تنظيم مؤتمر "العيش معًا وحياديّة الدولة أمام امتحان التطرّف، تقوقع الهويّة والتقلّبات العالميّة" في جامعة الروح القدس الكسليك برعاية الرئيس عون

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، ممثلًا بوزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا التويني، نظم مركز دراسات الأقليّات في الشرق الأوسط، في جامعة الروح القدس- الكسليك، بالتعاون مع مركز SoDRUS في جامعة شيربروك، في إطار شهر الفرنكوفونيّة، مؤتمرًا بعنوان "العيش معًا وحياديّة الدولة أمام امتحان التطرّف، تقوقع الهويّة والتقلّبات العالميّة"، في قاعة جان الهوا، في حرم الجامعة الرئيسي في الكسليك.
 
حضر الافتتاح قدس الأب العام الأباتي نعمة الله الهاشم الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية والرئيس الأعلى للجامعة، والمطران سمير مظلوم، ممثلاً غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وسفيرة كندا في لبنان إيمانويل لامورو، والأب المدبّر في الرهبانية طوني فخري، وأمين سرّ عام الرهبانية الأب ميشال أبوطقة، مدير المعهد السويدي في الإسكندرية بيتر ويدرد، نائب رئيس الجامعة الأوّل ومدير مركز دراسات الأقليّات في الشرق الأوسط الأب يوحنا عقيقي، نائب رئيس الجامعة للشؤون الإداريّة الأب طلال هاشم، إضافة إلى أعضاء مجلس الجامعة وحشد من الفعاليّات الدينية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والتربوية والمشاركين في المؤتمر من لبنان وخارجه...
 
الأب عقيقي
بعد بالنشيد الوطني اللبناني، شكر النائب الأوّل لرئيس الجامعة ومدير مركز دراسات الأقليّات في الشرق الأوسط، الأب يوحنا عقيقي، باسم رئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة، الموجود حاليًّا خارج البلاد، رئيس الجمهورية على رعايته لهذا المؤتمر، لاسيّما وأنّه هو الذي أعلن "بيروت مدينة نموذجيّة للعيش معًا والحوار بين الأديان"، وأثنى على حضور الوزير نقولا التويني ومشاركته في هذا المؤتمر ممثّلًا فخامته.
 
ثم قال: "بعد إلقاء نظرة سريعة على الوضع السياسي الراهن على الساحة الدوليّة والشرق أوسطيّة، تظهر أمامنا صورة قاتمة وغير مشجعة. إذ أنّ الشرق الأوسط هو بعيد كلّ البعد ليكون الأرض الموعودة لإبراهيم. وكذلك هو الأمر بالنسبة للغرب الذي يعاني من الجرح نفسه ينهش نسيجَه الاجتماعي... وعندما بادر العالم أجمع إلى إسقاط الحدود التي تحدد الأراضي والأمم والأملاك، وعندما انفتحت الأسواق العالميّة وعرفت وسائل الاتصال، التي تسهّل التواصل والعلاقات الاجتماعية، تطورًا هائلاً، ظهرت الإنسانية كإنسانية منفعلة مُصابة بمرض التوحّد الجماعي وبجنون العظمة المجتمعي وبالسادية النرسيسية العشائرية أو الجماعية".
 
ثم أضاف: "لا يمكن أن تنتشر هذه الانحرافات والآلام اليومية، بهذه السرعة القياسية، لولا وسائل الاتصال نفسها ومصادر المعلومات، التي غالبًا ما تقوم على تفسيرات خاطئة للمصادر الإنجيلية المؤسِّسة للقوانين والأنظمة الاجتماعية والأخلاقية. وبالرغم من الجهود التي يبذلها أصحاب النية الحسنة والكتابات حول قضايا العنف والظلم والعنصرية والأصولية والسلفية والأنانة المفرطة والحوارات بين الأديان والثقافات التي لا تُحصى ولا تُعد، لم يقدر أيّ قانون طبيعي أو قدر، ولا عناية إلهية أو أيّ حكمة سامية، ولا حتى أيّ اتفاق قانوني أن يُقنع المسؤولين في العالم المتقدّم على ألّا يمضوا قدمًا في اللعبة السياسية المتعلقة بهجرة الشعوب أو القبول بالانخراط الكامل للسكان الأصلّيين، سودًا كانوا أو بيضًا، كفّارًا أو ملحدين. هكذا، وباسم القانون الإلهيّ أو حتى باسم الله نفسه، بتنا نرفض الآخر المختلف ونشرّع موته ونمنع أن يكون له مقبرة تليق بإنسانيّته". 
 
وتابع بالقول: "إذا فرزت الحروب الدائرة في منطقتنا حالات فظيعة تصل إلى جرائم حرب، كنبش القبور وجرفها وكأننا نقول للمسيحي، في العراق أو في سوريّا، لا مكان لك هنا بعد الآن، لا أنت ولا أمواتك، تكون الحال رفضًا نهائيًّا وقطعيًّا للعيش معًا، وتصبح المعادلة كما تتضّح في الواقع: "نموت معًا لنعيش معًا". وإذا كان أجمل ما في حياة الثنائي أو العائلة أن يعرفوا أنهم سيدفنون بجانب بعضهم البعض، ينطبق الأمر عينه على العشيرة والأفراد المنتمين إلى طائفة أو مذهب أو وطن أو عرق واحد. إلاّ أنّ الموت معًا بهدف الاستمرار في العيش معًا، لا يتطلّب حقًا عائليًا أو مجتمعيًا ولا قانونًا، دينيًا كان أم مدنيًا، ولا حتى أي انتماء جغرافي أو أي ارتباط عاطفي، بل كل ما يتطلبه هو الحبّ ولا شيء غير الحبّ. وهكذا، يحرّرنا الحبّ من فرديّتنا ويحقّق ذاتيّتنا ووجودنا المحسوس والفريد وتقديرنا لأنفسنا وانفتاحنا على الآخر في إطار الاحترام والثقة وقبول الاختلاف. وصحيح أنّ الحب المحرِّر هو مكوّن لشخصيّة جديدة، ولكنه أكثر من ذلك، هو كاشفٌ لهوية بشريّة خُلقت على صورة الله، المحبة".
 
ويدرد
ثم كانت كلمة مدير المعهد السويدي في الإسكندرية بيتر ويدرد الذي اعتبر أنّ "تنامي أهمية الهوية بفعل الهجرة والعولمة وتلاشي الحواجز الفكرية والجسدية هو من الأسباب الرئيسة التي جعلت من الدين مسألة سياسية أكثر فأكثر. ويصعب إيجاد بديل عن العيش معًا كإنسانية واحدة تتحد فيما بينها بتعدديتها وتنوعها في هذا العالم. وتجدر الإشارة إلى أنّ الشرق والغرب يتشاركان بنزعة سياسية قائمة على الاستقطاب والشعبوية والحمائية حيث تختفي كل أشكال الاختلاف بين المسيحيين والمسلمين، وبين الأوروبيين والعرب. هذا وتتمتّع دول الشرق الأوسط بتجربة قديمة مع تعدد الأديان والثقافات التي تعيش جنبًا إلى جنب مع بعضها البعض. ولبنان هو مثال مميّز عن هذا التعايش، فهو الذي واجه تحديّات تاريخية وحروب عدّة لكنّه يظهر، اليوم، مقاومة صامدة في حين تتهاوى البلدان المجاورة واحدة تلو الأخرى".
 
وأشار إلى أنّ "حرية الدين والمعتقد كجزء من حقوق الإنسان تقوم على ثلاثة مبادئ، وهي: حرية الدين، الحرية من الدين وحرية الاختيار. ومن هنا، إنّ حرية الدين والمعتقد هي دعوة للحوار بين مختلف الفئات، وهي دعوة للنظر إلى الدولة كدولة علمانية، وهي دعوة لتقدير التنوّع وللتسليم بأنّ التعدديّة في المجتمع هي أفضل من الناحية الاقتصادية، وأكثر تحفيزًا من الناحية الثقافية، وختامًا، هي دعوة للحب ولاحترام الآخر والاهتمام به". 
 
لامورو
 بعد ذلك، تحدثت سفيرة كندا في لبنان إيمانويل لامورو مثنيةً على "هذا المؤتمر المتعدّد الاختصاصات الآيل إلى مناقشة تحديات العيش معًا والسياسات القادرة على مواجهتها". وأشارت إلى أنّ "الفرنكوفونية ليست مجرد لغة بالنسبة إلى كندا بل هي مجموعة قيم متبادلَة، مثل السلام والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتنمية المستدامة والتضامن. وتأخذ هذه القيم العالمية منحىً جديدًا في ظلّ الفرنكوفونية التي تتداخل في 5 قارات وتجمع الدول العظمى السبع. لذا، أصرّينا أن نناقش موضوع العيش معًا خلال شهر الفرنكوفونية، هذا الموضوع الذي يشكّل اليوم تحديًا عالميًا أساسيًا ويطول السلام الاجتماعي وسلّم القيم والأخلاق. فلا معنى للعيش معًا من دون تنوّع، والتنوّع من دون العيش معًا يصبح مصدرًا للنزاعات لا للغنى".
 
ثم أضافت: "تعود أصول سكان كندا لأكثر من 200 جنسية، فصحيح أننا تعلّمنا كيف نعيش معًا، ولكن تعلمنا أيضًا كيف نحصد الأرباح، من ضمنها الأرباح الاقتصاديّة، من هذا التنوّع. ويهمّنا أن نؤكّد مرة أخرى، من خلال هذا المؤتمر، وعشيّة مؤتمر روما 2، التزام كندا الكامل بتعزيز السلام والأمن في لبنان والمنطقة ومكافحتنا الدائمة لظاهرة رهاب الأجانب والتطرّف العنيف. وشهد العقد الأخير على ضغط كبير ضدّ الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي وحقوق الإنسان في كلّ أنحاء العالم. وظهر التنوّع الفكري والجندري والديني والعرقي كتهديد عالمي، واستُعمل الأمن والاستقرار كذريعة تبيح انتهاك حقوق وحريات الأقليات والفئات المهمّشة. طبعًا، هذه التحديات تعنينا جميعًا من دون استثناء، وهدفنا أن نتشارك تجربتنا مع البلدان المتعدّدة والمتنوعة في تركيبتها".
 
الوزير التويني
وفي ختام الافتتاح ألقى ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا التويني كلمة قال فيها: "يسعدني أن أكون حاضرًا بينكم اليوم ممثلاً لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي كلّفني فشرفني تمثيله في افتتاح هذا المؤتمر رفيع المستوى وانقل لكم أطيب تمنياته بالنجاح".
 
وأضاف: "إن العالم يعيش بقلق تداعيات الأزمات المتلاحقة التي تهزه شرقًا وغربًا، والتي يمكن وضعها بمجملها في إطار تحديات العيش معًا. فعالم اليوم بات قرية كونية، تلاشت معها حدود وبرزت فيها آفاق جديدة. إلّا أنّ هذا الواقع، بدل أن يساهم في صياغة قيم إنسانية في التلاقي أدت إلى إظهار الاختلافات التي بات معها التنوع الديني والاثني والسياسي والاجتماعي شرارات تولد نزاعات دموية وأليمة. فبات الآخر المختلف هو المستهدف بدل أن يكون الغاية". 
 
وشدّد على "أن عالم اليوم أحوج ما يكون إلى التقارب وهو أول درجات الاقتناع بالعيش معاً الذي يوجب الاعتراف أن أيّ وطن هو مساحة من الأرض صنعها التاريخ وقادها البشر، وهم مختلفون أساسًا. هذه المساحة مع أبنائها لا تستمرّ إلا بهذا التلاقي الذي يجمع إليه مواهب الجميع وخصوصيّات الجميع، في احترام متبادل وشراكة حقيقية، دافعها ليس فقط قبول الآخر كما هو، بل أكثر، احترامه في خصوصيّاته"، مؤكدًا أنّه "عندها يكون انتساب الجميع إلى تراث غنى مشترك ومتبادل. وما يؤذي هو حينما لا ينظر البعض إلى الوطن كمجموعة أبناء هم في وحدة كيان بل كمجموعة أفراد هم في تصارع دائم على مصالح ونفوذ".
 
وتابع: "لقد اختبر لبنان أن أيّ مكوّن من مكوّناته متى نظر إلى الباقين بهذه النظرة، فإنّ الخسارة تكون للجميع، و"العيش معًا" أي جوهر كيان لبنان هو الضحية. فإذا كان للبنان أن يقدم مساهمته المتواضعة للإنسانية الشاملة، من خلال توطيد حقيقة "العيش معًا"، ليبقى "رسالة"، فهو أن يدعو إلى التأسيس على الديمقراطية النابعة من العيش اليومي، تلك الطالعة من قناعة الضمير، وقوامها المواطنة الحقة، لا تلك المُسيّرة بآليات، غالبًا ما ينكشف ضعفها لأنها تفتقد إلى القناعة. نحن اللبنانيون لنا أن نصبح "خير أمة أُخرجت للناس"، في تعاوننا لنعطي الشرق والغرب، في تواضع، هذه الأمثولة من أمثولات العطاء المشترك". 
 
وختم الوزير التويني مشددًا على "ضرورة توطيد "العيش معًا" كمفهوم من مفاهيم عالم الألفية الثالثة. وعلى رغم الصعاب فإنني اغتنم هذه المناسبة لأتوجه بالتقدير إلى كلّ من ساهم في إعداد هذا المؤتمر، وفيه من الوجوه الآتية من شرق وغرب ستعمل على إغنائه. وكلي أمل أن تأتي توصياته على مستوى تطلّعاتنا من أجل غد أفضل لشعوبنا وأوطاننا".
 
الجلسات 
هذا ويستمر المؤتمر على مدى 3 أيام، تعقد خلالها جلسات بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميّين والخبراء من لبنان والخارج لبحث عدد من المواضيع، ومنها: أيّ إدارة ديمقراطيّة للتعددية؟؛ الآفاق المواطنية والإيديولوجية للعيش معًا؛ العيش معًا على مفترق طرق بين القومية والتعدّدية الثقافية والتواصل الثقافي؛ العيش معًا تحت ثقل الجيوسياسية في ظلّ نظام وستفاليا متصارع؛ العيش معًا الخاص بميثاق أبراهام عند ساعة الحداثة؛ السياسات المطبّقة في التربية على المواطنة والعيش معًا.
 
في بكركي
وتجدر الإشارة إلى أن المشاركين في المؤتمر قد زاروا قبل الافتتاح الصرح البطريركي في بكركي، حيث التقوا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الذي أثنى على أهميّة الموضوع الذي يطرحه المؤتمر، خصوصًا وأنه يدعو مع رئيس الجمهورية لأن يكون لبنان مركزًا لحوار الأديان. 
 
 
 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على