تهمة.. لكل فكرة

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

لميس ضيففي اليوم الذي زحفت فيه الجموع الغاضبة لمنزل الفيلسوف ابن رشد لتحرق كتبه ومؤلفاته، انتحب أحد تلامذته وهو يرى المؤلفات الثمينة تُحرق من قِبل الغوغائيين والسوقة الذين تقاطروا تنفيذا لـ«فتاوى» أصدرها رجال الدين تقضي بوجوب حرق «هرطقات ابن رشد» كي لا تُدرس وتنتقل بين العامة.يومها قال ابن رشد عبارته الشهيرة مواسيا تلميذه: «يا بُني لا تبكِ على الكتب المحترقة فللأفكار أجنحة تطير بها إلى أصحابها».كان ابن رشد أحد أهم العلماء والمفكّرين الذين مرّوا على وجه هذه الأرض، وأشبه المفكّرين بديكارت، ولكنه تفوَّق عليه بتنصله من المحاذير الفلسفية وعملية أفكاره. قبل شهرين فقط تم تكريمه في إسبانيا بعد قرون من وفاته باعتباره الأب الروحي لنهضتها ودستورها. لكنه مات من المرض والاكتئاب بعد أن تم تكفيره واتهامه بالزندقة من قِبل علماء عصره.نحدس أنه حفر قبره يوم قال مقولته الشهيرة «لا يُمكن أن يُعطينا الله عقولا، ثم يعطينا شرائع مخالفة لها». لأن رجال الدين الذين لعبوا على وتري: جهل الناس، وإيمانهم، واستغلوا الجماهير أبشع استغلال لم يكونوا مستعدين لانتشار فكرة، مجرد فكرة، ترشح للناس عقولهم وأفئدتهم كبديل عن الإملاءات التي يُغرقون بها العقول التي تأتي -عادة- بإحدى هيئتين: إما أنْ تكون بركة يسهل ملؤها وتسميمها، وإما أنْ تأتي على هيئة فضاء مفتوح يستوعب كل ما يمرّ عليه ولا يمكن تطويقه باتجاه وهي النوعية التي يكرهها السلطويون من كل شكل ولون.وللعلم، فإن رجال الدين أشرس بمراحل من رجال السلطة عندما يأتي الأمر لتحرير العقل في مواجهتهم. ولا نتحدّث عن المسلمين هنا حصرا. فالتاريخ الدموي للكنيسة الكاثوليكية والطريقة التي سلخت بها جلود كل من دعا وأيَّد الأرثوذكسية، وأفعال البوذيين والهندوس الذين يقوم جوهر دينهم على التسامح والعطاء ولكنهم يحرقون أعداءهم أحياءً إذا ما اقتضت الحاجة، يُثبت أن قسوة من يستغلون الدين لحماية نفوذهم لا تعادلها قسوة.عصور مرّت وتوالت على هذه البسيطة ولم يتغيّر الوضع بل تغيّرت التُّهم. لا يُتّهم من يواجه جشع رجال الدين اليوم بـ«الزندقة» و«الهرطقة» ولكنه يُتّهم بـ«العلمانية» و«اليسارية» وأنه عدو لله ورسوله. وهناك مشانق شعبية وصلبان في كل المنابر الاجتماعية لمن يتجرأ ويُعارض صنم فكرة «ممارسة» عرف صنعته النخبة «الدينية» بيديها وألبسته عباءة الدين.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على