محمد الموجي.. صانع عمالقة الغناء الذي سرق عبد الوهاب لحنه وحاكمته أم كلثوم

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

يعد محمد الموجي أبرز المجددين في الموسيقى والغناء العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وصاحب البصمة الفنية المميزة التي تحمل اسمه، بعد أن رأى أن البداية نحو المجد لا تأتي من صوته بل من ألحانه، ولم يكذب خبرًا واتجه على الفور للتلحين، وبدأ مع الشاب "حليم" بـ"صافيني مرة" التي قلبت المجال الفني حينئذ رأسًا على عقب، وتوالت بعدها النجاحات من خلال غيرها الكثير والكثير من الألحان الخالدة في آذان المستمع العربي، فأخلص للفن بصدق وأصبح أحد أهم الملحنين، وتغنى بألحانه كبار مطربي ومطربات الوطن العربي.

النشأة
هو محمد أمين محمد الموجي، المولود في 4 مارس 1923 في مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ، حصل على دبلوم الزراعة 1944، وكان والده يتقن العزف على العود والكمان، وهو ما شجع الابن على تعلم الموسيقى، حتى أجاد العزف على العود وهو في الثامنة من عمره، لكنه أكمل دراسته حتى تم توظيفه.

مطرب فاشل وملحن تاريخي
عمل الموجي في وظيفة زراعية بمصلحة الأملاك الأميرية، ثم تنقل في عدة وظائف حتى قرر إشباع هوايته في الموسيقى والغناء، فأصبح عازفا للعود ومطربا في فرقة "صفية حلمي"، ثم فرقة "بديعة مصابني".

وتقدم الموجي في ١٩٥١، إلى امتحان الإذاعة لاعتماده مطربا، لكن اللجنة رفضت ذلك واعتمدته ملحنا، وأصبح اسمه المعتمد "محمد الموجي"، والتقى في نفس العام بالعندليب عبد الحليم حافظ، وكانت هذه هي البداية الفنية لكليهما، إذ قدّم له الموجي أغنية النيل "يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا أسمر"، ولأنها شكل جديد في الغناء فقد رفضتها لجنة الاعتماد في الإذاعة، وعندما تغير أعضاء اللجنة تمت الموافقة على اللحن.

وقدّم الفنانان بعدها أغنية "صافيني مرة"، ولكن جمهور الإسكندرية -الذي استمع إلى الأغنية في إحدى الحفلات- لم يستوعب اللحن في البداية، وعندما غناها عبد الحليم بمسرح الأندلس بالقاهرة ١٩٥٤ صفق له الجمهور، واعتبرها النقاد الميلاد الفني الحقيقي للملحن محمد الموجي، والمطرب عبد الحليم حافظ.

واستمرت رحلة الموجي وعبد الحليم حتى وفاة الأخير عام 1977، وقدما معا 54 أغنية ما بين عاطفية ووطنية ودينية، و88 لحنا، خلال حوالي 25 عاما من التعاون الفني، ومن هذه الأغنيات: "حبك نار، يا حلو يا أسمر، يا مواعدني بكره، كامل الأوصاف، رسالة من تحت الماء"، و"قارئة الفنجان"، وهي آخر ما غناه عبد الحليم قبل وفاته، والتي استغرقت وقتًا طويلًا قبل أن تخرج للجمهور، بداية من عبد الحليم الذي شرع في تغيير كلمات القصيدة، بعد موافقة كاتبها نزار قباني، انتهاء بحادثة احتباس صوت ملحنها محمد الموجي، مما يعيق نقلها إلى نوتات، في الوقت الذي لم يتبقّ فيه على الحفل المزمع غنائها به سوى 12 يومًا فقط، لكن بإصرار من الفرقة الماسية التي لازمت حليم أشهر حفلاته، واصلوا التدريب على الغنوة في المدة القليلة الباقية بعد عودة صوت الموجي مرة أخرى، كما أثمر تعاون الثنائي مجموعة من الابتهالات الدينية منها "أنا من تراب"، ومن الأغاني الوطنية "لفي البلاد يا صبية، النجمة مالت ع القمر".

أزمة مع الست
تعاون الموجي كذلك مع الفنانة أم كلثوم في عدد من الأغاني، أشهرها "للصبر حدود" 1963، و"اسأل روحك" 1970، و"حانة الأقدار"، "الرضا والنور"، "يا صوت بلدنا"، و"يا سلام على الأمة"، وهو الملحن الوحيد الذي قدّمته أم كلثوم لجمهور المسرح، عقب غنائها له "أنشودة الجلاء".

ووقع اختيار أم كلثوم على الموجي ليلحن لها "للصبر حدود"، فيأخذ الموجي الكلمات ويختفي، وكلما تسأل عنه أم كلثوم أحد معارفه فيجيبها أنه مع فلان أو فلانة يحضران للحن جديد، فاستشاط غضبها وقررت رفع دعوى قضائية تُجبر الموجي على تنفيذ الاتفاق المبرم بينهما بتسليم اللحن بعد شهر، وعلى إثرها مثل الموجي أمام القاضي، الذي سأله: "لماذا لم تُنهِ اللحن في الميعاد المحدد؟" فأجاب الملحن: "احكم علىّ بالتلحين"، فرد القاضي: "حكمنا عليك.. لحن يا موجي"، فتساءل الموجي: "كيف؟ هل أفتح رأسي وأخرج اللحن؟"، باقتناع بحجة الموجي رد القاضي: "معك حق.. أنت حر مع أم كلثوم"، وخرج الموجي إلى جوار أم كلثوم التي بادرته بذكاء: "عرفت أجيبك ولا لأ"، فضحكا في نفس واحد وتصالحا، فأخرجا فينا بعد رائعة "للصبر حدود".

الموجي وموسيقار الأجيال
استطاع الموجي بعد عناء أن يُقابل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ليعرض عليه بعض ألحانه، وعقب ذلك وحين ذهب الموجي إلى بيته ليستمع إلى الراديو مصادفة فوجد بعضا من جمله اللحنية التي كان قد أسمعها للأستاذ تتغنى بها المطربة رجاء عبده، في أغنيتها الشهيرة "البوسطجية اشتكوا"، وعاد الملحن الشاب إلى أستاذه معاتبًا، لكن الأخير قابله بمنتهى الهدوء، قائلًا: "مش عيب الأب ياخد كرافتة ابنه، عشان يكون في أبهى صورة".

ولحن الموجي أغاني عديدة للفنانة فايزة أحمد، وحقق بعضها شهرة كبيرة، منها: "أنا قلبي إليك ميال، ياما القمر ع الباب، بيت العز، يا أسمراني، م الباب للشباك، تمر حنة"، ولحن للفنانة وردة: "عايزة أحب، لازم نفترق، مستحيل، أكدب عليك، أهلا يا حب"، ومجموعة من الأغاني الدينية منها: "سبحان الله، يا رب، سبحانه رب الوجود، ترنيمة الكروان".

اكتشاف السندريلا
الموجي كان قادرا على الإشارة لمناطق لا يراها المؤدي أو المطرب في صوته، ولعل أيضا المثال الأبرز على ذلك ما لحنّه للسندريلا سعاد حسني في فيلم " صغيرة على الحب" حيث لحن لها "ما انتاش قد الحب يا قلبي"، والأوبريت الحامل لاسم الفيلم، ليطرح لأول مرة صوت "سعاد"كمؤدية طربية لا بصوت ممتاز للغاية بل ويكشف في اللحنين مساحات صوتية لم يكن يتوقعها أحد.

ولحّن الموجي أيضا عدة ألحان لعدد كبير من المطربين والمطربات، منهم: عزيزة جلال، ميادة الحناوي، نجاة الصغيرة، طلال مداح، ماهر العطار، علي الحجار، سميرة سعيد، صباح، وهاني شاكر.

وحاول الملحن الراحل احتراف التمثيل في بداية حياته الفنية لكنه لم يستمر فيه، واشترك في ثلاثة أفلام هي: "رحلة غرامية، أنا وقلبي" عام 1957، و"العزاب الثلاثة" 1964، كما قدّم الألحان والموسيقى التصويرية لنحو 46 فيلما ومسلسلا، قبل أن يتوفى يوم 1 يوليو 1995 في القاهرة.

شارك الخبر على