كاليفورنيا ضد ترامب

أكثر من ٧ سنوات فى الشبيبة

مايكل جيه. بوسكينإذا تجاوزنا العناوين الرئيسية للتغطية الإعلامية الدائمة التي تلاحق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فسوف نتمكن من تمييز تحول عالمي في القوى السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو التحول الذي قد تكون تبعاته على أمريكا والعالَم أعظم كثيراً من تبعاته على رئاسة ترامب الفعلية. وبين أكثر هذه التغيرات أهمية تدهور العلاقات بين الحكومات المركزية ودون الوطنية، وأيضا بين الحكومات الوطنية وفوق الوطنية.يتفاعل الأمريكيون في المقام الأول مع الحكومة على مستوى الولاية والمحليات، من خلال المدارس والطرق، والشرطة والمستشفيات. وفي كاليفورنيا، بين ولايات أخرى، تتعالى على نحو متزايد الأصوات المطالبة بقدر أعظم من الاستقلال المحلي، وفي بعض الأحيان تردد هذه الأصوات أصداء خطاب الانفصاليين في كتالونيا أو أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة. ففي ظل احتكارهم شبه الكامل للسيطرة على ولاية كاليفورنيا والحكومات المحلية، يسعى الديمقراطيون إلى إلغاء التأثيرات المتخلفة عن كل سياسات ترامب تقريباً.على سبيل المثال، من شأن مشروع قانون في الهيئة التشريعية للولاية أن يعوض عن الحد الذي يفرضه قانون الضرائب الفيدرالي الجديد على الاقتطاعات من ضريبة الدخل وضريبة الممتلكات في الولاية ــ وهو التدبير الذي سيلحق ضرراً شديدة بولاية كاليفورنيا لأنها لديها واحداً من أعلى المعدلات الضريبية في البلاد، كما يمتلك سكانها منازل باهظة التكلفة. ويسمح قانون الولاية المقترح لمواطني كاليفورنيا «بالتبرع» بالضرائب التي تفرضها عليهم الولاية لمؤسسة خيرية تابعة للولاية بوصفها مساهمات خيرية قابل للخصم من الضرائب.لكن دائرة الإيرادات الداخلية ستنتبه بسرعة إلى هذه الحلية. فالمساهمات الخيرية قابلة لخصم على المستوى الفيدرالي فقط إذا لم يتلق المانح أكثر من القيمة العارضة للمساهمة، ومن الواضح أن هذا لا ينطبق على حالتنا هذه. الواقع أن حتى القيمة السوقية العادلة لوجبة في مأدبة عشاء خيرية غير قابلة للخصم.اعتبارا من العام المقبل، يلغي قانون الضرائب الفيدرالي الجديد أيضا التفويض الفردي لقانون الرعاية الميسرة لعام 2010 (أوباما كير)، والذي يفرض غرامة على أولئك الذين لا يشترون وثائق التأمين الصحي. ولأن الإلغاء قد يؤدي إلى التعجيل بطفرة في أقساط التأمين في ظل قانون الرعاية الميسرة، فإن العديد من الديمقراطيين في كاليفورنيا يطالبون بنظام الرعاية الصحية الذي تموله الحكومة بنظام الممول الفرد، مثل الأنظمة المعمول بها في كندا وأوروبا. ناهيك عن أن مثل هذا النظام ربما يزيد ميزانية الولاية إلى ثلاثة أمثالها.علاوة على ذلك، ولأن كاليفورنيا تعتبر نفسها في طليعة الطاقة الخضراء، فقد استجابت وكالات الولاية لاقتراح ترامب بفتح التنقيب عن النفط في البحر بالتهديد بحظر نقل النفط عبر الولاية، حتى في خطوط الأنابيب الحالية.يرجع مصدر الخلاف الأكثر شراسة إلى سياسة الهجرة. فمنذ أعلنت نفسها «المدينة الملاذ» في العام 1989، منعت سان فرانسيسكو قوات الشرطة التابعة لها من التعاون بشكل كامل مع زبائن الهجرة الفيدراليين. ولكن اعتبارا من العام الفائت، أعلِنَت المدينة بالكامل «ملاذا»، والآن يخطط النائب العام في كاليفورنيا خافيير بيسيرا لتغريم أصحاب العمل الذين يتعاونون مع مسؤولي الهجرة الفيدراليين. ومع تصاعد التوترات بين وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية ونظيراتها على مستوى الولاية، يجد العديد من سكان كاليفورنيا أنفسهم في موقف عصيب، فإما أن يدفعوا الغرامات التي تفرضها الولاية أو ينتهكوا القوانين الفيدرالية.في كل من هذه القضايا، يمكننا أن نتبين حجتين متعارضتين وساريتين جزئيا. ولنتأمل هنا قضية الهجرة. في حين يعمل غالبية المهاجرين غير القانونيين لدعم أسرهم وتحسين حياتهم وحياة أطفالهم، يرتكب بعضهم جرائم خطيرة أو ينتمون إلى عصابات عنيفة. ويركز ترامب على الفئة الأخيرة لتعزيز حجته لزيادة الأمن الحدودي، ويستشهد غالبا بأمثلة لأمريكيين قُتِلوا على يد مهاجرين غير شرعيين عادوا بعد ترحيلهم مرارا وتكرارا. ويزعم معارضو ترامب أن المهاجرين غير الشرعيين أنفسهم كثيرا ما يقعون ضحايا لجرائم خطيرة ــ أو يشهدون حدوثها، ولكنهم يترددون في الذهاب إلى الشرطة لأنهم يخشون الترحيل.كل من الجانبين محق؛ ولكن من المؤسف أنهما توقفا عن المشاركة مع بعضهما بعضا. وبالتالي فعندما عارض البيت الأبيض بقيادة ترامب مؤخرا خطة لإصلاح الهجرة تقدم شيئا لكل من الجانبين، قوبلت بالإدانة الفورية من قِبَل الناشطين المناهضين للهجرة والناشطين من أنصار الهجرة عل حد سواء.تقضي الخطة على وجه التحديد بمنح 1.8 مليون شخص جُلِبوا أو أُرسِلوا إلى البلاد بصورة غير قانونية كأطفال وضع قانوني دائم ومسار إلى المواطنة. وهذا أكثر من ضعف عدد الأشخاص الذين تمتعوا بالحماية بموجب برنامج العمل المؤجل للمهاجرين الواصلين أطفالا الذي أقره الرئيس الأسبق باراك أوباما. وفي المقابل، يريد ترامب 25 بليون دولار إضافية لتوفير الأمن على الحدود مع المكسيك ــ بما في ذلك جداره الموعود ــ فضلا عن إصلاحات للحد من الهجرة القانونية الأسرية وتفضيل العمال من ذوي المهارات العالية، وهي القاعدة المعمول بها في أغلب الدول المتقدمة.رفض المتشددون المناهضون للهجرة خطة ترامب كشكل من أشكال العفو. وفي الوقت نفسه، وصفت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، الخطة على أنها «مخطط لجعل أمريكا بيضاء مرة أخرى». ولكن هنا تكمن الصعوبة: ذلك أن خطة إدارة ترامب تُعَد اقتراح إصلاح الهجرة الأكثر واقعية في عقود من الزمن. وإذا كان الديمقراطيون أذكياء، فسوف يكبحون جماح كراهيتهم الشديدة ويدركون أن مصداقية ترامب في نظر الجمهوريين المناهضين للهجرة تضعه في موقف مثالي يسمح له بالتفاوض على حزمة مشتركة بين الحزبين.في حين تواصل كاليفورنيا جهودها الرامية إلى إلغاء سياسات إدارة ترامب، يتساءل المرء ما إذا كان نهجها ليؤدي إلى نشوء تحد دستوري. من المؤكد أن الولايات تتمتع بالسلطة القانونية التي تخول لها تبني سياسات تتعارض مع السياسة الفيدرالية. والواقع أن التعديل العاشر للدستور الأمريكي يحفظ للولايات صراحة كل الصلاحيات غير المفوضة للحكومة الفيدرالية. وربما تستخدم الولايات الحكومة الفيدرالية، كما فعل الحكام الجمهوريون ونواب العموم لإسقاط العديد من الضوابط التنظيمية والأوامر التنفيذية من عصر أوباما.لكن المحكمة العليا الأمريكية، أصدرت حكمها مرارا وتكرارا بأن الولايات لا يجوز لها إلغاء أو نقض القوانين الفيدرالية ــ وهو الحق الذي طالبت به بعض الولايات الجنوبية في منتصف القرن العشرين لمقاومة الإدماج المدرسي. وهذا مبدأ دستوري يعود إل منتصف القرن التاسع عشر، عندما ألغت المحكمة العليا قرار محكمة ولاية ويسكونسن العليا والذي ألغى قانون العبيد الآبقين لعام 1850.في غضون أقل من تسعة أشهر، سوف تعقد كاليفورنيا انتخابات لاختيار حاكم جديد، وعضو واحد لمجلس الشيوخ، و53 عضوا لمجلس النواب. وعلى هذا فإن خطاب «مقاومة» ترامب من المرجح أن يصبح أكثر سخونة ــ ومن المرجح أن تجد المحاكم نفسها وقد أصبحت أكثر انشغالا في فرز ما هو قانوني وما هو غير قانوني.أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكان رئيسا لمجلس الرئيس جورج بوش الأب للمستشارين الاقتصاديين في الفترة من 1989 إلى 1993.

شارك الخبر على