قصة أول فيلم روائي مصري في التاريخ صامت وبطله عرض نفسه للبيع مقابل «لقمة عيش»

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

لم يحظ بلدٌ في إفريقيا والشرق الأوسط بما حظيت به مصر في مجال السينما والتوثيق المرئي، والتُقطت أولى اللقطات السينمائية في تاريخ مصر ما بين العامين 1897 - 1898 بعدسة الأخوين الفرنسيين أوجست ولويس لوميير، مخترعى كاميرا التصوير السينمائي، وسجلا الأخوان ما يزيد على الثلاثين فيلمًا لمناطق مختلفة من القاهرة والأقاليم الأخرى، هذه الأفلام بمثابة كنوز تراثية تضاهي في قيمتها قيمة آثار مصر العظيمة.

لم تنقطع مصر عن السينما بعد أفلام «لوميير»، واستمر المصورون في تسجيل أفلامهم السينمائية الصامتة في عدة أماكن بمصر، بينها فيلم مُسجل باسم المخترع الشهير توماس أديسون، صُوّر في القاهرة عام 1903 لأحد عروض التسلية التي كان يقدمها «القرداتي»، فضلًا عن عدة أفلام أخرى سجلها الجنود الأستراليون والإنجليز أثناء الحرب العالمية الأولى.

أخذت السينما منحى سياسيًا، حينما أراد الخديو عباس حلمي الثاني، توثيق زياراته بالفيديو لا بالصور وحدها، فتم إنتاج أول فيلم مصري يوثق زيارة الخديو لمعهد المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية في 20 يونيو 1907.

استمر التوثيق المرئي سياسيًا فقط، إلى أن جاء عام 1917، فقامت ‏الشركة‏ ‏السينمائية‏ ‏الإيطالية‏ - ‏المصرية، بإنتاج أول فيلم روائي صامت قصير بعنوان «الأزهار القاتلة»، من بطولة ‏محمد‏ ‏كريم‏، أول‏ ‏ممثل‏ ‏سينمائي‏ ‏مصري.

وفي عام 1918، قامت الشركة ذاتها بإنتاج فيلم «شرف البدوي»، مدته 35 دقيقة، وظهر فيه محمد كريم، في دور عسكري بوليس، وتم عرض الفيلم في سينما «شانتكلير» بالإسكندرية.

- برسوم يبحث عن وظيفة

وفي عام 1923، تم إنتاج أول فيلم مصري روائي صامت متاح لنا، وهو فيلم «برسوم يبحث عن وظيفة»، من تأليف وإخراج وتصوير محمد بيومي.

«برسوم يبحث عن وظيفة» مدته 16 دقيقة، وقام ببطولته بشارة واكيم، عادل حميد، فيكتوريا كوهين، فردوس حسن، عبد الحميد زكي، محمد يوسف، وسيد مصطفى.

- قصة الفيلم

هو فيلم كوميدي اجتماعي صامت قصير، تبدأ أحداثه بمطالعة «الشيخ متولي» الصحف «التي لا تكلفه أي ثمن، ويستعين بها على مقاومة الجوع الذي لا بد منه»، بينما هناك صديقه «برسوم» الذي يضع على منزله لافتة مكتوبا عليها عبارة «بني آدم فاضي للإيجار ولو باللقمة»، تعبيرًا عن البؤس المجتمعي آنذاك، لكن في إطار كوميدي، كي يخفف من وطأة الحالة الاقتصادية السيئة التي يعرضها.

تدور أحداثه بين الترابط بين المسلمين والمسيحيين، حيث صديقين أحدهما مسلم «بشارة»، ويُدعى «الشيخ متولي»، والآخر مسيحي «عادل حميد»، ويُدعى «برسوم»، والإثنان عاطلان ويبحثان عن وظيفة، ويعانيان من الجوع، ويتنافسان في الحصول على وظيفة بأحد البنوك.

عن طريق الخطأ يدعوهما مدير البنك إلى غداء فاخر بمنزله ظنًا منه أنهما من رجال الأعمال الأغنياء، لكن بعدما علم بحقيقة بحثهما عن عمل قام بطردهما من منزله، مستخدمًا ذلك ليوضح الفرق بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع المصري في تلك الفترة، وفي ختام الفيلم بينما كان الصديقان مستغرقين في النوم على أحد الأرصفة بعد الوجبة الدسمة، قبض عليهما شرطي لينتهي الفيلم بذلك.

- عن الفيلم

في بداية الفيلم كُتبت عبارة «برسوم يبحث عن وظيفة، روائي قصير، أول فيلم مصري يقوم مصري بتصويره وإخراجه، ديسمبر 1923»، بالعربية والإنجليزية والفرنسية.

ينما تشاهد الفيلم لا تسمع خلاله صوتًا إلا «كُحة» سُجلت في الثواني الأولى من الفيلم، وذلك نظرًا لعدم وجود مونتاج وتكنولوجيا حديثة في التصوير في ذلك الوقت تستطيع حذف «كُحة» المصور التي وُثقت عن طريق الخطأ.

أيضًا، يلاحظ من يشاهد الفيلم أن صورة سعد زغلول تتوسط عدة مشاهد بالفيلم، كما أن العبارات المنتشرة على جدران البيوت توضح مدى ارتباط المصريين بثورة 1919.

واستعان مخرج الفيلم بعبارات مكتوبة بين المشاهد، يشرح بها في بعض الأحيان تطورات الأحداث، وفي أحيان أخرى يعلق على المشهد بشكل ساخر، وفي مرات ليوضح شعور شخصياته في تلك الأثناء.

- بطل الفيلم

أما بطل الفيلم هو بشارة واكيم، ممثل ومخرج مصري، مواليد 5 مارس 1890، وفاته كانت في 30 نوفمبر 1949، مولود بالفجالة بالقاهرة، واسمه الحقيقي هو بشارة يواقيم، بدأ مشوراه الفني عضوًا في فرقة عبد الرحمن رشدي، ثم عضوًا في فرقة جورج أبيض، ثم فرقة رمسيس مع الفنان المصري يوسف وهبي، ثم كوّن فرقة فيما بعد، وشارك في أكثر من 100 فيلم.

«بشارة» كان يقتنع بأن «من يُريد أن يتثقف في اللغة العربية يجب أن يحفظ القرآن ويفهم معاني آياته»، لذا حفظ القرآن الكريم ليتعلم اللغة العربية على الرغم من أنه مسيحي، كما طالع كتب التفسير وترجم العديد من الروايات الأدبية الفرنسية إلى العربية.

- مخرج الفيلم

المخرج والمصور والمؤلف والممثل والمنتج المصري محمد بيومي، الذي وُلد بمدينة طنطا عام 1894، تخرج فى المدرسة الحربية عام 1915، ثم اتجه للمجال الفني بعد ثورة 1919، وشارك في تأسيس فرقة «وادي النيل» مع بشارة واكيم، ثم سافر إلى إيطاليا ثم النمسا، حيث حصل علي دبلوم في التصوير الضوئي والسينما توغرافي من حكومة النمسا ومعه معدات ومعمل تصوير سينمائي، وكان أول فيلم وثائقي له هو «عودة سعد زغلول من المنفي»، عام 1923، والذي قدّم خلاله أيضًا «برسوم يبحث عن وظيفة»، وشارك بعدها في العديد من الأعمال من أبرزها «ليلة في العمر، ليلى البدوية، الباشكاتب»، وافته المنية عام 1963 بالإسكندرية.

ويُغفل البعض دور «بيومي»، واضع إرهاصات الفيلم المصري، والذي يُعد المؤسس الحقيقي للسينما في مصر والعالم العربي، ووفقًا لكتاب «محمد بيومي الرائد الأول للسينما المصرية»، للمؤلف محمد كامل القليوبي، فإن «برسوم يبحث عن وظيفة» هو أول فيلم روائي قصير يصوره ويخرجه ويكتب له السيناريو ويحمضه وينتجه ويطبعه مصري، وهو محمد بيومي.

شارك الخبر على