تلويحة المدى في صعوبة الفنّ الشعريّ

حوالي ٦ سنوات فى المدى

 شاكر لعيبيفي أيّ عمر يُدرك المرء أن الشعر فن صعب؟ ليس في بدايات الكتابة. الشعر فنّ صعب، لأنه بمعنى ما ليس محض كتابة. هل تعرفون الفارق بين النمر وصورة النمر؟ إنه الفارق نفسه بين الشاعر وصورة الشاعر. وهو صعب مثلما لغة الصمت هي اللغة العالمية الفصحى. كم على الشاعر الراهن أن يكون حصيفاً وثاقباً لأن يعرف أن (استعارته) و(صوره الشعرية) التي يعتبرها، في خضم جموحه، فريدةً، قد قيلتْ من قبل بهذا الشكل وذاك. لا نتحدث عن بداهة التناصّ والتداخُل إنما عن الإدراك وصعوبة الإدراك بعيداً عن أوهام (الذات).صعب لأنه ينقب في طّيات الوجود. تنظر إلى الطفل، فتفهم نظرية جيل دولوز عن (الطيّات pli)، طيّات الوجود، طيّة إثر طية، وطية بعد طية، متراكِبة ومتجاوِرة ومتراكِمة، بينما يسعى الشاعر لفك تشابُك الطيات، وشفراتها. تعرف ما كان مُعقّداً من نظرية دولوز، وأنت ترى إلى الطفل وهو يُنقّب حرفياً عن الطيّات، بدأب، يفتّش عن (العمق والسماكة) في كل هيئة داكنة، وغامقة وسوداء وهو يحسبها واهماً طية أيضاً. هكذا يحسب بعضنا أيضا السواد والغامق بعض طيّات الوجود. بالنتيجة يغدو الفن مرآة سحرية (وهذا يُعارِض نظرية الانعكاس الجامد الماركسية). هذا التفتيش هو عملية تجريبة كذلك. فهل التجريب في الشعر خلل أسلوبيّ، رؤيوي؟ يلوح لنا من تعليقات الكتّاب ونقّاد الشعر العرب، وكأن التجريب في الشعر أمر غير مريح، وكأنه يُحطّم البحث الشخصيّ الأسلوبيّ، ويرفع عن شعر الشاعر روحه العميق، أو الرؤيوي إذا شئنا. الشعر هو بحث أيضاً، ومثل كل بحث يتضمّن، في مكان خفيّ، رحبة للتجريب، شرط أن نتفق على معنى مفردة التجريب. معنى التجريب في ثقافتنا الشعرية غير متفق عليه، ولعله يفوح حصرياً بمعنى اللعب والمجانية والشكلانية. هل هذا سليم؟الرصانة الثقافية والاحتراس المعرفيّ، لا يقفان حجر عثرة أمام المغامرة الوجودية، حتى أن الفكر يشخص في صلب العملية الشعرية. لا يوجد في الغالب شعر (خالٍ) من الفكر. لا نتكلم عن (منهجية) قول الفكر إنما الفكر نفسه. (المنهجية) قضية أخرى.لكن ليس جميع الشعراء يمتلك مشروعاً شعرياً، جمالياً، أو ثقافياً. والنتيجة عائمة في أذهان بعضنا: نرحّب مرات، لسبب غامض، بمن لا يمتلك مشروعاً، ولا نرحّب بمن يمتلكه لسبب أكثر غموضاً.نتكلم بالطبع عن شعراء وعن شعر. لا يمكن أن تفكر برسّام دون مشروع. الفن التشكيليّ يُقرأ بصفته نصاً بصرياً مُركَّباً، من هنا هذا التلاقي الجوهريّ، الصاعق بين النص الشعري المركّب والنص التشكيليّ المركّب. وكلاهما يمتلكان مشروعاً ثقافيا وجمالياً. الباحث عن ملخصات وتبسيطات، من كل نوع، للنصوص واللوحات لن يعثر على ضالته.وبعد؟ الشعور بالرتابة هو شِعْرٌ خالص أيضاً، شِعْر الوجود البطيء. عندما يُحبّ بعضهم ما تكتب، ولا يُحب آخرون ما تكتب، هناك سبب جوهريّ للحب وعدم الحبّ، للحب والكراهية. في الظلام تنام الفراشة في ألوانها. وهنا نحن أبعد ما نكون عن صور الشاعر النمطية في الثقافة العربية، أضف لذلك أن الثقافة العربية ليست ثقافة (الصورة)، إنها ثقافة (التصويرة)، والأخير اشتقاق عاميّ بليغ.أخيراً: الشعر موقف إيطيقيّ (أخلاقيّ)، الشاعر المعاصر ليس كائناً نذلاً، والحداثة ليست النذالة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على