فيلم «Annihilation» هل التغيير هو الحدث الأكثر حتمية؟

حوالي ٦ سنوات فى الموجز

كتب: محمد حمدي هاشم -إضاءات
 
بداية من العام الماضي، اتجهت «Netflix» لتعزيز قوتها السينمائية من خلال إنتاج وعرض الكثير من الأفلام. كما نافست أفلامها على جوائز عديدة كالأوسكار والسعفة الذهبية في مهرجان كان. ويبدو أنها عازمة على استكمال نجاح العام الماضي  وتطوير مسيرتها هذا العام. فكان أول أفلامها لهذا العام «Annihilation» وهو من كتابة وإخراج «أليكس جارلاند» وبطولة «ناتلي بورتمان» و«جينا رودريجز» و«أوسكار إسحاق».
 
ويعتمد الفيلم على تيمة أساسية وهي المنطقة أو المكان المجهول الذي ظهر فجأة على كوكب الأرض نتيجة حدث – حرب كبرى مثلاً – في بلدة ما.
 
لم يكن جارلاند أول من اعتمد على هذه التيمة. بل سبقه العديد من المخرجين أهمهم الروسي العظيم «أندريه تاركفوسكي» في فيلم «Stalker»، والذي تأثر به جارلاند في عديد من العناصر، أهمها على الإطلاق رمزية المنطقة ودلالاتها، والمشاهد يضع تركيزه من أول الفيلم في تفسير تلك الرمزية وحل الغموض الذي يدور حولها، سواء من خلال الإشارات التي تقود لمعناها، أو من خلال تفاعل الأبطال مع المنطقة ومشاعرهم تجاهها.
ولأن رحلة الأبطال تكون داخل تلك المنطقة، فيصبح لزامًا على المخرج تقديم تصور بصري، يعكس الفلسفة التي يريد إسقاطها على ذلك المكان.
 
وهناك تحد آخر وهو الالتزام بالخصائص التي تفضلها Netflix في أفلامها أو مسلسلاتها، وهي امتلاك الحد الأدنى على الأقل من المستوى الفني. بالإضافة لمناسبة القصة للأذواق المختلفة من الجمهور، وأخيرًا أن يكون الفيلم منخفض التكلفة.
فالفيلم لا تتجاوز تكلفته 40 مليون دولار، رغم اعتماده بصفة أساسية في عرضه على المؤثرات البصرية. ظهرت سلبيات انخفاض التكلفة في بعض المشاهد مثل شكل الوميض (المنطقة الغريبة) من الخارج، أو مشهد النهاية، اللذين لم يظهرا بالجودة الكافية من حيث قوة المؤثرات البصرية رغم فكرة تصميم المشهد الجيدة.
 
إذن لم يبق أمام جارلاند سوى أن يعرض فلسفته بقوة والتحكم في جودة بقية العناصر، فهل نجح في ذلك؟
 
وميض التغيير
[[{"fid":"1784068","view_mode":"wysiwyg","fields":{"format":"wysiwyg","alignment":""},"link_text":"89OP78l9oF0","type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"wysiwyg","alignment":""}},"attributes":{"class":"media-element file-wysiwyg","data-delta":"1"}}]]
 
اعتمد جارلاند على شقين في عرض الفيلم، الأول وهو رسالة الفيلم الفكرية وعرضها بشكل عميق، من خلال رمزية الوميض. وهو كتلة من الطاقة ظهرت في إحدى المناطق، وأخذت تكبر وتتمدد مما ينبئ باحتمالية تغطيتها للكرة الأرضية، داخل المنطقة تتغير قواعد حركة الجزيئات، سواء داخل جسد الإنسان أو خارجه.
 
المنطقة ترمز للتغيير، كل أنواع التغيير وطفراته المفهومة وغير المفهومة. يفترض جارلاند أنه حتمية تحدث رغم إرادتنا، وقد نراها شرًا ولكنها تقدم. فيقدم خلال أحداث الفيلم نماذج عديدة بداية من الذرة وحيدة الخلية التي تنشطر في متوالية هندسية. مرورًا بالسرطان الذي نعتبره شرًا، ولكنه تغيير يحدث يؤدي للموت، ولكنه بداية حياة أخرى لكائنات أخرى. تبدو هذه النظرة مادية بحتة، ولكنه يعكسها حتى على علاقات الحب. فـ«لينا» (ناتلي بورتمان) تقوم بخيانة زوجها الذي تحبه. وللغرابة رغم أن علاقتهم لم تصبها الملل، يطرح جارلاند هذا الحدث كأحد أشكال الرغبة في التغيير التي تسيطر على الإنسان رغم عدم إدراكه لأسبابها.
 
إذن يطرح جارلاند فكرة الاستقرار المستحيل. لأن حياة الكائنات في الأرض قائمة على التغيير، وعند السؤال عن علة كل ما يحدث من تغيير. تكتشف لينا في المنارة (وهي المنطقة الأكثر أهمية في الوميض) أنه لا يوجد علة حقيقية، هو يحدث لأنه يحدث.
 
تتكرر تلك الفكرة في «EX machine» وهو العمل السابق لجارلاند، حيث يتجاهل البطل البشري حتمية التغيير الذي سيحدث في أنظمة الذكاء الصناعي، وأنها ستنتقل من مرحلة العبد لمرحلة السيد، ولم يعرض الفيلم تلك الفكرة كفكرة متشائمة، يبدو أن جارلاند ينظر لتاريخ الأرض نظرة مادية، خالية من التعاطف مع الجنس البشري ولا يرى ضرورة لاستمراريته.
 
يقسم الفيلم البشر لثلاثة أنماط في تعاملهم مع التغيير، الأول وهو الشخص الذي يستسلم تمامًا ويرى أنه لا ناقة له ولا جمل.
 
والنمط الثاني، وهو الشخص الذي يرفض التغيير تمامًا.
 
أما النمط الثالث، والذي يفضله جارلاند وهو الشخص الذي لا يرفض التغيير، ولكنه يحاول استغلاله لصالحه، أو توجيه حتميته لصالحه. ويمكن وصف تلك الفكرة بالعدمية الإيجابية.
 
رعب غير تقليديأما الشق الثاني، وهو عرض الفيلم بشكل مناسب تجاريًا، وهنا يجب الإشادة بنجاح جارلاند في تقديم فيلم ينتمي لفئة الرعب، فالفيلم مليء بالمشاهد المبدعة غير التقليدية، أهمها على الإطلاق مشهد صراخ الحيوان بصوت صديقتهم.
 
ففي هذا المشهد الذي يمكن أن نصفه بالمبتكر، نجد أنه مشهد كابوسي ومفزع، بدأ بفقدان إحدى عضوات الطاقم لعقلها ومحاولة قتل بقية الطاقم، فهي تظن أنهن قتلن صدقيتها، ثم نجد صوت صديقتها تصرخ وتطلب النجدة من خارج الغرفة.
 
هنا يلعب جارلاند مع المشاهد والأبطال لعبة المتخيل والمدرك، فالمدرك أن صديقتهم قتلت من وحش كاسر وقد رآه الأبطال والمشاهد بعينهم، هنا يترك عنان الأمر للحظات لتخيل المشاهد واحتمالاته، ليجب عن سؤال كيف عادت صديقتهم للحياة مرة أخرى؟ لحظات صمت ثم يجيب على السؤال وهو أن الوحش يتحدث بصوت ضحاياه، كثر استخدام الحيوانات الضخمة في ذلك الفيلم لجعلها أحد مصادر الرعب والخطر.
 
كذلك الزهور والنباتات والأشجار، فمشاهد البشر الذين تتحول أجسادهم لجذور أنواع مختلفة من الزهور والأشجار، فأصبحت الزهور الجميلة الملونة المسالمة أحد مصادر الفزع، رغم أنها لا تفعل شيئًا ولم يستغل تيمة النباتات آكلة اللحوم مثلًا. بالإضافة لاستخدام الموسيقى المفزعة والإيقاع المتوسط الذي لا يصل لسرعة أفلام الأكشن ولا بطء الأفلام التأملية.
 
«Annihilation» فيلم مميز بكل المقاييس، سواء الفكرية من خلال رمزية الوميض والتي تفتح مساحات للتأمل والتساؤل، أو كفيلم رعب جيد المستوى به بعض المشاهد المبتكرة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على