علي الحجار.. رحلة صاحب الحنجرة الذهبية من صبي مكوجي لموسوعة جينيس

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

علي الحجار.. صاحب الحنجرة الذهبية، والروح النابضة المليئة بالشجّن، أصرّ على الخروج من القوالب الموسيقية الركيكة، وتمرد على كل ما هو تقليدي بصوته القوي العذب الدافئ، وكلماته النوعية المتميزة، واختياراته الدقيقة، فلوّن المعاني بأحاسيس راقية وواعية لما تقول، ونسّج فضاءً شاسعًا يحتله وحده، راسمًا صورة موسيقية خاصة به بكل تفاصيلها، ولولا أنه لا يمتلك عقلية إدارية بما يكفي لإدارة مشروعه الغنائي لاحتل مكانة أخرى أكثر جماهيرية وحضورًا ونجاحًا.​

النشأة

وُلد بحي إمبابة بالقاهرة في 5 أبريل عام 1954، لأسرة صعيدية الأصل من بني سويف، تعلم الموسيقى من خلال والده إبراهيم الحجار المطرب المعتمد بالإذاعة المصرية، وحينما تم فصله، قام الطفل ابن العشرة أعوام، بإرسال خطاب للرئيس جمال عبد الناصر يعرض به مظلمة والده، إلا أنه لم يتلق الرد، ليجد الأب نفسه دون عمل أو مصدر رزق كاف له ولأسرته، التي واجهت بصبر ما تعرضت له، وقرر علي أن يعمل، وهو صغير السن كـ"صبي مكوجي"، قبل أن تكتشف والدته الأمر وتوبخه، وكان يرسم الصور الشخصية بالقلم الفحم للحلاق والبقال وصاحب محل الخردوات بقروش قليلة، حيث كان يمتلك موهبة الرسم التي ورثها أيضًا عن والده، واستمر الوضع لفترة طويلة حتى التحق بكلية التجارة انصياعًا لرغبة أبيه، إلا أن "علي" لم يستطع الاستمرار، ثم انتقل لكلية الفنون الجميلة.

بداية المشوار

أثناء دراسته التحق بفرقة التخت العربي لإحياء التراث، وكان يتقاضى مرتبًا شهريًا أعانه على متطلبات الحياة، وبدأت حكايته مع حسين الأتربي، الرجل الذي كان يهتم بالمواهب الشبابية ويدعمها، وترك في نفسه أثرًا كبيرًا، وظل تحت رعايته وآخرين حتى سأل كلًا منهم لمن تحب أن تذهب من الملحنين، فاختار الحجار أحد أبرز المجددين في الموسيقى والغناء العربيين بعد ثورة يوليو 1952، وهو محمد الموجي، وبالفعل أرسله الأتربي له بشيك قدره ألف جنيه عام 1975 كـ"عربون" تعاون، لكن الموجي رفض، وقال له: "قول لحسين بيه الحكاية مش فلوس، الحكاية قناعة ولازم أسمعك الأول وأشوف ينفع ألحن لك ولا لأ"، وهو ما حدث وأُعجب به الموجي وتعامل معه، ثم شاهده الموسيقار الراحل بليغ حمدي، وهو يغني في حلقة من برنامج الموسيقى العربية، الذي كانت تقدمه الدكتورة رتيبة الحفني، وتبناه فنيًا، حتى انطلق بأغنية "على قد ما حبينا" في حفل ليلة رأس السنة عام 1977، ثم تعاون مع الشاعر عبد الرحيم منصور، الذي كتب أغاني الشريط الأول، ثم توالت أعماله.

اقرأ أيضًا.. محمد الموجي.. صانع عمالقة الغناء الذي سرق عبد الوهاب لحنه وحاكمته أم كلثوم

الحجار والموجي

الرباعيات

حلمًا كان يراود الحجار منذ الصغر وها هو يُحققه في مرحلة جديدة للمطرب الشاب؛ فبعدما وقع عقد احتكار مع بليغ حمدي، ولأن الأخير موسيقار وفنان كبير، وافق أن يُغني الشاب رباعيات صلاح جاهين من ألحان سيد مكاوي رغم العقد الموقع، وكان مكاوي رافضًا بشدة أن يتغنى أحد بالرباعيات غيره، لأنه لحنّها لنفسه، لكن بعد إلحاح من جاهين، حدد له موعدًا وذهب له، وبدأ يغني أمامه، وكلما يسمع رباعية يقول له: "إيه ده يا واد.. برافو"، وعندما نزل الشريط السوق لم يحقق ربحًا، لكنه اشتهر فيما بعد عن طريق شباب الجامعة.

اقرأ أيضًا.. تأخر إنجابه 12 عاما واكتأب بسبب «ناصر».. أزمات في حياة صلاح جاهين

الغناء الرومانسي

غنى لعدد كبير من الشعراء، أمثال محمود درويش، صلاح جاهين، فؤاد حداد، سميح القاسم، إبراهيم عبد الفتاح، وجمال بخيت، وكذلك عدد كبير من الملحنين الكبار، أمثال محمد الموجي، بليغ حمدي، سيد مكاوي، كمال الطويل، صلاح وفاروق الشرنوبي، محمد علي سليمان، وجمال سلامة وغيرهم، ولا يمكن التغافل عن مرحلة غنائه الرومانسي من ألحان الموسيقار عمر خيرت، والتي بلا شك كانت ضمن الأفضل في مشواره الفني، وقدما معًا عددًا كبيرًا من الأعمال الغنائية الجيدة، بعدما استطاع خيرت أن يكتشف فيه جانبًا جديدًا، وظهر ذلك من خلال أغاني منها "زي الهوا، مطر، مسألة مبدأ، عارفة".

اقرأ أيضًا.. سيد مكاوي.. جمع بين التلحين والغناء ليُصبح «شيخ الملحنين»

التترات.. واللون الصعيدي

يعد الحجار من مؤسسي فكرة الغناء في مقدمات ونهايات المسلسلات وذلك بدءًا من غنائه مقدمة ونهاية مسلسل "الأيام" عام 1979، مع عمار الشريعي وسيد حجاب بترشيح من يحيى العلمي، ثم مسلسل "النديم" عام 1982، ثم "الشهد والدموع" عام 1983، ثم "غوايش" عام 1986، وفي نفس العام "أبو العلا البشري"، حتى صار أشهر الأصوات التي غنّت تترات مسلسلات هي الأهم في تاريخ الدراما المصرية، ومنها "المال والبنون، بوابة الحلواني، السيرة الهلالية، حدائق الشيطان".

ورغم مئات الأغاني التي قدّمها الحجار، خلال مشواره الفني، واحتوت كل ألوان الغناء باستثناء الشعبي لأنه لا يُجيده؛ إلا أن تطرقه للون الصعيدي، كان له مذاق خاص، ودائمًا كان صاحب قدرة فائقة على الغناء هذا اللون، وارتبط ذلك بغنائه لتترات العديد من الأعمال التليفزيونية، ففي مسلسل "ذئاب الجبل" يقدّم مفهوم حياة الجبل في الصعيد بصوته المعبر، بكلمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، وألحان الموسيقار الدكتور جمال سلامة، وتجهه يُردد بحزنه وشجنّه المثل الصعيدي "قلبي على ولدي انفطر، وقلب ولدى علي حجر" في المقدمة الغنائية لمسلسل "الرحايا"، للفنان الراحل نور الشريف، بينما يمتزج صوته بكلمات الشاعر الكبير سيد حجاب، ويُغني بوجع "يا بوي ع الليل وأخره لما بتصحى جروحي، حمل وما قادرش أتاخره عني وهتوج روحي"، مُقدّمًا لنا واحدة من أروع وأفضل الأغاني الصعيدية وأكثرها تعلقًا في أذهان الملايين من خلال تتر مسلسل "الليل وأخره" للفنان يحيى الفخراني، مع ألحان وتوزيع الموسيقار الكبير ياسر عبدالرحمن، ويطل علينا بثوبه الصعيدي مجددًا في أغنية مسلسل "شيخ العرب همام" من كلمات الأبنودي، وألحان الكبير الراحل عمار الشريعي.

الغناء السياسي

لا يرى الحجار نفسه مطربًا سياسيًا مثل مارسيل خليفة أو الشيخ إمام، ولأنه أحب بلده أكثر من والدته وزوجته وأولاده ويراها "حلوة الحلوات"، سجّل مواقفه بالغناء في كل الأحداث السياسية التي عاصرها منذ حرب الخليج وحتى انتخابات الرئاسة 2018، وشارك في العديد من احتفالات نصر أكتوبر، ومن أغانيه "لم الشمل، متغربناش، هنا القاهرة، أنا المصري"، وآخرها "الرهان عليك".

اقرأ أيضًا.. الشيخ إمام «صوت الثورة»| اتهمه الشيخ زكريا بالسرقة وحبسه عبد الناصر وثار مع نجم

اللايف

غناء الحجار في الحفلات و"اللايف" يمنح الحضور شعورًا مختلفًا، مطرب يُردد كلمات هادرة قفزت كل السدود والحدود، مع لحن مختلف يسكن قلوب عاشقيه، ثم يتوجه بأداء مبهر وحنجرة ذهبية بالفعل، تجدها في أحيان كثيرة أقوى من أدائه في الأغنية الأصلية، ويحرص على تقديم حفلات بصفة منتظمة في ساقية الصاوي منذ 10 سنوات.

التمثيل

بجانب موهبته الغنائية الفريدة، شارك الحجار أيضًا بالتمثيل في كثير من الأعمال الفنية مثل مسلسلات "ألف ليلة وليلة، الباقي من الزمن ساعة، وياسين وبهية"، وأفلام "المغنواتي، أنياب، أبواب الشر، الفتى الشرير"، كما شارك في مسرحيات مثل "حرامي واثنين لصوص، منين أجيب ناس، والفرسان الثلاثة".

الملاهي الليلية

في مارس 2010، كشف خلال برنامج "اللعب مع الكبار"، مع الإعلامية بسمة وهبى، أنه أدمن الخمور في بداية الألفية، وأوضح سبب إقلاعه عن الإدمان عندما رأى والده يعاتبه في المنام فقرر أن ينتصر لنفسه ويقاوم ملذاته، بعدما كان دائم الشعور بأن عقله مرتبك ويعاني من فقدان الثقة في النفس ولا يستطيع الغناء إلا وهو شارب الخمر.

غنى في أحد الملاهي الليلية بشارع الهرم، حينما مرّ بضائقة مالية وأصبح مهددا بالسجن لتهربه من الضرائب ووقوفه في قفص الاتهام وسط المجرمين واحتياجه لمبلغ 160 ألف جنيه، وقتها قرر التنازل عن مبدأه وقام بالغناء في الملهى الليلي بالإضافة إلى غنائه أغنية خاصة بصوته لإحدى الأميرات مقابل مبلغ 20 ألف دولار.

اقرأ أيضًا.. فنانون اتهموا بالتهرب الضريبي.. محمد رمضان مجبر على دفع 9 ملايين جنيه

الزواج

تزوج خمس مرات وأنجب 7 أبناء منهم ثلاث فتيات وأربعة شباب، وأن جميعهم لديهم مواهب مختلفة مثل الرسم والغناء، ولكنهم لا يريدون الاحتراف، واكتفى ولده أحمد الحجار بأن يحترف الغناء ويقوم بإحياء حفلات في القاهرة بعد أن درس في معهد الموسيقى العربية.

اقرأ أيضًا.. أحدث جيل لأبناء الفنانين في التمثيل.. ابنة رانيا يوسف تشاركها فيلمها الجديد

التكريمات

حصل الحجار على جائزة أفضل مطرب في عام 2006 بمهرجان شرم الشيخ للفيديو كليب عن أغنية "الليل يا ناس"، كما حصل على تكريم من مهرجان الموسيقى العربية الخامس عشر عن مختلف أعماله الموسيقية، وشارك ملك الأوبرا بلاسيدو دومينجو، في دويتو بعد اختياره له من بين كل المطربين العرب لمشاركته، وأطلق عليه لقب "الحنجرة الذهبية"، وينتظر الحجار في عام جديد من حياته أن يدخل موسوعة جينيس، فهو المطرب الوحيد بالعالم الذي قدّم 5 آلاف أغنية، وهو رقم ضخم للغاية، وآخر ألبوماته صدر عام 2017 تحت عنوان "ما تاخدي بالك".

ولا شك أن علي الحجار، صاحب صوت يفتخر به الفن المصري، ويعشقه "السميعة"، صوت طالما عرّف صاحبه كيف يُشكله كما يُراد، فهو خامة واسعة تسع جميع الألوان، وما زالت قادرة على إمتاعنا، وستظّل.

شارك الخبر على