التجاذبات السياسية داخل الأغلبية تشخيص و اقتراح لبعض الحلول

حوالي ٦ سنوات فى أخبار الوطن

أحيانا قد يؤدي الانشغال بالسياسة و مطباتها و صراعات أصحابها، المفتوحة و الخفية، إلى نسيان أمور جوهرية، قد لا يختلف عليها العاقلون، مهما كانت مواقفهم و مشاربهم. و للدخول في الموضوع، دون مواربة، من المهم التذكير بأن البلد و منذ حصوله على الاستقلال و حتى الآن تتجاذبه اتجاهات سياسية عديدة تتوزع عادة بين اتجاهين رئيسيين، أحدهما يدعم السلطة القائمة و الآخر مناوئ لها، مع ضرورة الإقرار بوجود طيف عريض من الساكنة لا يهتم بالسياسة و لا تستهويه. حدث ذلك إبان فترة الحكم المدني الأول و الحزب الواحد برئاسة الرئيس الأسبق المرحوم المختار ولد داداه التي دامت زهاء عشرين سنة (من 1958 ، تاريخ حصول على البلد على الاستقلال الذاتي و حتى 1978)، مرورا بفترة حكم بعض القادة العسكريين، و بالأخص فترة حكم المقدم محمد خونا ولد هيداله (1979 ـ 1984 ) و معاوية ولد سيد أحمد الطايع (1984 ـ 2005 ) و المرحوم العقيد اعل ولد محمد فال (2005ـ 2007 ) و الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله (2007 ـ 2008 ) وصولا إلى حكم الرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز. فلو رجعنا قليلا إلى الوراء، لأدركنا أنه خلال العقود الستة الماضية من تجربتنا السياسية في الحكم و ممارسته و تأييده تارة و معارضته تارة أخرى، ظلت مواقف الفاعلين السياسيين في مجملها، باستثناء حالات محدودة، تجعل الحفاظ على الوطن و استقلاله و استمرارية مؤسسات الدولة في صلب اهتمامات هؤلاء؛ و حتى في أوقات الأزمات الكبرى، كحرب الصحراء و الانقلابات الناجحة و  محاولاتها الفاشلة و الهزات الاجتماعية و الانسدادات السياسية، ظلت مواقف غالبية الموريتانيين منحازة لوطنهم موحدا في ظل دولة تحفظ لهم الأمن و السكينة، كانت إقامتها أهم منجز سياسي حققوه في تاريخهم. لكن تعاظم المخاطر مع مطلع الألفية الثالثة، كاستفحال التطرف الديني الذي نما و ترعرع في البيئات و المناطق التي تعاني من التخلف الاقتصادي و الجهل و  الإقصاء و التهميش و تهريب المخدرات، إضافة إلى أطماع بعض الدول العظمى في استغلال ظاهرة الإرهاب لتحقق مصالحها بشن حروب و السيطرة على بلدان عديدة، جعل من بلدنا الواقع في عين الإعصار، لوجوده في منطقة الساحل التي هي عرضة أكثر من غيرها للأخطار المذكورة، خاصرة رخوة مهددة بهذه المخاطر. و مع أننا استطعنا، بفضل السياسات العمومية المنتهجة حتى الآن، احتواء خطر الإرهاب العابر للحدود كما استطعنا بفضل نفس السياسات تجنيب وطننا إعصار الربيع العربي الذي جعل بلدانا عربية عديدة في خبر كان، بيد أن المشهد السياسي الوطني، و منذ إعلان الرئيس محمد ولد عبد العزيز سنة 2016 نيته في إجراء استفتاء بهدف إدخال تغييرات دستورية من ضمنها حل مجلس الشيوخ، بدأ يعرف حراكا جديدا هو الانتقال من ثنائية الموالاة و المعارضة المحاورة / المعارضة المقاطعة التي طبعت المشهد السياسي منذ حوار 2011 و حتى تاريخ الإعلان المذكور إلى حالة جديدة اتسمت بظهور تذمر في أوساط بعض عناصر الأغلبية أصبح مفتوحا و تقوده عناصر محسوبة في أغلبها على مجلس الشيوخ السابق. و رغم أن حل هذا المجلس أصبح أمرا واقعا وفق نتائج استفتاء 5 أغسطس 2017 و الإجراءات التنظيمية و التنفيذية التي تلت ذلك، إلا أن التجاذبات الداخلية بين بعض الفاعلين في الأغلبية الرئاسية، كأصداء للتململ و تصاعد الخطابات الخصوصية من شرائحية و قبلية و جهوية داخل الأغلبية الديمغرافية في البلد الناطقة بالحسانية (العربية)، تواصلت في شكل جديد و أصبحت تفرض نفسها على المنتمين للأغلبية، حتى على من كان يأنف التعليق عليها أو الاهتمام بها. غير أن الأخطر في هذه الوضعية أنها تشغل السياسيين و المسؤولين و الرأي العام عن أمور جوهرية تتعلق بتنمية البلد و استقراره و التهيئة السياسية المناسبة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة الخاصة بالمجالس الجهوية و الانتخابات البلدية و التشريعية التي أصبحت على الأبواب، إضافة إلى الانتخابات الرئاسية في سنة 2019 . فبعد تأمل في أسباب حالات عدم الانسجام بين بعض عناصر الأغلبية، و بالأخص التنافس بين بعض من يتقلدون مناصب حكومية و بعض سياسيي التشكيلات الحزبية المنتمية للأغلبية، يمكن التوصل إلى بعض ما قد يفسر جوانب عديدة من هذه الصراعات و كذلك إلى استنتاجات قد تساعد على تجاوزها. فمن الأسباب التي جعلت البعض يدخل في صراعات مفتوحة مع آخرين من نفس الأسرة السياسية أو من الأغلبية الرئاسية بشكل عام هو التنافس المحموم على بعض المواقع، التي أصبحت، من حيث العرف أو الممارسة السياسية، من نصيب جهة أو شريحة ما. هذا التقليد، و إن كانت له بعض المسوغات التي لا تصمد طبعا أمام حجج من يتشبثون بدمقرطة الوظائف و المهام في ظل نظام جمهوري، أصبح يشكل خطرا جديا على وحدة البلد و تماسك مكوناته و ترتبت عليه  نتائج عكسية. فمن ناحية، أصبح سببا مباشرا في صراعات مفتوحة بين بعض الأطر و المسؤولين المحسوبين على  الجهة أو الشريحة المستفيدة منه، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تصفية حسابات و اتخاذ قرارات غير منصفة في حق عناصر محسوبة على هذا الجناح أو ذاك، و من ناحية أخرى تسبب التقليد المذكور في شعور بعض ساكنة المناطق و المكونات الأخرى بأن بعض الوظائف أصبحت حكرا على جهة أو مكونة بعينها، و هو ما يتناقض مع طبيعة النظام الجمهوري نفسه، الذي يفترض فيه أن تكون وظائف الدولة مفتوحة أمام الجميع، لا تفاوت بينهم إلا بحسب المؤهلات و الكفاءات و التجربة و الخبرة، لا أن تكون خاصة بمنطقة أو شريحة أو أثنية. كذلك فإن ظاهرة تراكم الوظائف في نفس المحيط العائلي الضيق أو الممتد و تمكين مثل هذا المحيط من السيطرة على تجمع حضري أو نطاق إداري أو تشكيلة حزبية أو مرفق عمومي يعد هو الآخر من الأسباب التي تذكي الصراعات على المصالح و النفوذ و تقف حجر عثرة أمام جهود مكافحة الفساد. ذلك أن محاربة هذا الداء العضال، الذي لا تزال مجتمعات متقدمة تجد صعوبة في القضاء عليه، أحرى مجتمعنا الذي لا تميز أطياف واسعة منه بين المال العام و الخاص، تتطلب وضع آلية جديدة بحيث تكون من أبرز ملامحها الرجوع إلى ممارسات سليمة كان بعضها قد طبق، و لو جزئيا، في بداية نشأة الدولة الموريتانية، كالفصل بين السياسة و المال، و التعيين على أساس الكفاءة و عدم تعيين مسؤول و مساعده من نفس الجهة أو المحيط الاجتماعي. في هذا السياق، نعتقد أنه من المهم التفكير الجاد، من بين أمور أخرى، في سن قانون تنظيمي جديد يعتمد على ما قيم به في هذا المجال و تحيينه بحيث يحدد ضوابط و شروط جديدة و جادة لتعيين و تحويل و ترقية الموظفين العموميين، ثم بعد ذلك يتم إنشاء هيئة وطنية يعهد إليها بتطبيق هذا القانون. لقد دفع الكثيرون ثمن هذه التجاذبات و ما أفرزته من تخبط […]

شارك الخبر على