ملفات التحرير إدارة انتخابات النواب «سرعة التحضير تفسد الطبخة»

ما يقرب من ٩ سنوات فى التحرير

إدارة المشهد السياسى الداخلى فى العام الأول لحكم الرئيس السيىسى كان ملخصها تقريبا فى تفاصيل إدارة تجربة الانتخابات البرلمانية التى لم تتم فى آخر لحظة، فقد عملت الأجهزة المهمة فى الدولة على إدارة وترتيب تلك الانتخابات، فكانت كبالونة اختبار كبيرة حملت بداخلها ما كان خفيا ومكتوما من فلسفة الدولة فى هذه اللحظة لإدارة العمل السياسى فى مصر وفلسفة الأحزاب والكيانات والشخصيات الفاعلة فى إدارة العمل البينى، وأخرجت إلى النور أشخاصا وكيانات وقوى كانت كامنة فى مخابئها تحت الأرض. بداية انفردت الدولة، ساعة التحضير لهذه الانتخابات وما زالت، بتحضير القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، وبدا الفشل واضحا جليا عندما تسببت تلك القوانين التى من المفترض أنها خضعت لعمل طويل من خبراء الدولة فى تأجيل الانتخابات، بعد اعتراضات المحكمة الدستورية العليا على بعض نصوص القوانين المنظمة للعملية، وبعد هذا الفشل يقيم المسؤولون فى الدولة خصوصا فى وزارة العدالة الانتقالية أسوارا حول التعديلات التى يعدونها، متجاهلين كل مبادرات الأحزاب بل وغير مكترثين حتى بأى من النصوص التى طرحوها أو بعويلهم وتحذيرهم من العيوب الخطيرة التى تشوب النصوص المقترحة من جانب الحكومة التى ستؤرقهم فى الترشح وإدارة التحالفات الانتخابية وإدارة الانتخابات ذاتها، كما أنها تدفع فى عكس اتجاه تكوين كتل حزبية تنتج كتلا برلمانية، وهو ما تراه الأحزاب كارثة محققة لمرحلة ما قبل الانتخابات، وكارثة كبرى فى شكل البرلمان القادم.

الأمر الآخر الأكثر أهمية هو الإدارة السياسية لترتيب التحالفات الانتخابية من قِبل الدولة، حيث أعلنت الدولة واجتهدت فى الإعلان أنها على الحياد من كل التحالفات، وأنها لا تدعم قائمة بعينها، لكن ما حدث واتضح بعد ذلك من خلال ما صرح به بعض رؤساء الأحزاب والقائمين على التحالفات الأهم مثل الدكتور محمد أبو الغار والدكتور السيد البدوى بأن جهات أمنية ما -على حد وصفهما- هى من قامت بترتيب تلك التحالفات، بل وأجبرت بعض الأحزاب –مثل" الوفد " على دخول قائمة بعينها، وهى قائمة " فى حب مصر" التى اعتبرت وجهًا آخر لقائمة الجنزورى الذى تم التضحية به على أفضل تقدير، لئلا تتحمل الدولة عبء محسوبيته على الرئيس بصفته مستشارا، وعبء من معه فى القائمة من رموز مبارك، خصوصا من الوزراء، فقررت الاحتفاظ بالقائمة دون رموز مبارك والجنزورى.

وفى مشهد دراماتيكى شهد تصاعدا فى مستوى الحدث الدرامى أعلنت المجموعة الرئيسية المؤسسة والفاعلة فى قائمة الجنزورى عن نفسها تحت اسم "فى حب مصر "هى ذات القائمة وهم ذات الأشخاص دون كمال الجنزورى وبعض وزراء مبارك، حيث عقدت الجلسة التحضيرية والمؤتمر الصحفى فى فندق سونستا بمدينة نصر، وبحضور سامح سيف اليزل الخبير الأمنى، وأسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق، وحازم عبد العظيم وطارق الخولى ومحمود بدر أعضاء لجنة الشباب بحملة السيسى الانتخابية، وطاهر أبو زيد وزير الرياضة السابق (الذى استقال من حزب الوفد خصيصا للانضمام إلى القائمة) وممثلين لحزب المصريين الأحرار وآخرين.

كان الإعلان عن القائمة بمثابة" فينالة "بلغة الأفلام لسلسلة حلقات طويلة ماسخة للتحالفات الانتخابية، استطاعت فيها الدولة أن تقنع القائمين على كل القوائم الأخرى، كـ"لوفد"و"صحوة مصر" عن طريق الاتصال المباشر الدورى بأن ينضم كل منهما إلى القائمة المفضلة لديها وطوق النجاة للبرلمان، وتأكيد رسالة عدم التصاقهم بقائمة الجنزورى، التى غالبا ما قد أتت أكلها، إذ تصور الجميع أنه القادم، وأنه الحل، وأنه المنقذ السياسى الوحيد، فتشبث الجميع بأسواره وعمقها، وفشلت كل محاولات توحيد القائمتين الكبريين، وانتهى الحال بهم جميعا متكسرين مفتتين كتبعة تلقائية لإعلان قائمة "فى حب مصر"، فانهار"تحالف الوفد "كليا، حتى إن حزب الوفد بذاته وهو صاحب اسم القائمة وقائدها ذهب إلى منسق قائمة" فى حب مصر"، ليعقد اتفاق الاندماج معه، والذى يبدو أنه كان مذلا، لدرجة أن رئيس "الوفد "طلب اجتماع الهيئة العليا للتصديق على الاندماج، وتجلى ذلك عندما صرّح رئيس" الوفد "بعد تأجيل الانتخابات بأنهم قد تم الزج بهم فى هذه القائمة رغما عنهم، بضغط من أجهزة ما أمنية فى الدولة.

لكن التجربة أثبتت أنه حتى قائمة" فى حب مصر" التى أدارتها الدولة بتدخل سافر وخشن وزاعق لم يكن تكوينها النهائى مقنعا للدولة بأنه يمكنها أن تكون قاطبة لآخرين وركيزة برلمانية، إذ ظهرت هشاشتها وعدم تجانسها اللذان ضربا الفكرة فى مقتلها، فلا هى تصلح ظهيرا سياسيا ولا نواة صلبة لتكوين جديد ولا مرتكزا لبناء تشريعى.

أما النتيجة الأخرى الكبرى لتجربة إدارة الانتخابات البرلمانية السابقة فهى أنها عززت من الشروخ القائمة بين الأحزاب ونزعت الثقة بينها، خصوصا بعد تحرك كثير منها فى تحالفات غير التى بدأت فيها، وبالتالى فستكون المهمة صعبة للغاية، لإقامة تحالف مستقر كبير حال إجراء الانتخابات فى المستقبل.

وبناء على ما سبق فقد شهد العام الأول للسيسى فى التجربة الأهم لإدارة العمل السياسى الداخلى المتمثل فى تجربة إدارة الانتخابات البرلمانية تدخلا واضحا وكبيرا من قِبل أجهزة الدولة بقرار يبدو أنه استراتيجيا بعدم إمكانية التخلى عن ضمان كتلة ما فى البرلمان تضمن توجيهها، وعدم استخدامها لسلطاته الواسعة، بعيدا عن الرئيس ومساراته التى اختارها ويختارها، وينبئ ذلك عن تصميم ما لإدارة العمل السياسى وتطويعه، وليس تهيئة الأجواء له، لكى ينمو ويتفاعل ويثمر ويعين الدولة ويعضد قوتها بإتمام أركانها الديمقراطية، وهو ما تجلى فى تصريحات قادة الأحزاب فى نهاية هذا العام متذمرة من تدخل تلك الأجهزة فى إدارة الانتخابات وموات العمل السياسى واحتمالات تأجيل الانتخابات عمدا من قِبل الدولة إلى أجل غير مسمى.

أعتقد أن هذا الملف هو أحد الملفات الخطيرة التى يتوجب على الرئيس تصحيح المسار فيها بتغيير فلسفة التعاطى مع فكرة العمل السياسى عموما، وبالتالى فعليه أن يترجم ذلك فى إدارة مختلفة للتجربة القادمة لإدارة الانتخابات القادمة التى وعد فى آخر لقاء له مع رؤساء الأحزاب أن تكون قبل نهاية العام.

 

شارك الخبر على