيئة وشخصيات شعبية وكانت مؤدلجة بحيث حجبت قوة الإبداع للمؤلف وكان المخرج هو من يرتقي بالنص آنذاك حين يصنعه ، في ذلك الوقت وبحسب رأيي الخاص كانت مرحلة جافة من الكتابة المسرحية."وأضاف القصب " في المرحلة التي جاء فيها طه سالم وفجّر البنية وأسس بنى جديدة للمسرح أكد على أزمة الانسان، فكانت مرحلة الستينيات مرحلة انفجارية سببت انفجاراً بركانياً في النصوص المسرحية كونه أهم كاتب في تلك المرحلة ولو ترجمت أعماله الى لغات أخرى لكان طه سالم اقترب الى أرثر ملر، وأبسن فقد اجتاز المرحلة الكتابية في مسرح اللامعقول ، ولم يتأثر به ، بل إنه غيّر بهذه البنية وكانت موجته هي موجة طه سالم ، فسلاماً ومجداً له فهو لم يكن رمزاً كان كبيراً وفضاءً واسعاً من العطاء."
الفانوسكان متابعاً لحالته، وقد كان ملتزماً باللقاء به بشكل شبه يومي الناقد مؤيد البصام يتحدث عن طه سالم قائلاً " رافقتُ طه سالم منذ الستينيات وقرأنا بعض مسرحياته أنا وصبحي الطائي وجدنا أنفسنا أمام كاتب مسرحي لا معقول ذُهلنا لوجود كاتب عراقي يكتب بهذا المجال وقررنا أنا وصحبي الطائي إنتاج مسرحيته "الفانوس" التي أخرجها الكبير إبراهيم جلال ومنذ تلك الفترة ارتبطنا أنا وطه سالم بعلاقة صداقة امتدت لفترة طويلة."طه سالم كان صاحب ذاكرة عجيبة هذا ما ذكره البصام قائلاً " بلغ سالم الثمانية والثمانين من عمره وكان يتذكر كل شيء وكان يتحدث لنا عن قضايا كبيرة كنت مذهولا مما يقوله أحد كتّاب المسرح العالميين وليس العرب فقط ."
في يوم المسرح العالميرفضتِ التحدث عن منجز والدها فهو معروف لدى الجميع ولا حاجة للحديث عنه لأنه يتحدث عن ذاته من خلال خلوده في ذاكرة الجماهير، الفنانة شذى سالم تتحدث عن والدها قائلة " في أيامه الاخيرة وخاصة في شهر آذار سألني هل هذا الشهر سيكون فيه يوم المسرح العالمي، كان ينتظر أن تصله رسالة ليقال له أنت مُكرّم وكان هاجسه المسرحي في داخله وحبه للمسرح مايزال حتى لحظاته الاخيرة وقد شيّع في المسرح، وكان يريد إلقاء كلمة يوم المسرح حتى ولو على كرسي إلى آخر لحظاته، ولكن مع الاسف قد بقي قابعاً في بيته من دون ان يتصل به أحد، نحن نتحدث عن الحاجة المعنوية للفنان العراقي كل ما قيل عنه هو إرث كبير لإنجازه وحب الناس له حتى آخر لحظاته لم يشوّش ذهنه ولم يفقد الذاكرة وذهب بسلام."
عمل على أربعة اتجاهاتإذا جرى الحديث عن المسرح العراقي يجري الحديث عن طه سالم، الكاتب الدكتور زهير البياتي يتحدث عن الراحل قائلا" هو واحد ممن أرسى معمارية المسرح العراقي ترك بصمته في تاريخ الثقافة المسرحية والعالمية والانسانية وكان يحمل فكراً متنوراً أساسه الانسان والابداع ورقي البلد والثقافة وكان هاجسه في جميع أعماله هو الانسان والبلد وتربة البلد ونخيله وكتب عن هذه الاعمال مجتمعة في جميع أعماله." عمل على أربعة اتجاهات، منها التأليف ولكنه برز بشكل واضح في التأليف المسرحي لأنه استمر بهذا الخط، وعمل ممثلاً ومخرجاً .
رقمٌ صعبأشهد أنك قد عشتَ مرة اخرى ، تلميذه الاكاديمي سعد عزيز عبد الصاحب يتحدث عن الراحل قائلا "كان طه سالم رقماً صعباً ماثلاً في الذاكرة العراقية ولا يحجب بغربال، فهو يحمل سجّلاً حافلاً من النضال اليساري، كان سياسيّاً مطارداً، بحث عن هجعة لروحه المتمردة وظهرت روحه جليّة في أعماله المسرحيّة ."

شارك الخبر على