بيت ( المدى ) يستذكر رائد علم الاجتماع عبد الجليل الطاهر

حوالي ٦ سنوات فى المدى

 
 بغداد/ المدى عدسة/ محمود رؤوف
مجالهم جدليّ، فهم فئة قليلة ضمن واقعنا الاجتماعي عملوا في مجال خاص هو علم الاجتماع، الذي من شأنه أن يُلامس واقع المدينة بكل صراعاته، ومدياته...قال البعض أن مجالهم بعيد كل البعد عن الحقائق ومن شأنه أن يكون مادة غير واقعية، أقرب الى المثالية في دراستها، وقال آخرون إن هذا المجال وجد لإحتواء الكُسالى، وبالرغم من تلك الاقاويل إلا أن هذا العلم أُسس على يدّ أهم الشخصيات الفكرية في العراق أمثال علي الوردي، عبد الجليل الطاهر، حاتم الكعبي، مصطفى سمير....
جانب من السيرةأما هو فيُعدّ من رواد هذا العلم، الراحل عبد الجليل الطاهر عالم الاجتماع العراقي الثاني بعد الراحل علي الوردي، وكما ذكر مُقدم الجلسة الاذاعي عبد اللطيف جاسم " إن الراحل ولد في قضاء القرنة ، مارس التدريس في كلية الآداب، وتخرجت على يده أجيال من التلاميذ الذين أفادوا من عقله وتعلموا المفاهيم والمصطلحات الإجتماعية الجديدة في تحليل وحدات المجتمع العراقي."ولم يرغب جاسم بالاسهاب والحديث عن سيرة الراحل ذاكراً أن من حق الضيوّف المختصين بهذا المجال الحديث عن المحتفى به، والذي تم استذكاره صباح يوم الجمعة الفائت في مقر بيت المدى في شارع المتنبي.
أساطين علم الاجتماعفي كتابه " أساطين علم الاجتماع" أشار الباحث عبد اللطيف العاني قائلاً " لقد ذكرت عبد الجليل الطاهر في الفصل العاشر من كتابي أساطين علم الاجتماع ، وهم أربعة من أهم الشخصيات الذين وضعوا اللبنات الأولى لهذا العلم في العراق، أولهم علي الوردي وثانيهم عبد الجليل الطاهر، وحاتم الكعبي، ومصطفى سمير ."وبعيداً عمّا ذُكر في هذا الكتاب ، يتحدث العاني عمّا جمعته من ذكريات مع الطاهر قائلاً "لقد درسني الراحل لاربع سنوات متتالية وكان قمة في الاخلاق، عرفته عند دخولي كلية الآداب، كنا كطلّاب نخجل من سلوكه المتواضع وحسن تعامله معنا فكان حمامة سلام، وهو عالم غزير المعرفة درسنا علم النفس الاجتماعي والنظريات الاجتماعية."كان يُحاضر لتلامذته حتى في مقر عمله، ويذكر العاني أن الطاهر كان يأتي الى الجامعة ويبقى لتدريس التلاميذ حتى المساء، مؤكداً إنه " حريص على مادته وكان يُثني بشكل كبير على الطالب الذي يحصل على درجة نجاح أو يتفوق عليها في مادته، كما أننا في ذلك الوقت كنا نحفظ مادته عن ظهر قلب، وقد تخرجنا في ستينيات القرن الماضي حيث كان علم الاجتماع في بدايته بالعراق." ترجم عبد الجليل الطاهر تقريراً سرياً استخدمته الاستخبارات البرطانية عن العشائر والسياسة وبيّن خلاله علاقة العشائر العراقية بالسلطة البرطانية ، وترجم كتاب أصول الطبقة الوسطى وكتب أخرى كثيرة، وكتاب عشرة أعوام في طرابلس وصف خلاله العادات في ليبيا بين عاميّ 1983 و 1993.
إشكالية علم الاجتماعلماذا لم يهتم الفرد العراقي بشخصية الطاهر منذ وقت مبكر، السؤال طرحه د. جمعة مطلك وقال " الإجابة كانت ستأتي موكلةً أمرها الى الأسباب السياسية ويمكن تعليق عدم الاهتمام على أسباب أخرى، إلا أننا سنلاحظ أن الفرد العراقي اليوم يحاول أن يستعيد ذاته من خلال استعادة شخصيات مهمة ذات مرجع تأريخي وثقافي وانساني وفلسفي كالطاهر."ولأن علم الاجتماع أثار جدلاً كبيراً يذكر المطلك قائلاً "لا يمكن أن ننظر الى علم الاجتماع على انه قادر على رؤية الحقيقة فهو لا يقدم شيئاً جديداً او يقدم الشخصية العراقية بشكل حقيقي "وهذا ليس رأيي بل هي أراء عديدة جاءت بصدد هذا العلم"، كما يصف العلم المجموعات البشرية بطريقة يعتمد من خلالها على الترجمة الرديئة للذات، لهذا لمحّ البعض أن هذا العلم كان مادة للكسالى والمتقاعدين تُدرّس بالجامعات."الرباعي الذين ذكرهم الاستاذ عبد اللطيف العاني انطلقوا من فكرة الدولة والزمان ومحاولة خروج المجتمع العراقي عن دور العالم الثالث والصراع الذي واجهه المجتمع إلا أن المطلك يجد "أن الراحل فالح عبد الجبار هو الوحيد من بين علماء الاجتماع استطاع التخلص من المدرسة الماركسية والايدولوجيا التقليدية، وسدّ عبد الجبار هذا الفراغ وأفلت من حبال الماركسية واعتمد على المجتمع." المشكلة الكبرى في علم الاجتماع تتلخص إن هذا العلم نظر لأصالة الدولة ووضعها الاجتماعي وهي حالة ظرفية بالنسبة للعلاقات الدولية الحديثة البعيدة عن التبعية الدنيوية للدولة العراقية لهذا لا يُنظر للعراق كأنه ارضية للتحديث المنضبط وصولاً للحداثة السياسية، وقد تناسى علم الاجتماع ان الدولة العراقية رهينة الاستعمار. الأب المعلمعن والدها تحدثت الدكتورة إيثار عبد الجليل أبنة الراحل خلال كلمتها قائلةً " أن السيرة الذاتية للطاهر تُشير الى أن حياته مكرسة للعلم والمعرفة وخصص الجزء الأكبر من حياته للبحث العلمي والتأليف والقراءة أكثر من أي شيء آخر، حيث نقل الطاهر لنا نحن أولاده محبة العلم والقراءة والاطلاع على العام وحب الاستفسار."وهنا تشير الدكتورة إيثار الى طفولتها قائلة " حين كنت أسأله في طفولتي عن أي معلومة كان يقول اذهبي للقراءة، وعلمنا أن المعلومة لاتُعطى بسهولة، بل كانت تُمنح من خلال البحث الطويل والقراءة ، وكانت هذه السمة البارزة في الطاهر."قضى الراحل أغلب وقته في تأليف الكتب والبحث والدراسة والتدريس وكانت صفة المعلم والمدرس هي الصفة الغالبة عليه ، وتذكر إيثار عبد الجليل " كدّتُ أن اسمي ابي دائما بـ " الاستاذ الجامعي " حين اتكلم عنه فهو تدريسي كما قلت في طباعه أولاً وقبل كل شيء، و يبحث ويحب الاطلاع ويناقش في مختلف العلوم." كان الطاهر يقدم العلم بمتعة وسرور، حتى أثناء المزاح وأطلاق النكات ، تقول ابنة الراحل "كان يعتبر العلم مجالاً مُتاحاً للتسلية ، فأصبحت تفاصيل حياته البسيطة مُغلفة بالعلم وعدّ الطاهر العلم نقطة ارتكاز رئيسة في أي شيء وكانت جلسته الرئيسة هي الحديث عن العلم كسمة بارزة له ." أما عن حياته فقد أكمل الجزء الاكبر منها في الجامعة وكانت بيته الذي يسكنه الوقت الأطول وتذكر إيثار في نهاية كلمتها إن موقفاً من عدم الاحترام واللياقة قام به أحد الطلاب أدى إلى إثارة تحفظ الراحل ما أدى الى وفاته وقد قال ذلك حين عاد الى بيته وما إن خلد الى النوم حتى توفي."
وزير للمعارف أكد وجود وأهمية علم الاجتماع في العراق وخالف بذلك الاراء التي سبقته خلال الجلسة الباحث عبد الوهاب حمادي يؤكد قائلا " بالتأكيد يوجد علم اجتماع في العراق وهو مجال مهم جداً وكان من روّاده علي الوردي وحاتم الكعبي، وأحمد صالح العلي ، وعبد الجليل الطاهر، كانوا من عباقرة العراق ولم يأتي الزمان بمثلهم."أشار حمادي عن ذكرياته مع الطاهر حين كان طالباً عنده ويقول "كنت من طلاب الطاهر في قسم الاجتماع وعاصرته في سنتين أواخر العهد الملكي واوائل العهد الجمهوري ."مما يتذكره حمادي عن الراحل " أن الطاهر يقودنا لدراسة المجتمعات السكنية الجديدة في حي السلام مشروع دوكس ياكس، وكنا ندخل مع الطاهر لهذه الدور ونسأل الساكنين فيها ويخبرونا إنهم سعداء بوجودهم هنا، وكان الطاهر مرشحاً ليكون وزير المعارف في عهد الجمالي، وقد تم تكليفه باجراء بحث في قرية الشاكرية في مجمع كرادة مريم وكلف بالقيام ببحث عن سكان الصرائف وكان السؤال هل تريد العودة للريف بعد ان يُهيأ لكم كل شيء في الحياة المدنية وكانت إجابة السكان المهاجرين بنفي رغبتهم بالعودة الى الريف وكان هذا واحداً من البحوث التي أفادت المجتمع العراقي."

شارك الخبر على