غواية القراءة عذابات الإنسان كثيفة جداً تشبه الظلام.. ولا بد من كتابتها

حوالي ٦ سنوات فى المدى

 علي حسين
"إقرأ. إقرأ أي شيء .إقرأ الاشياء والتي يخبرك الآخرون إنها مفيدة لك ، والأشياء التي يزعمون إنها تافهة ، ستعثـر على ما تحتاج العثور عليه .إقرأ فحسب"نيل جايمانعندما كنت أعمل في مكتبة ، كان الزبائن يسألونني باستمرار هل قرأت هذه الرواية ؟ إلا أن السؤال الأصعب كان ما رأيك بهذه الرواية ، وهل هذه النسخة جيدة أم أن هناك نسخاً آخرى أفضل ، كانت جين أوستن تحتفظ بأكثر من طبعة من كل كتاب وتقول لمن يسألها : إن الكتب اشبه بالورود في الحقل ، لاتوجد وردتين متشابهتين . في روايتها كبرياء وهوى تُظهِر أوستن شغفها بالكتب ، مؤكدة على أهمية المكتبة في حياة الإنسان ، ونقرأ على لسان السيد بنغيلي :" برغم إنني لا أملك الكثير من الكتب ، إلى انني أملك منها أكثر بكثير مما قرأت في حياتي " .قبل أشهر ، أعدت قراءة رواية " البؤساء " ، ولسنوات عديدة كانت هذه الرواية ترافقني ، ورغم فهمي للكتاب تغير بمرور الزمن ، فعندما كنت في طور المراهقة ، قرأت البؤساء للمرة الاولى . كانت الكتب مهمة بالنسبة لي في ذلك الوقت ، ولأن الرواية سحرتني منذ الصفحات الأولى ، قررت أن أضعها بين كتبي المدرسية ، وأقرأ ما تبقى منها أثناء فترة الاستراحة . واليوم دائما ما أسأل نفسي : ترى ماذا أضافت القراءة إلى حياتي ؟ لقد منحتني فرصة كي لا أكون وحيداً . منذ سنواتي الأولى في القراءة ، كانت أمنيتي أن تكون لي مكتبتي الخاصة ، وأن امتلك الكتب التي أسمع الأخرين يتحدثون عنها ، سواء قرأتها أم لم أقرأها ، وعندما أدخل اليوم إحدى المكتبات ، أشعر أن كل الكتب تطلب مني أن أخذها معي إلى البيت . قرأت مؤخراً مقالاً للفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار تتحدث فيه عن الكتب تقول فيه :" كنت أقرأ كثيرأ حين كنت في الثالثة عشرة من عمري ، وكنت أقتني الكتب بسذاجة وهوس ، وإذا ما فتحت كتاباً ، دخلت في عالم حقاً ، عالم عينيّ ، زمني ، عامر بالوجوه والأحداث الفريدة ، وإني لا أزال أذكر الدهشة المدوخة التي كانت تستولي عليّ في اللحظة التي كنت أطبق فيها الكتاب ، سواء كانت رواية أو بحثاً فلسفياً ، وبعد أن أكون قد تصورت الكون من خلال اسبينوزا او كانط ، أتساءل كيف يمكن للإنسان أن يكون خفيف العقل بما فيه الكفاية ليكتب روايات . لكن حين تعرفت على جان فالجان كان يخيل إليّ أن من العبث أن يضيع الإنسان نفسه في النظريات الفلسفية ، وهو يجد الحقيقة مجسدة في كل ما كتبه فكتور هيجو ، أين هي الحقيقة ؟ على الأرض أم في النظريات ؟ كنت ممزقة " . في مكتبتي اليوم ، الرفوف تئن تحت ثقل أنواع الكتب وصنوفها ، ومنها كتب مكررة ، أقتنيتها لمجرد إعادة ترجمتها أو طباعتها أو اختلاف نوع الورق ، لكني لا أستطيع التفريط بها لأنها تشكل جزءاً من ذاكرتي ، في كتابها " القراءة الجامحة " تكتب دونالين ميلر :" عند اختيار الكتب نسترجع عمراً بأكمله من خبرات القراءة ، أو محيطنا من أصدقاء القراءة الثقات ، أو نصائح لنقاد ، وهي تجربة ناجحة ، فنحن نادراً ما نقرأ كتاباً لانستمتع به ، أو على الأقل نقدره ، ولهذا يبدو عليّ الانزعاج أمام فكرة التخلص من الكتب الزائدة " .كانت مكتبة فكتورهيجو تضم آلاف الكتب ، خصص لها طابقاً كاملاً في منزله الكبير ،ويكتب في يومياته : " في صباي كنت ألتهم الكتب إلتهاماً أينما أجدها " . وفي هذه المكتبة زاره غوستاف فلوبير ، الذي يكتب رسالة لوالدته " : أخيراً استمتعت برؤية فكتور هيجو عن قرب ، فحدقت به مشدوهاً ، كما أحدق في إناء مملوء بملايين الجواهر الكريمة ، متأملاً كل صغيرة وكبيرة تصدر عن هذا الرجل الذي يجلس بجواري على مقعد صغير ، مدققاً النظر في يده اليمنى التي كتبت كل الروائع الجميلة قائلاً لنفسي هذا الرجل الذي جعل قلبي ينبض أشد نبض عرفته منذ ولِدت ، والذي أحببته أكثر من جميع مَنْ لم أعرف " .مرة سئل أندريه جيد : من كاتبك المفضل ؟ فأجاب : هيجو .. للأسف .************انا ! من انا ؟ او كيف ادعي ، وحدها صفحات الكتب تدريفكتور هيجو في الخمسين من عمره أصبح فكتورهيجو لاجئاً سياسياً – ولد هيجو في السادس والعشرين من شباط عام 1802 – لقد سجن ولداه ، وانزوى في غرفة بمدينة بروكسل البلجيكية يكتب من الصباح الى المساء، في اندفاع وحماس مقالات في السياسة والاجتماع ، ويضع مخططاً لرواية جديدة ، كان البيت اشبه بالقبو مثلما كانت تسميه ابنته أديل ، إلا أن هذا القبو سبب القلق للحكومة الفرنسية التي طالبت بلجيكا ان يُرحل عنها ، فركب إحدى السفن التي نقلته إلى جزيرة جرنسي ، ليستقر فيها ويبدأ التخطيط لكتابة روايته التي ستجلب له المجد والشهرة " البؤساء " . يكتب جوزيه ساراماغو :" لو كان جان فالجان لصاً كبيراً لما كان موضوع رواية، بل لكان ظل موضوع تقرير شرطة عادياً. إلا أنه هنا قضية إنسانية لا مجرد بطل رواية أو حكاية، يتنقل مظلوماً في عالم من الفقراء والبؤساء والأيتام المشردين الذين لا ذنب لهم، يتفرج عليهم المجتمع دون أن يراهم" .في مقدمة البؤساء يكتب هيجو :" ما دام هناك ، بفعل القوانين والعادات ، حكم اجتماعي دائم ، يخلق اصطناعياً وفي صميم الحضارة ضروباً من الجحيم ، ويؤزم بقدر إنساني مصطنع القدرالإلهي .. ما دامت مشكلات العصر الثلاث ، حيث تدهورت قيمة الإنسان في الطبقات الدنيا ، وسقوط المرأة بفعل الجوع ، وهزال الطفل بفعل الجهل ما دامت هذه المشكلات باقية لاتحل .. فسيبقى البؤس وستكون القوانين مسببة للهلاك الاجتماعي " يخبرنا أراغوان في مقاله الشهيرعن هيجو ، إن كتابة رواية البؤساء استمرت أكثر من ثلاثين عاماً حيث بدأ يخطط للرواية عام 1828 ، حيث يدون في يومياته هذه العبارة :" الحرية سوف تشع من فرنسا، سيراها الجميع لا محالة، عدا فاقدي البصر" . وفي عام 1848 ينهي كتابة النسخة الأولى وكانت بستمائة صفحة ، إلا أن الأوضاع في فرنسا تمنعه من نشرها ، وفي المنفى ومن قبوه الرطب يقرر إعادة كتابتها لينجز النسخة الثانية التي تجاوزت عدد صفحاتها الثلاثة آلاف صفحة حيث ينتهي منها عام 1860 .كانت الفكرة الأولى التي راودت هيجو هي كتاب عن الفقر والظلم الذي تتعرض له الطبقات المسحوقة ، وبدأ بكتابة الفصل الأول من الكتاب ، لكنه قرر في النهاية أن يحول الكتاب إلى رواية اجتماعية يبحث من خلالها ظلم العقوبات التي يفرضها القانون الأعمى ، كان قبلها قد كتب رواية " آخر أيام محكوم عليه بالإعدام ، وقصيدة الفقراء . إلا أنه في البؤساء أراد أن يقدم شخصيات من واقع الحياة ، حيث نجد أنفسنا مع حكاية تبدأ أحداثها مع إطلاق سراح جان فالجان، الذي قضى تسعة عشر عاماً من حياته في السجن، خمسة منها لسرقته خبزاً لأخته وأطفالها الجائعين، والباقي عن محاولاته الهرب. بعد خروجه، يلتقي برجل دين يدعى ميرييل، الذي أخذ هيجو شخصيته من رجل دين حقيقي يدعى " القس موالي " وقد نشرت الصحف آنذاك حكايته مع سجين كانت تطارده الشرطة فقرر القس موالي أن يساعده ويرعاه ، والفرق الوحيد هو أن السجين الحقيقي لم يسرق آنية الكنيسة كما سرقها جان فالجان في رواية البؤساء .تدور رواية البؤساء حول بطلين متناقضين : جان فالجان الخارج من السجن ، والخاضع لمراقبة الشرطة ، وجافير رجل الشرطة الذي يمثل القانون .. جان فالجان الذي يستلم بطاقة هوية صفراء خاصة بالمشبوهين ، يجد نفسه محاصرا بنظرات الناس وشكهم ، ليلتقي في النهاية برجل دين يعطف عليه ، وحين يسرقه وتقبض عليه الشرطة ، يخبرهم القس إنه أهداه الآنية الفضية ، يتأثر جان فالجان بشخصية القس ، فيقرر أن يغير اسمه ويبدأ حياة جديدة ، وتمضي السنوات ، ليغدو من أثرياء المدينة وأصحاب الأملاك، ثم يُنصبه أهل البلدة عمدتها، لكن الضابط جافيير الذي يعرفه منذ فترة سجنه لم يقتنع بأنه أصبح شخصاً أفضل ويحاول الإيقاع به، حتى اضطر إلى تسليم نفسه لحماية شخص بريء اتهمه الضابط بأنه جان فالجان، ليهرب من السجن ويعيش ما تبقى من حياته طريداً. واجه فالجان خلال سبعة وثلاثين عاماً ـــ المدة التي تستغرقها الأحداث ـــ قوتين: قوة القانون والدولة، وقوة الخارجين عن السلطة، غير أنه ينتصر على القوتين بصبره وقوة إرادته وإيمانه بالحق، مثلما انتصر فكتور هيجو على المنفى لينتهي من روايته عام 1861 ، حيث يقدم ناشر بلجيكي عرضا مغريا ثلثمائة ألف فرنك ، مقابل استغلال حقوق النشر لمدة اثني عشر عاما ، وهو مبلغ لم يحصل عليه هيجو من قبل . كانت عدد نسخ الطبعة الاولى خمسة آلاف نسخة بيعت بعد ثلاثة ايام ، ليقرر الناشر ، ومع تزاحم الناس على شراء الرواية أن يطبع مئة ألف نسخة ، وما أن تصل النسخ الى باريس حتى يكتب عنها الروائي والناقد تيوفيل غوتيه إنها :" ليست رواية جيدة ، وليست رواية رديئة ، فهي ليست من خلق انسان ولكنها ظاهرة من ظواهر القوى الطبيعية .. إنها ملحمة في النقد فيها دفعة المحيط ولها عمقه .. انها حمم تتدفق فتبرز تماثيل بالغة الضخامة وتتوهج نيرانها " .ترجمت رواية البؤساء الى العربية أول مرة عام 1901 ، من قبل الشاعر حافظ إبراهيم ، والغريب إنه ترجمها وهو منفي في السودان ، بعد أن طُرد من الجيش بتهمة تحريض الجنود على القيام بثورة ضد الانكليز ، وقد نشر الجزء الاول من الرواية عام 1905 ، يكتب في مقدمة الرواية : " هذا كتاب البؤساء وهو خير ما أُخرج للناس في هذا العهد وضعه صاحبه وهو بائس ، وعربه معربه وهو بائس ، فجاء الأصل والتعريب كالحسناء وخيالها في المرآة ، وضعه نابغة شعراء الغرب وهو في منفاه ، وعربه كاتب هذه الأسطر وهو في بلواه " .يكتب فكتور هيجو في يومياته :" من بين الكتب المتعددة التي كانت موجودة في ساحة عملي وأنا أكتب البؤساء ، فإن الكتاب الذي كنت أمعن النظر فيه كثيراً ، وأشغل نفسي به بشغف هو كتاب جان جاك روسو ، في العقد الاجتماعي ، إن روسو في هذا الكتاب أحرق كل شيء " .يركز هيجو على موضوعة القانون التي طرحها روسو في كتابه والتي كان يريد من خلالها أن يؤكد إن للقانون وحده يعود الفضل في العدل والحرية ، وهو وحده الذي يجعل الناس أحراراً ، يكتب روسو :" إن المشكلة الكبرى في السياسة ، وهي المشكلة التي أقرِنها بتربيع الدائرة في الهندسة .. إيجاد شكل من الحكم يضع القانون والإنسان في مرتبة واحدة " ، ويعلق هيجو إن القانون لايمكن أن يكون تعبيراً عن إرادة تعسفية .في العام 1917 يدخل رجل نحيف إلى مكتبة السوربون تصحبه آنسة تقود خطاه باتجاه قاعة المطالعة ، وعندما تسأله عن الكتاب الذي يود أن تقرأه له يجيب : البؤساء ، وقبل أن تذهب لإحضاره يقول لها وهو يبتسم : " قرأت له ترجمة قبل سنوات ، لكني أحسست أن المترجم وضع مأساته إلى جانب مأساة جان فالجان " . بعد سنوات يكتب طه حسين مقالاً في جريدة السياسة المصرية عن فكتور هيجو :" لقد تنبأ هيجو بالثورة التي ستحدث بسبب الظلم وأهواله ، وتنبأ بما ستتعرض له المثل العليا من ضعة وانحطاط ، وقد رأى هذا كله وذاق مرارته صابراً ، شجاعاً ، احتفظ بكرامته أثناء مواجهته للظلم ، وابتهج بالنصر مع المبتهجين " .في مكتبتي لازلت احتفظ بنسخة قديمة من رواية " المعذبون في الأرض " التي كتبها طه حسين بوحي من بؤساء هيجو ، كتاب صغير وقديم تاريخ إصداره عام 1947 ، يخبرنا طه حسين إنه أنهى كتابه في عام 1946 ، وهو عبارة عن مجموعة من القصص التي أراد من خلالها أن يوجه نقداً اجتماعياً فيها لمشكلة الفقر والحرمان وموقف الأغنياء تجاه الفقراء وواقعه. يبدأ طه حسين كتابه بهذا الإهداء: " إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل, وإلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل، إلى أولئك وهؤلاء جميعاً، أسوق هذا الحديث… إلى الذين يجدون ما لا ينفقون، وإلى الذين لا يجدون ما ينفقون، يُساق هذا الحديث.ولد طه حسين لعائلة فقيرة في إحدى قرى مصر ، والتحق بالأزهر وهو في سن الثالثة عشرة ، بعدها دخل الجامعة المصرية ، ثم أمضى أربع سنوات في فرنسا حيث تبلورت أفكاره الثقافية والاجتماعية ، وأصبح وهو في عمر الثلاثين بعد عودته من باريس عام 1919 محور الحياة الادبية والسياسية والثقافية في مصر ، أستاذاً للعربية ثم عميداً لكلية الآداب ثم وزيراً للمعارف ، ولعل أهم نتاجه في الفكر الاجتماعي كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " الذي نشره عام 1938 والذي يضع فيه فلسفته للمجتمع والثقافة ومفهومه للعدل والقانون تأثر فيها بابن خلدون وبكتاب فرنسيين من أمثال اناتول فرانس و أوغست كونت وفكتور هيجو ونجده يستلهم الكثير من أفكار هيجو حول العدالة الاجتماعية فيكتب إن :" العلاج الوحيد هو تبديل النظام الاجتماعي لإحداث مجالات جديدة والقضاء على تفاوت الثروات ، وتأمين حياة كريمة للفقراء وإتاحة التعليم للجميع بالتساوي " . ************تعتقد أن ألمك لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم، لكنك بعد ذلك تقرأ. إنها الكتب هي التي علمتني بأن الأشياء التي كانت تعذبني هي التي تربطني بالناس الحيّة أو الميتة.جيمس بالدوينفي الثانية والنصف من بعد ظهر يوم 12 كانون الأول عام 1961، قرر عدد من الجنود نقل جثمان رجل توفى بمرض سرطان الدم عبر الحدود الجزائرية التونسية ، كانت تحرسهم مجموعة من قوات جبهة التحرير الجزائرية ، حيث تم دفنه بهدوء . كان فرانز فانون المولود عام 1925 في إحدى جزر المارتنيك التابعة لفرنسا قد توفي في إحدى مستشفيات واشنطن ، فتقرر نقله إلى تونس ومن بعدها إلى الجزائر التي حارب من اجل استقلالها ، وفرانز فانون، هو الابن الخامس لأسرة كاريبية ــ إفريقية من ثمانية أشخاص، أمضى مراحل دراسته الأولى في باريس التي درس فيها ليتخصص فيما بعد بالطب النفسي والبحث الاجتماعي حيث أقام وعمل في الجزائر سنوات عديدة كمسؤول عن أحد أقسام مستشفى الطب النفساني وبسبب نشاطاته المؤيّدة لاستقلال الجزائر، قررت السلطات الفرنسية طرده من الجزائر ليستقر في تونس حيث ساهم بالكتابة بانتظام خلال سنوات 1957 ــ 1960 في جريدة " المجاهد " ، الناطقة آنذاك باسم جبهة التحرير الوطني الجزائرية .بعد طرده من الجزائر يكتب رسالته الشهيرة عن الاوضاع في هذه البلاد : "لما يقرب من ثلاث سنوات وضعت نفسي وبشكل كامل في خدمة هذا البلد وسكانه. لم أوفر جهداً ولا اهتماماً. ولكن ما جدوى الحماس والتفاني إن كان الواقع اليومي مجرد نسيج من الأكاذيب والخسة وازدراء الإنسان ؟ ، وإن كان الطب النفسي هو الأداة الطبية التي تهدف إلى تمكين الإنسان من تجاوز غربته في البيئة المحيطة به، فعليّ أن أوكد أن العربي غريب بشكل دائم في بلاده، يعيش في حالة من الاغتراب المطلق ، لشهور عدة كان ضميري موقعاً لسجال لا يغتفر، انتهى بالعزم على ألا أيأس من الإنسان، أي ألا أفقد الأمل في نفسي."وقبل أكثر من عام من كتابته هذا المنشور الثوري كان فرانز فانون قد انضم إلى إلى جبهة التحريرالجزائرية وراح يعمل مع الثوار في قواعدهم، حيث رأس تحرير الطبعة الفرنسية من جريدة المجاهد الناطقة باسم الثورة، ويمثِّل جبهة التحرير في أكثر من محفل دولي، ومن منفاه نجده يتنقّل بجواز سفر تونسي باسم عمر إبراهيم فانون صادر في تونس في 10 أب 1958،. كتب فرانز فانون عددا من الكتب اشهرها " بشرة سوداء أقنعة بيضاء ، و " العام الخامس للثورة الجزائرية " و " المعذبون في الأرض " يكتب سارتر في تقديمه لكتاب فرانز فانون " معذبو الأرض " " لما كان لا يستطيع أحد أن يسلب رزق أخيه الإنسان أو أن يستعبده أو أن يقتله إلا ويكون قد اقترف جريمة فقد أقرّوا هذا المبدأ: و هو أن المستعمر ليس شبيه الإنسان. إن العنف الاستعماري لا يريد المحافظة على إخضاع هؤلاء البشر المستعبدين و إنما يحاول أن يجردهم من إنسانيتهم “كان فرانز فانون بعد أن علم باصابته بمرض سرطان الدم طلب من أصدقاء له ان يقنعوا جان بول سارتر بكتابة مقدمة لكتابه ، وقد تم عقد لقاء بين سارتر وفانون في روما بعيداً عن أعين المخابرات الفرنسية ويذكر فانون فيما بعد أن سارتر استمر بقراءة الكتاب " كان سارتر في تلك اللحظات عبارة عن طائرة انطلقت في الأجواء العالية . انشغل بكتابة المقدمة طوال الليل فيما كانت سيمون دي بوفوار تطبع ما يكتبه سارتر ، واستمرت على هذه الحال الى أن طلع الفجر . وكان سارتر قد كتب 120 صفحة بأكملها دفعة واحدة .في البؤساء لفكتور هيجو و" المعذبون في الارض " لطه حسين " و" معذبو الارض " لفرانز فانون نجد مفردات مثل العدل و الحرية و الثورة ضد الظلم تتكرر بكثرة ، بل إننا نجد الرّوح التي تقاوم الظلم نفسها التي وصف بها هيجو معاناة ابطاله، وما كانت تفيض الصورة به من بؤس وشقاء قدمه لنا طه حسين ، واعاد فرانز فانون كتابته بطريقة ثورية.

شارك الخبر على