بيت ( المدى ) يحتفي بسيرة الموسوعي والأديب حميد المطبعي

حوالي ٦ سنوات فى المدى

  بغداد/ المدى
 عدسة/ محمود رؤوف
أرّخَ أسماء كبار الشخصيات الفكرية والثقافية العراقية، إلا أنه لم يجدْ من يؤرخه، أو يُبقي على ذكراه، هكذا هو مصير الغيث، ما إن ينزل ويُحيي كل ما حوله حتى يُنسى دون انتظار الشكر أو العرفان بالجميل..حميد المطبعي، أديب، وكاتب، وشاعر، وباحث وموسوعي كان له دور كبير في تاريخ العراق الادبي، من حيث التدوين والاضافة إلا أنه رُكنَ مُنتظرا مصيره ككل شيء عظيم في هذه البلاد إلا أن النسيان غلّفه...
بيت المدى وضمن مبادراته المُمنهجة باستعادة واستذكار والاحتفاء بالشخصيات العراقية الفكرية والثقافية المميزة تحتفي بمنجز الموسوعي حميد المطبعي صباح يوم الجمعة الفائت بحضور مميز لشخصيات ثقافية وإعلامية معروفة..
وثّقَ أهمّ الشخصياتحميد المطبعي يعاني من المرض ويرقد في محل إقامته في النجف ولم يؤبه لأمره مع الاسف، كلمات أسف وألم بدأ بها الباحث رفعة عبد الرزاق جلسة الاحتفاء قائلا "قدم المطبعي للمكتبة العراقية ولتاريخنا الحديث الكثير من خلال ما قدمه من حواراته مع مراجع معروفة للباحثين."حين نتحدث عن شخصيات العراق الحديث يجب ان نتحدث عن دوره في توثيق الشخصيات وتقديمها للقارئ، حيث أكد عبد الرزاق أن "المطبعي أدى واجباً أدبياً واجتماعياً من خلال اهتمامه بتقديم هذه الشخصيات."ولد المطبعي في النجف عام 1942 في محلة العمارة التي أنجبت في تاريخ النجف الكثير من أعلام العصر الحديث، ومنذ وقت مبكر اقترب من عالم الصحافة والكتابة لسبب واضح أنّ أباه كان يمتلك مطبعة معروفة في النجف وقد آلت الى إخيه عبد الرضا المطبعيالنقطة المهمة في تاريخه كما ذكر عبدالرزاق هي "إصداره مجلة الكلمة عام 1967 التي كانت على ضآلة حجمها نقطة مهمة في تاريخ الصحافة الادبية في تاريخ العراق الحديث حيث بشرت بالفكر الحديث وكان لها صدىً واسع بين أدباء العراق."المطبعي مع نخبة من أدباء النجف كانت لهم بصمات معروفة في تاريخ الادب العراقي كموسى كريدي، ورضا الأعرجي وآخرين.. لكن المطبعي في نهاية السبعينيات كما أشار الباحث رفعة عبد الرزاق "وفي عام 1979 على وجه الخصوص كُلّف من قبل جهات حكومية ان يكتب جانباً من تاريخ العراق الحديث وتطور العمل . وفي عام 1982 نشرت جريدة الثورة البغدادية سلسلة من حواراته مع شخصيات بارزة بعنوان الجذور في تاريخ العراق الحديث، وقد ألف المطبعي ما يقارب 22 كتاباً."
الكلمةشاطره الحياة منذ ستينيات القرن الماضي، الكاتب والصحفي باسم عبد الحميد حمودي، يتحدث عن ذكرياته مع المطبعي قائلا" الحديث عن المطبعي شيق، حيث كان يطبع للكتّاب الشباب مثل عبد الستار ناصر ويوسف الحيدري وآخرين، وقد بدأ مشروعه الرئيس مع مجلة الكلمة."رغم أن ما كتبه المطبعي جيد وممتاز ومضيف لتاريخ العراق إلا أن حمودي يؤكد أن " مجلة الكلمة مشروع الثقافة الرئيس حيث جمعت نخب الثقافة العراقية في زمن تشظت به الثورة الوطنية، كل في جهة، وقد ساعده في ذلك وجود مناخ شبه ديمقراطي آنذاك."يملك المطبعي جرأة لا توجد عند الكثيرين، حيث كتب الى جاك برك وجيفارا وآخرين وكان يطبع " مجلة الكلمة " على حسابه الخاص، وقد عمل معه الكثيرون كما ذكر حمودي أمثال "موسى كريدي والصخري وسامي مهدي وآخرين من الكتّاب، حيث كنا نكتب عنده." كانت المجلة مقسمة بشكل جميل، شعر وقصة ودراسات ونقد، وتجري مساجلات، في الجبهة الوطنية الادبية والثقافية جمعت كل الكتّاب المتناحرين سياسياً.في انقلاب 17 تموز حوربت الكلمة لأنها كانت طليعية وتهتم بالحرية وتدعو لها وقد مُنعت عنها الإعلانات ولم يستطع عبد الحميد المطبعي أن يستمر بها ، ويؤكد حمودي انه كان "كتلة نشاط فعالة لعمل مستمر وناجح .لقد كان علامة فارقة للادب العراقي يستحق التقدير والتبجيل ويستحق على الدولة الدعم الصحي."
كاتب وموسوعيحميد المطبعي موسوعي بأسلوب مميز في الكتابة، يُشير الناقد شكيب كاظم إلى أننا " إذا أردنا الحديث عن أصحاب أساليب الكتابة فلا بد أن نقف عند أسلوب المطبعي، وإذا ارتأينا الوقوف عند الموسوعيين سنقف عند موسوعيته ، وإذا أجمعنا للوقوف عند كتاب المقالة الاصيلة سيكون المطبعي ايضا من ضمنهم، كذلك إذا شئنا القول في من كتب الصورة القلمية المعنية في حياة أعلام الفكر والادب والسياسة في العراق أيضا سنشير الى المطبعي، ولو حاولنا الإشاره لمن كتب المقال الفلسفي القريب من الادب ايضا سنشيد بجهوده."المطبعي رجل مكتنز بهذه المواهب في عوامل الكتابة والبحث النزيه يستحق ان نقف له احتراما ونقيم له احتفالا ونملأ سلاله بالورود والزهور . يذكر كاظم أن "لكل أديب وباحث كتاب سيبقيه بقاء ذكر، وأن سلسلة كتب المطبعي التي أرّخ بها المطبعي حياة كبار الادباء والمفكرين العراقيين كفيله بتخليده."
خلّدَ الآخرينكان يراه، ويقترب منه وهو يحاور ويطلب التواصل مع مشاريع لأساتذتنا في دار الشؤون الثقافية، إلا أن الاقدار لم تمنحه شرف محاورته شخصياً ، د.علي حداد يتذكر أيام المطبعي ويقول" كنت أعجب بهذه الشخصية وأتساءل كثيراً ما هذا الايثار العجيب بهذه الشخصية والرغبة في إبراز الىخرين وتغييب الذات؟."كان بإمكان المطبعي أن يكون شاعراً ولكنه لم يفعل، وكان من الممكن ان يكون سارداً فخياله ومقدرته الفكرية والادبية كفيلة بأن يكون كذلك ، وكان من الممكن أن يكون ناقداً مميزاً ولكنه ضحى بكل ذلك ليخلّد الآخرين، يذكر حداد " أن على يد مجلة الكلمة ولد الكثير من الاجيال الذين سمّوا بـ "جيل الكلمة" ، حيث قدم المطبعي مشروعاً للآخرين ووضع نفسه في الظل." هذا التأسيس الداخلي للمطبعي يقوم على جملة مقومات ، منها دراسته الفلسفة وتمعنه بها وهو خريج مدرسة النجف الدينية وكل من مبدعي العراق الكبار الذين خرجوا من هذه البيئة بعد أن كسروا قيود النجف التقليدية ابتداءً من الجواهري حتى أسماء كبيرة.الأفق الفلسفي للمطبعي كما يذكر حداد "واكبه أفق عملي وهو ابن بيئة طبّاعة يتعامل مع المنتج الورقي ويعرف كيف يستثمره وهذا المنتج حفزه على أن يكون صحفياً ."
صاحب ذاكرة وطنيّةنشأ المطبعي في واقع حياة فيها تلصصات يشتبك فيها الديني والقومي والليبرالي والشيوعي، فهو رجل قومي كما ذكر الناقد علي حسن الفواز "في مدينة تحتدم جملة من الصراعات ،حسنته الكبيرة انه حافظ على أن يكون صاحب ذاكرة وطنية." مجلة الكلمة من أهم المشاريع الثقافية، يذكر الفواز أن " لها أثراً كبيراً في تنظيم المشهد الثقافي العراقي، خاصة خلال التجربة الستينية والسبعينية، حيث وجد في مجلة الكلمة الفضاء الحيوي والمجال الحقيقي للتنفيس عن أطروحاته المتنفذه." كان يمكن للمطبعي أن يكون نجما واحدا من العلامات، كما كان حميد سعيد وفاضل العزاوي وسامي مهدي ، ولكن قلقه الشخصي لا يستقر في المكان ولا يستقر على النص ولا يستقر في الرؤية التي جعلته ينفر عن كل شيء، للمطبعي نباهة وحساسية ثقافية مهمة جدا ولكن قلقه المفرط والتوهان هما اللذان ضيعاه .
بحث محاورة سيرةعن محاورات المطبعي يذكر الناقد داود العنبكي أن المطبعي "لم يكن محاوراً تقليدياً، لقد اعتدنا على محاورات وهمية للصحفي، لكن المطبعي يزور المبدع والاديب في بيته أو مكان عمله ولا يكتفي بإجاباته ، بل كان يقتني صور الحوار بعناية، يجب أن يسمى مشروع المطبعي بأنه مشروع بحثي ومحوارة وسيرة."

شارك الخبر على