بوتين المنتصر

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

كارل بيلدتإن إعادة انتخاب فلاديمير بوتين لفترة رابعة كرئيس لروسيا كان أمرا مُسَلَّما به فمن المؤكد أن الكرملين كان وراء حشو صناديق الاقتراع بأوراق الانتخاب وغيرها من الإجراءات للتحقق من أن بوتين قد حصل على ما لا يقل على 70% من الأصوات في جميع المناطق ولكن وحتى بدون مثل تلك الخدع فإن بوتين كان سينتصر على أي حال من الأحوال مستغلا موجة تصاعد النزعة القومية التي نشأت بعد قراره بضم شبه جزيرة القرم سنة 2014.إن الأقل قابلية للتنبؤ مقارنة بنتيجة الانتخابات هو الأجندة السياسية لبوتين للسنوات الست المقبلة؛ فالاقتصاد الروسي يظهر بعض إشارات التحسّن ولكن النمو ما يزال أضعف بكثير من سنوات الازدهار خلال السنوات الأولى لوجود بوتين في سدة الحكم وفي الوقت نفسه يزداد الانقسام الدبلوماسي بين روسيا والغرب.لقد قام بوتين بتشكيل فرق متنافسة من الاقتصاديين لصياغة مقترحات تتعلّق بالسياسات للسنوات المقبلة ولكن القليل من المراقبين يتوقعون أن تتبع ذلك إصلاحات حقيقية؛ فالتوقعات طويلة المدى للاقتصاد ستبقى متواضعة طالما تُحكم الدولة الأمنية من قبضتها على النشاط التجاري والمجتمع في روسيا.إن من الصعب كذلك تصوّر كيف يمكن لروسيا تحسين اقتصادها بدون أن تحسّن أولا من علاقاتها مع الغرب. إن الاستثمارات اللازمة لتعزيز النمو معطلة وذلك بسبب القدرة المحدودة على الوصول للتقنيات الرئيسية والأسواق المالية العالمية وبسبب العقوبات على الشركات الروسية والاوليغارشية المقربين من بوتين.يبدو أن بوتين كان يعتقد أن ردة الفعل الغربية لعدوانه في أوكرانيا ستكون قصيرة المدى كما كان عليه الحال بعد التدخّل العسكري في جورجيا سنة 2008 وعندما اتّضح عدم صحة ذلك وأصحبت العقوبات الغربية مؤلمة بشكل متزايد، بدأ الكرملين يسعى لفرص الاستثمار والتجارة مع الصين.لكن آمال الكرملين بتعزيز الشراكة مع الصين تحطمت عندما قام الرئيس الصيني تشي جينبينج بدعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعشاء دولة في المدينة المحرمة في بكين وهو شرف لم يحظَ به على الإطلاق أي زعيم سوفييتي أو روسي كما أن احتمالية حصول علاقات أكثر دفئا مع الولايات المتحدة قد ذهبت أدراج الرياح بسب ما تكشّف عنه فيما يتعلّق بالتدخّل الروسي في الانتخابات الأمريكية سنة 2016.لقد فشل الكرملين كذلك في توقع الأحداث في أوكرانيا فرغم الغارات الروسية على شرق أوكرانيا، لم تنهار الحكومة الأوكرانية بل على العكس من ذلك تمكّنت من تطبيق إصلاحات وتوصلت إلى اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.وأخيرا في سوريا فلقد أعلن بوتين عن «إنجاز المهمة» مرارا وتكرارا ولكن ما يزال الروس يقتلون على الأرض وفي واقع الأمر تمكّنت روسيا من اختبار معدات عسكرية جديدة من خلال دعمها للحكومة السورية ولكن لا يلوح في الأفق حتى الآن أي احتمالية لتحقيق السلام والاستقرار.رغم محاولة بوتين إعطاء الشعور بالثقة في خطابه السنوي للمجلس الفيدرالي هذا الشهر، إلا أنه لم يتمكّن من إخفاء مخاوفه المستقبلية فعلى سبيل المثال وعده بالنمو الاقتصادي كان مألوفا ولكنه كان أكثر وضوحا بكثير من المعتاد في تحذيره بأن روسيا قد تتراجع خلف البلدان الأخرى. لقد لاحظ بوتين «بأن سرعة التقدم التقني تتسارع بشكل كبير وأولئك الذين يتمكنون من ركوب هذه الموجة التقنية سيتقدمون بعيدا للإمام بينما أولئك الذين يفشلون في تحقيق ذلك سيغرقون في هذه الموجة». إن مما لا شك فيه أن روسيا اليوم تتعرّض لخطر الغرق. لقد خصّص بوتين معظم خطابه لعرض متعدد الوسائط للأسلحة الإستراتيجية المعقدة الجديدة: الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والثقيلة جدا والأسلحة الهجومية الإستراتيجية التي تتفوّق بشكل كبير على سرعة الصوت وطوربيدات مستقبلية ضخمة تحت الماء وصواريخ كروز تعمل بالطاقة النووية بمدى غير محدد ولكن في محاولته إثبات أن روسيا بإمكانها التغلّب على أي إجراءات دفاعية إستراتيجية جديدة قد تضعها الولايات المتحدة، فشل بوتين في إخفاء مخاوفه بأن الترسانة النووية الروسية الإستراتيجية قد تصبح غير ذات أهمية. وباستثناء الترسانة النووية الروسية وسلطة الفيتو التي تتمتع بها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي فإن الأساس الذي يقوم عليه نفوذها الإستراتيجي ضعيف وحتى بعد الأخذ بعين الاعتبار الفروقات في القوة الشرائية فإن الاقتصاد الروسي يقترب من حجم الاقتصاد الإيطالي ولو كان بوتين جادا فيما يتعلق باستدامة سباق التسلح الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكي فإنه يتوجب عليه عمل تضحيات إستراتيجية تتعلّق بقطاعات اقتصادية مهمة أخرى وخفض مستوى معيشة الروس العاديين.من جانب آخر، كان بوتين منفتحا مؤخرا على فكرة نشر بعثة من الأمم المتحدة لحفظ السلام في منطقة دونباس الأوكرانية ومن الممكن أن عرض الأدوات الذي قام به كان يهدف للتركيز على الحاجة إلى الحد من الأسلحة الإستراتيجية وفتح حوار ولو كان هذا صحيحا فلقد اختار طريقة غريبة لنقل رسالته.حتى لو أراد بوتين فتح حوار مع الغرب فإن لا أحد يستطيع أن يتجاهل الهجوم بغاز الأعصاب على العميل الروسي المزدوج الأسبق سيرجي سكريبال وابنته في سالزبري، انجلترا في هذا الشهر وكما كان الحال في هجوم البولونيوم سنة 2006 والذي قتل المنشق الروسي والجاسوس السابق الكسندر ليتفينكو فلقد خلصت الحكومة البريطانية إلى نتيجة مفادها أن الكرملين أمر بالعملية ضد سكريبال وابنته.إن من الممكن إن للوكالات الأمنية الروسية «رخصة لقتل» المنشقين بأي طرق معقدة يختارونها ولكن مثل هجوم البولونيوم قبل عقد من الزمان فإن الاستخدام ولأول مرة لغاز الأعصاب المعقد نوفيشوك لم يمر مرور الكرام حيث إن الكرملين يلجأ اليوم إلى ترسانته الفجة من الأكاذيب والمعلومات المضللة لمحاولة إخفاء الآثار التي قد تدل عليه ولكن من الواضح أن أي نظام يقتل ويكذب هو ليس شريكا مرغوبا به لغايات التعاون.لكن هذا لا يعني أن المحادثات الجادة بين الولايات المتحدة وروسيا قد أصبحت أقل أهمية فكلا البلدين يعملان على تحديث ترسانتهما النووية وهناك خطر حقيقي بأن التقنيات الجديدة قد تحد من إجراءات التحكم بالأسلحة والقائمة منذ أمد بعيد أو تجعلها غير مهمة لأنه قد عفا عليها الزمن.إن مستقبل فترة حكم بوتين الجديدة غير مؤكد بالمرة ولكن الإصلاحات الداخلية من غير المرجح أن تحصل وقيام الكرملين بإطلاق العنان لقواه الأمنية خارج البلاد قد قوّض إمكانية التصالح مع الغرب وبينما سيشكّل أي سباق جديد للتسلح خطرا كبيرا على روسيا وعلى الجميع فإنه من شبه المؤكد أنه سيؤدي لدمار روسيا كما سيشهد على ذلك آخر قادة الاتحاد السوفييتي.وزير خارجية السويد الأسبق

شارك الخبر على