بديعة مصابني.. عميدة الرقص الشرقي التي اغتُصبت في عمر السابعة

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

بديعة مصابني.. عميدة ورائدة الرقص الشرقي، التي لم تكن مجرد راقصة، بل مشروع فني مكتمل الأركان، تخرج من تحت يديها أكبر نجوم الاستعراض في مصر والعالم العربي، وعلى رأسهم تحية كاريوكا وسامية جمال وببا عز الدين، وكانت تُعلم أصول وتكنيك الرقص الشرقي والتركي والعجمي واللبناني والإفرنجي، وكذلك العديد من مطربي مصر وفنانيها تخرجوا من فرقتها ومروا على "كازينو بديعة" الأشهر في مصر، ومنهم فريد الأطرش وأسمهان ومحمد فوزي، فضلًا عن أنها مكتشفة الكوميديان إسماعيل يس.

لبنانية ولدت في حلب بسوريا في 12 نوفمبر 1892، و"بديعة" اسم مُنحته لجمالها، فاسمها الأصلي كان "وديعة"، إلا أن ملامحها البريئة التي جمعت بين الجينات اللبنانية والسورية، جعلت الجميع يطلق عليها لقب "بديعة" بدلًا من "وديعة".

انتمت إلى عائلة ميسورة الحال، حيث امتلك والدها مصنعًا للصابون ولكن سرعان ما تغير الحال، إذ احترق المصنع وتوفي والدها حزنًا عليه، وفي ليلة العزاء سُرقت مجوهرات والدتها فأصبحت بذلك العائلة دون سند مادي أو معنوي.

بعد وفاة الوالد، اضطر أخوها "توفيق" للعمل في إحدى الحانات، ومأساة حياتها الأكبر كانت تعرضها لحادث اغتصاب وهي في السابعة من عمرها على يد صاحب الخمارة، وحكم عليه بالسجن عاما واحدا وغرامة 200 ليرة ذهبية.

وفي الثامنة من عمرها، أبحرت عائلتها إلى أمريكا الجنوبية، بعدما رهنوا المنزل ودبروا تكاليف السفر وأجرة الباخرة، وهناك التحقت "بديعة" بمدرسة داخلية تعلمت فيها الإسبانية وفنون التمثيل بعدما اكتشفت الراهبات موهبتها في الغناء والتمثيل والرقص.

في عام 1912، قررت والدتها المجيء إلى القاهرة لقضاء عطلة الصيف، وبينما كانت "بديعة" صاحبة العشرين ربيعًا آنذاك، تتنزه في حديقة الأزبكية، تعرفت إلى المؤلف فؤاد سليم، واقترح عليها أن تدخل مجال التمثيل فرحبت على الفور، حيث إنها الفتاة التي طالما مارست هذه المهنة أثناء دراستها على مسرح المدرسة، ليُقدمها بدوره إلى مواطنها جورج أبيض الذي طلب من "فؤاد" أن يعلمها العربية، حيث لم تكن تُتقنها نظرًا لطفولتها بالخارج، وبالفعل وخلال أقل من 3 أشهر أصبحت تجيد قراءة العربية والتحدث بها بطلاقة.

كانت والدتها ترفض التحاقها بمجال الفن، فقررت العودة إلى الشام مع ابنتها. وفي محطة القطار هربت بديعة من أمها لتقرر المكوث في القاهرة، والتمسك بحلمها في مجال الفن والتمثيل. قدّمت مع "جورج" بعض الأدوار ثم انضمت إلى فرقة عزيز عيد ثم فرقة أحمد الشامي والتي صعد فيها نجمها بسرعة كبيرة وتم إسناد البطولة لها في مسرحية "ابن الحارة" وبعدها أصبحت بطلة الفرقة.

طافت بديعة البلدان العربية، منها سوريا، والأردن وفلسطين، وقدّمت العديد من العروض هناك، حتى تعرفت إلى الفنان نجيب الريحاني في بيروت، وعادا إلى مصر ليقدما واحدة من أنجح المسرحيات، عن رواية "ليالي الملاح"، ولعبت فيها دور "قوت القلوب".

في عام 1925، تزوجت "بديعة" من نجيب الريحاني، وحتى عام 1943، وعاشا معًا فترة من الوفاق لم تدم طويلًا ثم حدث الانفصال على كل المستويات، بسبب طموحها غير المتناهي، في حين أن "نجيب" في نظرها شخص "كسول"، وقالت عنه إنه كان يحب النوم مثل عينيه.
وفي عام 1929 ابتدعت رقصة شرقية خاصة بها وعرفت باسمها، لتقوم بافتتاح صالة للرقص باسم "كازينو بديعة"، في ميدان الأوبرا، والتي تخرج فيها ألمع نجوم الاستعراض فى مصر والعالم العربي، منهن "تحية كاريوكا، ببا عز الدين، حكمت فهمي، سامية جمال"، وكان من رواد الكازينو الأدباء والفنانون يتخذون من الحديقة مكانا لندواتهم ولقاءاتهم، وكان الأديب نجيب محفوظ يقيم ندوة أسبوعية فيه، وكان من رواده الأوائل الملك فاروق.

كونت فرقة غنائية راقصة ولدت عملاقة ضمت أشهر مطربي ذلك الزمن ومنهم "فاطمة سري، نجاة علي، الشيخ سيد الصفتي، فتحية أحمد، ماري جبران، ببا عز الدين، شوشو عز الدين، تحية كاريوكا، فريد الأطرش، أسمهان، ماري منصور، زينات صدقي، محمد فوزي، إبراهيم حمودة، محمود الشريف، أحمد عبد القادر، إسماعيل ياسين، ثريا حلمي، بشارة واكم، محمد فوزي، سامية جمال، هاجر حمدي، حورية محمد، محمد الكحلاوي، محمد عبد المطلب، حكمت فهمي".

استطاعت "بديعة" أن تحقق مكاسب مادية كبيرة من وراء هذا التطوير، وأصبح مسرحها أهم مسرح في مصر يحضر إليه الجمهور من مختلف الأماكن، لتصل أرباحها صافية في الليلة الواحدة بعد توزيع الرواتب وتكاليف السهرات إلى 50 جنيهًا، وهو مبلغ ضخم آنذاك.

في عام 1936 أسست شركة "أفلام بديعة للإنتاج السينمائي"، وأنتجت فيلم "ملكة المسارح" والذي قامت ببطولته مع مجموعة من الفنانين لكنه لم يحقق نجاحًا، ولأنها كانت قد حصلت على تكاليف إنتاجه من البنك؛ فقد حجزت الضرائب على ممتلكاتها، فأغلقت الشركة ولم تكمل مشوارها في الإنتاج السينمائي وبقيت في المسرح مع فرقة نجيب الريحاني.

شاركت في العديد من الأفلام، ومنها: "أم السعد، فتاة متمردة، ليالي القاهرة، الحل الأخير، ابن الشعب"، شاركت في عدة مسرحيات منها "ريا وسكينة، مراتي في الجهادية، الشاطر حسن، الفلوس ومجلس الأنس، والبرنسيسة"، ومن أغانيها "جوزني يا بابا، الغيرة يا نار الغيرة، الشارلستون، في الظلمة، القطن، بس بس نو، إدي بديعة، الغيرة نار، البدر طلع غنوله، الحظ، المستشفى، رقص بديعة، خدو بالكم من قولي، مزيكة بديعة، غني يا بلابل، يا أهل القانون، ياما سهرت ليالي عليك، هاتلي شمعة تنورلي".

لم ترتد طوال مشوارها "بدلة رقص"، فكانت ترفض التعري على خشبة المسرح، وتفضل ارتداء الفساتين السواريه والبدلات الشرقية لتظهر بشكل منفرد ومختلف على المسرح عن بقية الراقصات، باعتبارها رئيسة الفرقة ومديرة الكازينو.

عام 1949، طلبت مصلحة الضرائب من "بديعة" الضرائب على مكاسبها طوال فترة عملها بمصر، وقررت وقتها الهروب بممتلكاتها إلى بلدها لبنان من خلال صديقها الإنجليزي الذي اصطحبها على طائرة خاصة إلى وطنها عام 1950. لم تعد "بديعة" للفن مرة ثانية، وقررت عمل محل للألبان والأجبان في مدينة "شتورة"، وظلت تدير هذا المكان 24 عامًا، إلى أن لقيت ربها في 23 يوليو 1974 عن عمر يناهز 86 عامًا.
 

شارك الخبر على