الخلافة.. مجرد نظام وليست من أصول الإسلام

حوالي ٦ سنوات فى الموجز

المقال- حاتم صادق يكتب:
 
هل الخلافة من العقائد الأساسية فى الإسلام؟ ما رأى ابن خلدون فى الخلافة؟ هل الخلافة من أولويات الإصلاح فى مجتمعاتنا الحالية؟
وحدهم إخواننا الشيعة هم الذين جعلوا نظام الحكم والإمامة «الخلافة» والدولة والسلطة من العقائد والأصول، أما جميع تيارات الفكر الإسلامى السنى ومعها الخوارج والمعتزلة فقد اتفق هؤلاء جميعًا على أن الحكم والدولة والسياسة من الفقهيات والفروع وليست من العقائد والأصول.
فها هو حجة الإسلام أبو حامد الغزالى مجدد المئة الخامسة يقول: «إن نظرية الإمامة ليست من المهمات، وليست من فن المعقولات فيها بل من الفقهيات، والنظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول القواعد، وقسم يتعلق بالفروع، وأصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله وبرسله واليوم الآخر، وما عداها فروع، والخطأ فى أصل الإمامة وتعيينها وشروطها وما يتعلق بها لا يوجب شيئًا من التكفير» [فصل التفرقة بين الإسلام الزندقة].
ومن قبل الغزالى نجد إمام الحرمين الجوينى يقول: «إن الكلام فى الإمامة ليس من أصول الاعتقاد».
وفى معرض رده على من قالوا بأن «الإمامة من أركان الإسلام» يقول ابن تيمية المرجع السلفى العتيد فى كتابه «منهاج السنة»: «الإمامة ليست من أركان الإسلام الخمسة، أو من أركان الإيمان الستة (وهى الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر) أو من أركان الإحسان التى هى أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
وفى مقدمته يقرر العلامة ابن خلدون أن القول بأن الإمامة من أركان الدين وأصوله هو الذى أوقع الشيعة فى الخطأ الذى وقعوا فيه لأنها سلطه بشرية، يقيمها الناس رعاية لمصالحهم العامة وهى من اختصاصهم. ولعل الرجل كان سابقًا عصره حيث يشير إلى ما يعرف بيننا اليوم بأن «الأمة هى مصدر السلطات».
وحول هذا المبدأ الذى نحن بصدده «وهو أن السياسة من الفروع» يقول الدكتور يوسف القرضاوى فى كتابه «السياسة الشرعية»: «ونحن نسلم بهذا من غير شك، ولكن هذا لا يعنى التهوين من هذا الأمر، لأن الإسلام ليس عقائد فحسب، بل هو عقيدة وعمل».
وهكذا نستطيع أن نقول بكل اطمئنان وأريحية ومن خلال قراءتنا لكثير مما كتب حول السياسة الشرعية فى الإسلام:إن القضية محسومة ومقطوع بها والإجماع شبه منعقد فى تراثنا وفكرنا الإسلامى على أن السياسة من الفروع وليست من الأصول.
وقد تثار هنا شبهة بسبب تناول مبحث «الإمامة» فى كتب علم الكلام والأصول ما يقود البعض إلى اعتبارها من الأصول والعقائد، والحق أن ما حدث من تناول هذا المبحث فى كتب علم الكلام كان مجرد مجاراة للشيعة، فالشيعة هم رواد التأليف فى «الإمامة»، وهم –تماشيًا مع تصورهم لها– قد وضعوا مباحثها فى كتب الأصول، فلما جاءت المعتزلة وكل فرق أهل السنة للرد على الشيعة فى هذا الشأن تمثلوا صنيعهم وسايروه بوضع هذا المبحث فى كتب الأصول.
وعلى هذا فلا حجة هنا لمن يريد الزعم بوجود سلطة دينية فى الإسلام تأسيسًا على إيراد العلماء والفقهاء الأوائل لهذا المبحث «الإمامة» على صفحات كتب علم الكلام والأصول.
طبيعة الخلافة ووجوبهاالخلافة ببساطة شديدة كما فى الفكر الإسلامى، وكما هو شائع على لسان المسلمين، هى «الرئاسة العامة فى أمور الدين والدنيا نيابة عن النبى صلى الله عليه وسلم»
وقد جاء فى الباب الأول من كتاب الأحكام السلطانية لـ«الماوردى» أن «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة فى حراسة الدين وسياسة الدنيا».
وعن حكمها يضيف الماوردى: «وعقدها لمن يقوم بها فى الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم».
وغير الماوردى يقول الإمام ابن حزم فى «الفصل فى الملل والنحل»:«اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة ما عدا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم». ويضيف ابن حزم: «وقول هذه الفرقة -النجدات- ساقط يكفى فى الرد عليه إجماع كل من ذكرنا على بطلانه».
وحول التساؤل عن كيفية وجوب «الإمامة» يقول الماوردى: «واختُلف فى وجوبها، هل وجبت بالعقل أو بالشرع؟ فقالت طائفة وجبت بالعقل لما فى طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم فى التنازع والتخاصم، ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين، وهمجًا مُضَاعين».
ثم يضيف: وقالت طائفة أخرى بل وجبت بالشرع دون العقل لأن الإمام يقوم بأمور شرعية، وجاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه فى الدين «يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم» ففرض علينا طاعة أولى الأمر فينا وهم الأئمة المتآمرون علينا.إذن نحن تقريبًا أمام حالة من الإجماع على «وجوب الإمامة» يقابلها حالة من الانقسام على «أساس هذا الوجوب».
فهناك اتجاه يقوده أهل السنة يرى أن سنة وجوب «الإمامة أو الخلافة» هو الشرع والإجماع، وهناك اتجاه آخر غالب أنصاره من المعتزلة يرى أن سند الوجوب هو العقل.
ونحن لا نجادل ولا نختلف فى مسألة وجوب «الإمامة أو السلطة السياسية» لأنها أولا وقبل أى شىء ضرورة من ضرورات الاجتماع الإنسانى لتحقيق مصالح المواطنين وتنظيم أمورهم فى جميع مناحى الحياة، أما ما نختلف حوله وفيه فهو الادعاء بأن الشكل الشرعى والثابت لتلك السلطة هو نظام «الخلافة» الذى عرفته الأمة الإسلامية بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم.
ومن ثمَّ فنحن نختلف قطعًا مع هؤلاء الذين يزعمون أن أولى الأولويات فى واقعنا السياسى الحالى هو «إحياء الخلافة الإسلامية بشكلها القديم» ويقدمون ذلك للعوام على أنه «الحل السحرى» أو كلمة السر التى بها نتجاوز جميع مشكلاتنا الحضارية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية …إلخ.
والحق الصريح أن هذا بتبسيط مخل وتسطيح ساذج وتزييف للحقائق لا يشفع له حسن النوايا، وذلك لسبين:أولًا: أنه ليس لدينا أمر قرآنى صريح أو حديث نبوى يأمر بقطع ووضوح بأن يسمى القائم على شؤون الدولة بـ«الخليفة» حيث إن من يطلق عليه اسمًا غير هذا يكون مخالفًا للكتاب أو السنة الصحيحة، وهذا سنفصله فى ما بعد.
ثانيًا: أن الكارثة الكبرى فى الموضوع هى الخلط المتعمد أو غير المتعمد بين ما هو نظام وإبداع بشرى وحضارى وبين ما هو دين ووحى وعقيدة، فيا للأسف الشديد! هناك قطاعات عريضة من شباب التيار الإسلامى الحديث فى مصر لا تميز بين «النظام» و«المرجعية والمقاصد» التى يقوم النظام لتحقيقها فالنظام –أى نظام– هو جميع الآليات والمؤسسات والتراتيب الإدارية والوسائل التى تقيمها وتتبناها أى جماعة أو حزب لتحقيق مقاصد المرجعية الدينية أو الفلسفية أو السياسية التى تؤمن بها وتريد وضعها موضع الممارسة والتطبيق فى عالم الحياة.
 
ولأن هذه بدهية يتفق عليها كل عقلاء الدنيا، فقد مارسها المسلمون الأوائل إبّان إقامة نظامهم السياسى الذى أبدعوه -وهو الخلافة- لتفعيل المرجعية الإسلامية فى السياسة والاجتماع.
وعلى هذا، فالخلافة هى مجرد نظام له آلياته ومؤسساته وتراتيبه الإدارية، وليست دينًا أو وحيًا أو وضعًا إلهيًّا ثابتًا مثله كمثل العقيدة والشريعة والقيم والأخلاق.
وفى هذه الرؤية يكون النظام «مدنيًّا» قابلًا للنمو والتطور وفى ظله يحق للمسلمين –بل يجب عليهم– أن يتفاعلوا مع الحضارات الإنسانية الأخرى ليفيدوا ويستفيدوا من تجارب الأمم والشعوب، دون افتئات على المرجعية ودون المساس بما هو وحى إلهى مقدس.نكمل غدًا مع «الخلافة المذكورة فى القرآن ليست هى النظام السياسى، واستحالة تطبيقها فى الوقت الراهن».

شارك الخبر على