محمد قنديل.. المصارع الذي تحول إلى أجمل صوت لدى «حليم وأم كلثوم وفريد»

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

محمد قنديل.. صاحب المدرسة الغنائية الخاصة، والصوت القوي الملمس المخملي والجواب الرائع المريح والقرار الرصين المُطرب، هو الخامة السهلة البسيطة القادرة على أداء المقامات الشرقية بسهولة وبساطة ويسر، هو الذكي بفطرته والموهوب الذي أدرك جميع معاصروه حجم تلك الموهبة، فقالت عنه "الست" إنه أقوى صوت مصري، بينما أكد "العندليب" أنه المطرب الوحيد الذي لا يخدع الأذن، ووصفه "فريد" بـ"الجوهرة الثمينة"، وأعلنت جمعية الملحنين في فرنسا، أن "صوته واحد من أنقى الأصوات، ونسبة ذبذبات نشازه أقل من 1%".

هو قنديل محمد حسن السويسي، ولد في 11 مارس 1926، في شارع سعيد باشا بشبرا، في أسرة محبة للموسيقى، حيث كان والده من هواة العزف على العود والقانون، وكانت جدته سيدة السويسية، وهي مطربة ذائعة الصيت في أوائل القرن العشرين عُرف عنها أنها مطربة علية القوم، ورغم ذلك كانت تغني مجانًا في أفراح البسطاء، وكان يسعدها أن تغني متبرعة في أفراح العامة، وكانت والدته تمتلك صوتًا جميلًا وكانت تُجيد العزف على العود ولكنها لم تحترف الغناء، وكان أخوه الأكبر "عبد الله" مُطربًا وظهر في عدة أفلام في الأربعينيات من القرن العشرين، ولكنه اختفى بعد شهرة أخيه الأصغر محمد قنديل، وزوج عمته هو الموسيقار والمطرب عبد اللطيف عمر.

"قنديل" تمتع بلياقة بدنية جيدة طوال حياته؛ حيث مارس رياضة كمال الأجسام والمصارعة مما انعكس على بنيانه الجسماني، وبعد الثانوية التحق بمعهد الموسيقى العربية تحت رعاية مدير المعهد آنذاك الملحن إبراهيم شفيق، حيث درس العود، حتى اختارته "أم كلثوم" مع عدد من طلاب المعهد، للغناء معها في تابلوه "القطن" في فيلم "عايدة" عام 1942، وبعدها أثنت "الست" على أدائه الغنائي، معتبرةً إياه "أجمل صوت أنجبته مصر"، وفي المرات القليلة التي أوضحت فيها "الست" من تحب الاستماع إليهم من الأصوات كان محمد قنديل في مقدمتهم، ووصفته بأنه صوت كبير و"صييت".

بدأ "قنديل" بالغناء فى مسرح منوعات حكمت فهمي، بمنطقة "الكيت كات" بالقاهرة، وكانت تُغنى معه المطربة نجاة الصغيرة، حيث كان يُغنى المواويل وأغاني المشاهير إلى أن قدم أغنيته الأولى من خلال لحن الموسيقار كمال الطويل، مطلع الخمسينيات، وهي "يا رايحين الغورية"، ومن بعدها أغنيته الشهيرة "يا غاليين عليّا يا أهل إسكندرية".

لمع سينمائيا في فيلم "بابا عريس" عام 1951، إلى جانب نعيمة عاكف وشكري سرحان، وكان أول فيلم عربي تم تصويره كاملاً بالألوان الطبيعية، حيث ظهر في مشهد استعراضي أدى فيه بصوته اللحن الجميل لعبد العزيز محمود "بين الحديد والنار".

توالت من بعدها أغنياته التي وصلت لنحو 300 أغنية في نهاية مشواره، ومن أشهر الأغاني التي قدّمها "يا حلو صبَّح يا حلو طُل، جميل وأسمر، مركب حبيبى، إن شاء الله ما أعدمك، أتاري العشاق غلابة، ع الدوار، تلات سلامات يا واحشني، أبو سمرة السكرة، وسماح"، وغيرها، لحّن له العديد من الملحنين المشاهير من أمثال محمود الشريف، محمد الموجي، محمد فوزي، كمال الطويل، وغيرهم، كما قدّم للسينما عشرين فيلمًا سينمائيًا، شارك في الغناء فيها، ومنها: "صراع في النيل، شاطئ الأسرار، عندما نحب، رجل في حياتي، عزيزة، وعرق جبيني"، ومنهم بطولة واحدة في فيلم "في صحتك" مع حورية حسن، عام 1955.

أعلنت جمعية الملحنين في فرنسا أن صوت محمد قنديل واحد من أنقى الأصوات، إذ ثبت علميا أن نسبة ذبذبات النشاز في صوته أقل من 1%، وقال عنه عبد الحليم حافظ إنه المطرب الوحيد الذي لا يخدع الأذن، لأن قدراته الغنائية تصل إلى 1000%، وأعطاه الله موهبة تمكنه من الغناء لأكثر من 60 عامًا، بينما اعترف محمد عبد الوهاب موسيقار الأجيال، بأن صوت "قنديل" الأقوى في الوطن العربي، ووصفه فريد الأطرش بأنه جوهرة ثمينة يجب الحفاظ عليها وحمايتها، لما يتمتع به من أقوى حنجرة صوتية ونقاء كبير لا يتمتع أحد غيره به، بينما لم تجد كوكب الشرق "أم كلثوم" مطربًا يغني بدلا منها عندما دعاها ملك المغرب للغناء هناك سوى محمد قنديل، بعد أن اعتذرت بسبب ظروفها الصحية.

تزوج من الراقصة رجاء توفيق، حيث كانت تمتلك ملهى "كيت كات" وكان هو نجم هذا الملهى، وعندما قرر الزواج منها اشترط عليها اعتزال الرقص وإغلاق الملهى، وقد كان، إلا أنهما انفصلا عام 1960، ثم تزوج بعد ذلك امرأة من خارج الوسط الفني، والتي ظلت معه حتى وفاتها قبله بعدة سنوات ما أصابه بالاكتئاب، ولم يُنجب في زيجتيه.

في عام 1996 أُصيب بجلطة في الشريان التاجي، وأمر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بعلاجه في الخارج على نفقة الدولة، وسافر في شهر مارس إلى الولايات المتحدة حيث أُجريت له جراحة ناجحة، وتم تغيير ثلاثة شرايين في القلب بمستشفى كليفلاند بولاية أوهايو، قبل وفاته بفترة قليلة قدّم تتر مسلسل "الأصدقاء"، عام 2002، وبأغنيتين داخل العمل، وكانت هذه المساهمة آخر إسهاماته في عالم الفن.

في أواخر حياته، دخل مستشفى "الأنجلو" للعلاج من إصابة كسر بمفصل الحوض، حيث أُجريت له عملية جراحية تم على أثرها تركيب مفصل صناعي، وتمت الجراحة بنجاح وخرج من المستشفى وبدأ يتحرك فى منزله، ولكنه تعرض مرة أخرى لكسر بالمفصل الصناعي بعد انزلاق قدميه في منزله، وحاول معه الأطباء إعادة المفصل إلى مكانه، ونجحوا في ذلك، لكنه لم يقو على تحمل مرض السكر وقرحة الفراش والالتهاب الحاد، وتسببوا جميعًا بهبوط حاد في القلب، وظل لمدة 48 ساعة على جهاز التنفس الصناعي، وتوفي في 9 يونيو 2004 عن عمر يناهز الخامسة والسبعين.

شارك الخبر على