عادل أدهم.. تاجر القطن الذي تحول إلى «برنس» السينما المصرية

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

عادل أدهم.. «دونجوان» سيدي بشر الأنيق المُعتز بذاته، الذي تحول إلى «البرنس» الأوحد للسينما المصرية، البارع في أداء شخصية «الشرير»، خالد الذكر ضمن عمالقة الشر في السينما العربية، ورغم أنه لم يدرس التمثيل بشكل أكاديمي، إلا أنه أبدع في جميع أدواره.. هو المعلم والقواد والفتوّة ورجل الدولة القوي والفاسد والمتسلط والنصاب والعبقري وصاحب الألف وجه، خفيف الظّل صانع الإيفيهات التي ما زالت تتردد على الألسنة بصوته الأجشّ وطريقته رغم رحيله منذ 22 عامًا.

ولد في الثامن من مارس عام 1928، في حي الجمرك البحري بمدينة الإسكندرية، لأب يعمل موظفًا حكوميًا كبيرًا، وأم ذات أصول تركية ورثت عن أبيها «شاليه» يطل على البحر في منطقة سيدي بشر، انتقلت الأسرة للإقامة فيه حينما كان لا يزال في المدرسة الابتدائية، وكان في صغره يُقلد رعاة البقر، إذ يرتدي قبعاتهم ويلهو بالمسدسات، محاكيًا أدوار الشرير في أفلام «الكاوبوي» الأمريكية، ومارس العديد من ألعاب القوى، إلا أنه عشق الجمباز فاستمر في ممارسته، إذ كان متفوقًا فيها بين زملائه، ومارس أيضًا الملاكمة والمصارعة والسباحة.

وحينما قارب على العشرين، بدأ مشواره الفني بالرقص، ومنه ظهر لأول مرة على الشاشة في دور صغير كراقص في فيلم «ليلي بنت الفقراء» عام 1945، وكان ظهوره الثاني في مشهد صغير في فيلم «البيت الكبير»، 1949، وفي نفس العام بفيلم «جواهر»، ثم ظهر كراقص مرة أخرى في فيلم «ماكنش علي البال» عام 1950.

صُدم «أدهم» في بداية مشواره الفني عندما شاهده الفنان والمخرج أنور وجدي، والذي كان نجمًا آنذاك، وقال له إنه لا يصلح إلا أن يُمثل أمام المرآة، فترك التمثيل فترة واتجه إلى الرقص، فضلًا عن أنه لم يقتنع بأن له مستقبلًا سينمائيًا، فقرر الابتعاد عن التمثيل والعمل في تجارة القطن، واحترفها حتى أصبح من أشهر خبراء القطن في بورصة الإسكندرية، وجاء قرار تأميم معظم الشركات في ذاك الوقت كضربة أخرى له في مشوار حياته، فقرر أن يترك مصر ويهاجر، وأثناء إعداده لأوراق السفر تعرف على المخرج أحمد ضياء، الذي اقتنع بموهبته وقدّمه للسينما في فيلم «هل أنا مجنونة؟» عام 1964، ليبدأ مشواره الحافل والذي تميز فيه خاصةً بأدوار الشر التي تتسم بالكوميديا.

شارك في بطولة 103 أفلام، حسب قاعدة بيانات السينما، وقام بالبطولة المطلقة في غالبيتها، ومنها: «ثرثرة فوق النيل، أخطر رجل في العالم، السمان والخريف، حافية على جسر الذهب، سواق الهانم، جحيم تحت الماء، المجهول، سوبر ماركت»، وكان آخر أفلامه «علاقات مشبوهة» عام 1996.

كان بارعًا في تقمص كل شخصية تسند إليه، ويعيش تفاصيلها مهما بلغت خطورة تنفيذها، لدرجة أنه أثناء تصوير دوره في فيلم «هي والشياطين» في أواخر الستينيات، أمام أحمد رمزي وشمس البارودي، أصيب بكسور في عموده الفقري، وأُجريت له 14 عملية جراحية قبل أن يعود لحالته الطبيعية.

في عام 1968، دعاه شيخ المخرجين العالميين إيليا كازان، إلى العمل في «هوليوود»، مؤكدًا له أنه سوف يجعل منه فنانًا من طراز كاري كوبر وهمفري بدغارت، بعد أن رآه يُجسد شخصية المعلم «برنس»، التي كانت بداية أول أدواره الشريرة، والتي نال لقبه منها، غير أن «عادل» رفض الدعوة، لشدة تعلقه بمصر، وبمدينته المحببة إلى قلبه الإسكندرية.

حصل على العديد من الجوائز كأحسن ممثل عن أدواره في أفلام «طائر الليل الحزين» 1977، «السلخانة» 1989، «آه ياليل يا زمن» 1977، «الشيطان يعظ» 1981، «اثنين على الطريق» 1984، وجائزة الهيئة العامة للسينما، والجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، والجمعية المصرية لفن السينما، وكرمه عمدة نيويورك عام 1986، وفي العام 1985 حصل على جائزة في مهرجان الفيلم العربي بلوس أنجلوس، وتم تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي 1994، والمهرجان القومي الثاني للأفلام المصرية العام 1996.

كان لـ«عادل» علاقات نسائية عديدة دارت حول 10 سيدات، وانتهت أغلب علاقاته بالفشل، وظلّ حتى سبعينيات القرن الماضي من دون زواج حتى حمل لقب «أشهر عازب» في الوسط الفني، وكان يُبرر عدم زواجه بفلسفته الخاصة في الحب، ورفض دائمًا البوح بأسراره العاطفية، وجاء موعده مع الزواج عندما التقى بالسيدة لمياء السحراوي، في أحد الأماكن، حيث كانت تمارس رياضة السباحة، وحاول أن يتحدث معها، ولكنها هربت منه، حيث كانت تشعر بالخوف منه بسبب أدواره السينمائية، وكان صديقًا لوالدها، ما ساعد على تقليل الفجوة بينهما، ثم تعددت اللقاءات وشعرت السيدة بطيبة «الأدهم» ونبله، فأحبته، ولكنه كان رافضًا للزواج منها بسبب فرق السن الذي يصل إلى الثلاثين عامًا، لكنه رضخ لفكرة الزواج أمام إصرارها وتمسكها به، وطلبت منه شرطا واحدا، وهو حضور حفلة لنجمها المفضل فرانك سيناترا، وبالفعل سافرا إلى أمريكا لحضور الحفل وتزوجا عام 1982، وعاشت معه حتى فارق الحياة ولم تتزوج من بعده رغم أنهما لم يُنجبا.

في عامه الأخير اشتد عليه المرض، وعلى رغم سنوات عمره التي قضاها في السينما إلا أنه لم يحقق ثروة كبيرة إذ كان أجره منخفضًا عن غيره من نجوم جيله، لذا اضطرت زوجته إلى بيع سيارته للمساهمة في نفقات علاجه، وسافر إلى باريس للعلاج، حيث اكتشف إصابته بالسرطان، ولكنه طلب من طبيبه أن يسمح له بالعودة إلى مصر، ولم يمر وقت طويل على عودته حتى رحل في 9 فبراير 1996، قبل أن يرى آخر أفلامه النور.

شارك الخبر على