قناديل هل سنغادر لحظة الصفر المطلق؟

حوالي ٦ سنوات فى المدى

يقدم الروائي والكاتب المسرحي الاندونيسي الأشهر( بوتو ويجايا ) مسرحيته المعروفة ( لحظة الصفر ) بخطاب يقول فيه ( علينا في لحظة الصفر أن نقف جنبا إلى جنب ونساعد بعضنا لنجعل وطننا وعالمنا أفضل من ذي قبل ، وأتمنى أن يعيد قادة العالم النظر في مواقفهم ليصطفوا معا عند نقطة الصفر للانطلاق نحو حلمنا بعالم أفضل )
ذكرني عنوان المسرحية ( لحظة الصفر ) برواية فانتازية غرائبية أقرب الى اليوميات للشاعر الروسي ( اندريه فوزينييسيينسكي ) – اسمه صعب - أطلق عليها اسم (0 ) أو الصفر المطلق ، وفي هذا النص الذي ينتمي للشعر ولكني أعده رواية رؤيوية ، يصحبنا الشاعر في إبحار حر من التخييل والتصورات التي يتعايش فيها الناس مع ( الصفر – الثغرة السوداء ) ويصف فيها لقاءاته مع أشهر مبدعي القرن العشرين من أدباء وفنانين كبار بينهم نحاتون ورسامون وشعراء وموسيقيون وممثلات .الخ.. وتنتج هذه اللقاءات مع الشخصيات الاستثنائية المبدعة تأملات فلسفية وتهكمية ورؤيوية عن أوضاع القرن العشرين بغية إيجاد صورة محددة لفكرة العيش في عالم معاصر واكتشاف مكانة الاجيال المتمردة المضاعة وسط عالم بالغ التعقيد والتغير ..
في الرواية تتحكم ( 0) الثقب الأسود أو الثغرة السوداء بمصائر الجميع وقصص حياتهم وتتدخل في قراراتهم ولايمكن النجاة من فضولها واختراقها لحياة الناس.
منذ أزمنة بعيدة وبلداننا تقف عاجزة في لحظة الصفر المطلق التي تشبه ثغرة سوداء في الزمن ، فلا تغادرها ولاتسعى الى مغادرتها بجهد حقيقي لولوج مسار الزمن المتدفق أسوة بباقي شعوب عالمنا التي تعلمت وعرفت بعون من مفكريها وقادتها كيف تنجو من سطوة الصفر المطلق .
يبدو لي أن ماحدث من حركات وانقلابات واحتلال وتدمير وتغيير أنظمة حكم وثورات ربيع دموية ماهو الا نوع من التململ العشوائي الواهن في المجال الضيق للحظة الصفر ، وهي حركات اثبتت فشلها لسببين : الأول أن غالبيتها لم تنطلق بدافع حقيقي من داخل الحالة المرجو تغييرها ، والثاني غياب الرؤية الواضحة والتخطيط العملي لما سيأتي بعد لحظة التململ ، وهي لحظة حرجة تفصل بين حالتي السبات العميق والافاقة الكاملة .
يغيب عن الأذهان أن الخروج الكامل من لحظة الصفر يشترط وجود قوى حقيقية دافعة ومعززة بوعي الكتلة البشرية المستفيقة وإدراكها لما ستسفر عنه حالة الإفاقة من مفاجآت لا قبل لهم بها.
تشبه حالة التململ العشوائية - المصحوبة بأنهار من دماء الضحايا – والتي تمارسها شعوبنا تشبه نوعا من تقليب عشوائي يقوم به طباخ جاهل وهو يمزج عناصر الحياة المتنافرة في إناء واحد ، تلك العناصر التي تضم مواد سامة أو مواد مغذية أو أخرى شافية ؛ فلا يحسن الطباخ الجاهل مزج مقاديرها ؛ فقد يتغلب مقدار السم على العنصر الشافي أو المغذي ، إضافة إلى عدم وجود اللهب الكافي لإنضاج طبخته على نحو يضمن اكتمالها في أسرع وقت ، ويؤدي الأمر غالبا إلى ظهور طبخة رديئة اختلطت عناصرها من غير حسبان دقيق لمقاديرها مما أفقدها التجانس في المذاق والقيمة الغذائية المرجوة منها ، بل نجد تغلب عنصر السم على عناصرها الأخرى ، فتتحول الطبخة المنتظرة الى مصدر للموت والدمار..
تبقى لحظة الصفر الملازمة لطبيعة شعوبنا هي اللحظة المهيمنة - بالرغم من هشاشتها – على مصائر بلداننا وتحول دون انعتاق الشعوب من سطوتها والانطلاق في مسارات الزمن العالمي المتسارع لتنضم إلى الشعوب الحية المنتجة لتصورات المستقبل .

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على