المستشارة الأمنية السابقة للحكومة العراقية والباحثة إيما سكاي تتساءل هل ستكون الانتخابات المقبلة نقطة تحوّل بأمل جديد للعراق؟

حوالي ٦ سنوات فى المدى

ترجمة / حامد أحمد
في 12 أيار، سيتوجه العراقيون لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم للانتخابات البرلمانية المقبلة. هذه الانتخابات تجري في وقت حيوي جداً. ومنذ أن أعلن الجيش العراقي هزيمة داعش في كانون الأول 2017 رجع ملايين المهجرين والنازحين الى بيوتهم. وفي الموصل بدأ الطلاب بالرجوع الى مدارسهم مع اعادة افتتاح المكتبة العامة التي دمرها داعش. أما بغداد فهي  تشعر الآن بأمان اكثر من أي وقت آخر منذ العام 2003، حيث متاجر التسوق الكبيرة (المولات) مفتوحة للتجارة وانتشار المطاعم والمقاهي والمتنزهات المكتظة بالعوائل.
كان العراق قد مرّ سابقاً بنقطة مفترق طرق مشابهة. خلال العام 2010 وبعد إلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة في العراق، قاربت الحرب الطائفية على الانتهاء، وكان كل من العراقيين والاميركان يتأملون من أن الانتخابات المقبلة ستضع البلاد على طريق السلام الدائم. ولكن كل شيء تفكّك بعد ذلك. ورغم أن رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي كان يقود تحالف دولة القانون في حينها، لم يفز بمعظم المقاعد، فقد ألقت ادارة الرئيس، أوباما، بكل دعمها له. كانت الإدارة مقتنعة بأن المالكي كان مؤيداً لأميركا، وسيسمح ببقاء جزء من القوات الأميركية في العراق عند انتهاء سريان اتفاقية حال وضع القوات بين البلدين في 2011. وكانت حساباتهم تشير أيضاً الى أن الإبقاء على الوضع الراهن هو أسرع طريقة لضمان تشكيل حكومة عراقية جديدة قبيل انتخابات نصف دورة الرئاسة الأميركية. من الناحية العملية فشل هذا القرار بمساعدة العراق في تخطي أزمة الطائفية وقوض الفكرة في أن التغيير قد يحصل من خلال الطرق السياسية بدلاً من العنف. خلال دورته الثانية، اتبع المالكي سياسات همّشت شرائح واسعة من الطائفة السنيّة، الذي تأثر قسم منهم بالخطب الطائفية التي كانت تظهر في أعقاب الحرب الأهلية الدائرة في سوريا والتي زادت من حدّة الصراع بين ايران ودول الخليج وتركيا. هذه المتغيرات الديناميكية سمحت لتنظيم داعش بأن يظهر من تحت رماد سلفه، القاعدة في العراق، وقدّم نفسه على أنه المدافع عن السنّة العراقيين ضد نظام حكم المالكي الشيعي المدعوم من إيران.اليوم ومع إلحاق الهزيمة بداعش، فإن كل العراقيين يتطلعون بحذر عما سيؤول إليه مستقبل بلدهم العراق. ولكن بقايا مسلحي داعش من الخلايا النائمة هي ليست التحدي الوحيد الذي سيواجهه العراق أمامه، بل إن الطبقة السياسية الفاسدة التي حكمت البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين ومنظومة الحكم التي تدعم هذه النخبة الفاسدة من السرّاق، تشكّل تهديداً أيضاً أمام استقرار طويل الأمد للعراق.رغم أن المشهد السياسي العراقي اليوم اكثر تشظياً من السابق، فإن الوجوه نفسها بقت مهيمنة. تتواجد حالياً خمس بطاقات شيعية متفرقة تتنافس على الانتخابات المقبلة: رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي وسلفه المالكي يترأسان قائمتين مختلفتين ضمن حزب الدعوة الحاكم، هادي العامري زعيم منظمة بدر، متحالف مع قوات الحشد المدعومة من إيران التي تحوّلت لحركة سياسية فيما بعد، أما الزعيمان الدينيان مقتدى الصدر وعمار الحكيم، فكل منهما يترأس قائمته الخاصة. أما الكرد، بسبب قرارهم غير المدروس بإجراء استفتاء الاستقلال، فقد أصبحوا الآن في أضعف وضع لهم منذ سقوط صدام، حيث فقدوا سيطرتهم على المناطق المتنازع عليها بضمنها كركوك وتقلصت الميزانية المخصّصة لهم من قبل الحكومة المركزية من 17% الى 12%. أما بالنسبة للسنّة، فلهم ثلاث قوائم انتخابية رئيسة، يترأسها الرئيس السابق لجمعية الهلال الأحمر العراقية، جمال الكربولي، وقائمة أخرى يترأسها رئيس البرلمان السابق، أسامة النجيفي، أما القائمة الثالثة فيترأسها رئيس الوزراء السابق، إياد علاوي المتحالف مع نائب رئيس الوزراء السابق، صالح المطلك ورئيس البرلمان الحالي، سليم الجبوري.من الناحية النظرية، فإن العبادي يعتبر في وضع قوي يمكّنه من الفوز بدورة ثانية. رصيده القوي مرتبط بإلحاقه الهزيمة بداعش، أما بين العراقيين العرب، فإن رصيده يكمن في دفع الكرد بعيداً، وإعادة سيطرة الحكومة المركزية على مدينة كركوك. وكرئيس للوزراء فإنه استطاع أن يوازن بمهارة بين إيران والولايات المتحدة، في حين حسّن علاقات العراق من جانب آخر مع جيرانه من دول الخليج، وحقق بشكل خاص انطلاقة جديدة مع العربية السعودية التي تقوم الآن بدور بنّاء أكثر في العراق من خلال انفاقاتها باستثمارات حكومية في العراق مع دعم شيعة مستقلين وكذلك سنّة معتدلين. هذه التطورات تساعد في تهدئة التناحر الطائفي الذي تصاعد بعد الغزو الأميركي.ولكن على الرغم من سيطرة العبادي على الأدوات الحكومية ووسائلها، بضمنها الإعلام الحكومي والدعم الذي يتمتع به من قبل شخصيات رئيسة في حزب الدعوة، فإن حملته تتميّز بالتنظيم الضعيف ولا تحمل شيئاً من الإلهام. رغم أنه ينتهز كل فرصة لينتقد فيها المالكي لتسبّبه بإفلاس العراق والسماح لداعش باجتياح أراضٍ واسعة من البلاد، فإنه لايزال على العبادي أن يفصح كيف أنه سيقوم بإصلاح الاقتصاد واعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وإن محاولاته السابقة لتحقيق ذلك ذهبت سدىً.المالكي، من ناحية أخرى، مصرٌ على منع العبادي من الفوز بدورة ثانية. ولأجل منعه، اتخذ المالكي موقفاً مقرباً اكثر من ايران، ساعياً للتحالف مع المجاميع الشيعية المدعومة من ايران. ولكن رغم خلافاتهم، فإن المالكي والعبادي كلاهما مصر على ضمان بقاء منصب رئاسة الوزراء ضمن نطاق حزب الدعوة. ويبدو أن المالكي يفضّل أن يلعب دور، بيضة قبان، الحملة الانتخابية التي ستحدّد من يفوز بدلاً من سعيه للاستحواذ على منصب رئاسة الوزراء لنفسه.لتعزيز تحقيق استقرار دائم في العراق، وهو هدف اميركي ثابت، فإن على الولايات المتحدة، أن لا تكرر سوء تقديرها الكارثي السابق الذي جعلها تدعم شخصاً واحداً خلال العام 2010. ولكن بدلاً من ذلك، فإن على واشنطن أن تساعد لضمان أن يكون هناك ائتلاف من مجاميع شيعية معتدلة تتحالف مع بعض الأحزاب الكردية والسنيّة يكون قادراً على تشكيل حكومة.تشظي المشهد السياسي العراقي يعني بأن هناك احتمالية لنشوء تحالفات عابرة للطائفية، قد تفضي لبرنامج عمل يحارب الفساد ويحسّن أداء ادارة الحكومة والخدمات العامة. البلاد بحاجة الى أن تستبدل النظام الطائفي الحالي، بحكومة راغبة وقادرة على تحقيق وتنفيذ اصلاحات سياسية واقتصادية جوهرية. هذا هو الأمر الملح أكثر في الوقت الحالي، لأن عوائد النفط لم تعد كافية لتغطية الميزانية وكذلك ارتفاع معدل البطالة وخصوصاً بين الشباب العراقيين.ولكن التشظي السياسي يفتح من جانب آخر، فرصاً للإيرانيين المتشددين من بسط نفوذهم في العراق. ومع تهديد ادارة ترامب بالتخلي عن الاتفاق النووي مع ايران، فإن حلفاء ايران في العراق من الشيعة، سارعوا بدعوة القوات الأميركية للانسحاب من العراق. ولكن الغالبية من العراقيين لايريدون إيران أن تهيّمن عليهم أو أي قوة خارجية أخرى.العراقيون لايزالون يعتبرون الولايات المتحدة اللاعب الرئيس في بلادهم وليس إيران، ولهذا فإن على الولايات المتحدة أن توفّر ما هو ضروري من دعم لمساعدة شيعة معتدلين بوجه الضغوط من متشددين عراقيين وإيرانيين، وذلك بدفع قادة كرد وسنّة نحوهم. ومن المهم جداً أن تظهر الولايات المتحدة تعهداً طويل الأمد للعراق ليس فقط بتدريب قواته المسلحة، بل أيضاً بمساعدة العراق من خلال مصادر تمويل اقتصادية بعيدة عن النفط. وذلك بدعم جهوده لتحسين علاقاته مع دول الخليج وتشجيع الشركات الأميركية على الاستثمار في البلاد..وأخيراً، فإن على الولايات المتحدة أن لا تنسحب من اتفاقية ايران النووية. وكان الرئيس دونالد ترامب قد ذكر بأنه سيتخذ قراره بخصوص الاتفاق بتاريخ 12 أيار، وهو اليوم نفسه الذي سيجري فيه العراق الانتخابات. وكذلك فإن التخلي عن الاتفاقية قد يؤدي، بالإضافة الى اذكاء التناحر بين إيران والخليج، الى مزيد من الهجمات على القوات الأميركية في العراق من قبل الميليشيات المدعومة من ايران، وكذلك ازدياد مطالب القياديين الشيعة، بانسحاب القوات الأميركية. كل ذلك قد يجلب سيناريو مشابهاً للذي حصل في 2010 حيث ستهيّمن ايران على تشكيل الحكومة مع انسحاب القوات الأميركية وظهور تهديد باحتمالية عودة تنظيم داعش. مثل هكذا حصيلة ستكون كارثية بالنسبة للولايات المتحدة وأكثر سوءاً بالنسبة للعراق.
عن"فورن افيرز"

شارك الخبر على