المصباح النسائي.. (٢)

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

هي رائعـة.. إذا ظهرت مقهورة.. مظلومة.. ضعيفة.. سيئة.. مستسلمة.. سلبية.. صبور.

وهي مروعة.. إذا اتسمت شخصيتها بسمات الحسم.. والإرادة.. واستقلالية الفكر.. والنشاط الفعال.

وهي جميلة.. إذا أسدلت على فكرها وتفكيرها حجابا مستورا ومسطورا.

وهي مرفوضة.. إذا تحدثت بصراحة، وكاشفت وانكشفت عقلا مفكرا.. وتطاير منها شرر الكبت كإنسان.

وهي نور.. يلف حولها الرجل كفراشة ويحوم حولها مرفرفا بجناح النسر فيه.

وهي نار.. يستأنس بلهبها (أبو لهب) الذي لا يزال حيا.

وهي إذا اخترقت.. احترقت.. 

وهي مثل الدنيا.. إذا ابتلت بلت.. وإذا أدبرت برت.. وإذا كست أوكست.. وإذا جلت أوجلت.. وإذا حلت أوحلت.. 

وإذا.. وإذا.. وإذا.. 

 تلك هي صورة المرأة التي تتحرك على شاشات وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة، بكل الخطوط الفكرية، والأدبيات الفقهية، والصور الأدبية والفنية.

وقبل أن نفكك هذه الصورة.. ينبغي أن نتوقف الآن أمام حكاية (8 مارس).. 

ماذا يعني 8 مارس كيوم عالمي للمرأة؟

من الذي جعل هذا اليوم مناسبة دولية؟

ما أهميته؟ من أين بدأ.. وانطلق؟

تقول ذاكرة التاريخ المعاصر إن هذا اليوم يعود إلى بدايات القرن العشرين، حيث شهدت أمريكا، وأوروبا (الغربية) آنذاك، طفرة صناعية هائلة. وقد اقتضى منطق الربح الرأسمالي التوسع الصناعي لسد احتياجات هذه النهضة، والبحث عن قوة عمل رخيصة حتى يتعاظم فائض القيمة، ومن هنا برزت قوة (عمل النساء) والأطفال (في سوق العمل الرأسمالي)، حيث كان أسهل على أصحاب العمل اضطهادهن في شروط العمل وذلك لوضعهن الأدنى في الأسرة والدولة.

وهكذا ارتبطت حركة النساء التحررية في العصر الحديث، بحركة العمال ضد الاستغلال الرأسمالي، وتجسدت حركة النساء حينئذ في ظهور أول صحيفة نسائية للحركة، اقتراحات الاشتراكية باسم المساواة، ورأس تحريرها فرديريك إنجلز عام 1890، كانت هذه الصحيفة منبرا حرا، يدعو النساء العاملات للتوحد في كل البلدان الرأسمالية، وضرورة دخولهن في النقابات والأحزاب والتكتلات العمالية.

قادت الدعوة المناضلة الألمانية (كلارا زيتكن) التي أخذت مسئولية الصحيفة بعد إنجلز، امتد تأثير كلارا إلى روسيا القيصرية، حيث كان للنساء مساهمة لا تنكر في إسقاط القيصر. وإلى كلارا زيتكن، يعود الفضل في تخصيص يوم عالمي للمرأة، حيث اقترحت هذا الأمر عام 1907 في أحد المؤتمرات النسائية.

وحدث في يوم 8 مارس 1908 أن أعلن آلاف العاملات في مدينة نيويورك الإضراب ضد شروط العمل المجحفة، وساعات العمل الطويلة، "وصلت إلى 14 ساعة يوميا" وانخفاض الأجور في صناعة النسيج.

سارت النساء في مظاهرة ضخمة، تقدمتهن النساء اللائي يرضعن أطفالهن. امتدت المظاهرة ساعات طويلة، والنساء على أقدامهن دون طعام أو شراب أو راحة، وما كان من البوليس إلا أن تدخل بالضرب، وبخراطيم المياه الباردة، دون اعتبار للأطفال، أو مراعاة لظروف البرد القارس.

وقد انضم عدد كبير من العمال الرجال إلى مظاهرة النساء، وفي النهاية، استجاب أصحاب العمل لبعض المطالب، بعد سقوط عدد كبير من الضحايا نتيجة الاعتداء والإرهاق. 

واختارت كلارا زيتكن يوم 8 مارس ليكون يوما عالميا للمرأة، تضامنا مع هؤلاء النساء، وقد احتفل لأول مرة بـ8 مارس عام 1911 واتخذ شرعيته أكثر من (لينين)!

وأصبح 8 مارس رمزا لتقدير الجهد النسائي الذي لا يهدر، في أي مكان كان، ورمزا للعمل المشترك الذي يوحد النساء بصرف النظر عن حدود الجغرافيا، والتاريخ، واللغة، والديانة، وهو أيضا رمز للتضامن بين النساء، والرجال الذين يؤمنون أنه لا تجزئة، ولا مساومة، فيما يتعلق بقضايا الحرية والكرامة والعدالة.

هكذا بدأ 8 مارس واستمر ليصحح الفكرة الشائعة أن قضية المرأة قضية خيرية هامشية، تناقش في الصالونات المغلقة للتسلية، أو الشهرة، وهي ليست قضية تتخذ كحلية اجتماعية تتجمل بها النساء، وليست أيضا قضية إباحية أخلاقية أو قضية عداء للرجال.

إن قضية المرأة في ضوء 8 مارس، قضية سياسية، اقتصادية، ثقافية، تهدف إلى تحرير طاقات النساء على الفكر والنقد والعمل والإبداع، في ظل نظام سياسي ينبذ التفرقة العنصرية والتعصب الأبوي.

وهذه الدعوة تجد لها أصداء لدى الكاتبة العربية، فمثلا تقول إحداهن: نحن النساء العربيات علينا أن نجدد معنى 8 مارس، بالتعرف على خصوصية المخاطر التي تهدد تحرك النساء في منطقتنا العربية. علينا فضح أشكال القهر الواضح، والمستتر الذي يمارس ضد النساء، مرة باسم الطبيعة الأنثوية، ومرة باسم الدين، ومرة باسم مصلحة الأسرة، علينا تبديد الخرافات التي تتشكك في قدرات المرأة العقلية والإبداعية.. وهذا غير ممكن دون غربلة الخطاب التراثي الذي يتغلغل في النفوس، ويخلق بدوره منظومة محكمة من التقاليد ذكورية التوجه، تحد من حركة المرأة في العمل، والسفر، والتفكير، واكتشاف قدراتها المسجونة آلاف السنوات.

هذه هي قصة 8 مارس.. 

ترى.. لماذا تتخذه المرأة العربية مرجعية عرفية ومعرفية وجمالية؟

هل قرأت بنود (المانفيستو) الغربي الذي يرى أن وحدة المرأة سواء بقي الاسم أو تغير يجب أن يكون شعاره رؤية للمساواة في القرن الحادي والعشرين، أساسها أن الجنس لم يعد هو الذي يؤثر على الكسب، وتطالب البنود أن تكون قوانين المساواة راسخة وواضحة وعملية وتقدم الحماية للنساء والرجال والفتيات والفتية من جميع الأجناس: تطبيق مبدأ إجازة الوضع على كل من الأب والأم.. مراجعة الأجور للرجال والنساء.. إعطاء العقود الحكومية لشركات القطاع الخاص التي تطبق مبدأ المساواة.. التصريح لوحدة المرأة في رفع قضايا باسمها. تغيير قانون الانتخابات ليعطي فرصا أكبر للمرأة.. الإعلان عن جميع الوظائف العامة لتعطي الفرص للجميع.

ترى.. هل لدى المرأة المسلمة هذه العذابات الأوروبية والأشواق الغربية، التي لا تزال مشتعلة منذ مائة عام أو يزيد.. ولم تنطفئ حتى الآن.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على