كيف يمكن للشباب لعب دور فاعل في إصلاح العملية السياسية؟

حوالي ٦ سنوات فى المدى

 د. محمد توفيق علاوي
العملية السياسية التي ابتدأت في 2003 كانت ومازالت عرجاء بسبب الكثير من السياسات الخاطئة التي طبّقت منذ اليوم الأول للاحتلال. لا أريد في هذا المقال التطرق الى تلك السياسات لأن الحديث فيها ذو شجون ويطول، ولكني أريد التطرق الى شخوص تسنّموا السلطة منذ ذلك اليوم.
استطيع الادعاء بأسف شديد، أن السلطة قد آلت إلى أناس تسنّموا حكم البلد وإدارته عن طريق الصدفة في الغالب، وللأسف أيضاً، نجد أن نسبة عالية من هؤلاء، سواء على مستوى مجلس النواب أم على مستوى الوزارات، يفتقرون للكفاءة، بل إن نسبة كبيرة منهم هم من المفسدين. ولكن في المقابل وفي نفس الوقت، فإن بلدنا ينعم بأعداد غفيرة من المواطنين الأكفاء والمخلصين لبلدهم سواء كانوا داخل العراق أو خارجه، وأغلب هؤلاء هم من جيل الشباب الأكثر حيوية والأكثر نشاطاً. أمام هذا الواقع، نجد أنه لا يمكن إصلاح الوضع إلا بإزاحة أغلب أفراد الطبقة الحاكمة من المفسدين وغير الأكفاء من اعضاء مجلس النواب ومن وزراء ومدراء عامين ورؤساء هيئات وغيرهم واستبدالهم بمن هم خارج دائرة الحكم، أو في مراتب وظيفية غير قيادية وبالذات من طبقة الشباب من الأكفاء والمخلصين. هذا هو الوضع والحال الأمثل لإصلاح وضع البلد.

ولكن هل حقاً يمكننا تحقيق ذلك؟ وإذا كانت الإمكانية متوفرة فما هو السبيل لتحقيقها؟

هذا ما سنتناوله في البحث الذي سيكون على ثلاث حلقات:

1. الحلقة الأولى: تتناول الطبقة السياسية الحالية الحاكمة، كيفية وصولها الى حكم البلد، مؤهلاتها، إمكاناتها، سلبياتها وإيجابياتها، فسادها وكفاءتها، عناصر قوتها، إمكانية إزاحتهم عن السلطة بالطرق الديمقراطية.

2.الحلقة الثانية: تتناول المواطنين الأكفاء والمخلصين ممن هم خارج المناصب القيادية من الشباب بالدرجة الأولى، مؤهلاتهم، إمكاناتهم، سلبياتهم وايجابياتهم، عناصر قوتهم، إمكانية وصولهم الى السلطة بالطرق الديمقراطية.
3.الحلقة الثالثة: تتناول التخطيط الفاعل والقادر على التخلص من الطبقة الحاكمة من الفاسدين وغير الاكفاء، وتمكين الطبقة المخلصة والكفوءة وبالذات من الشباب من الوصول إلى السلطة وقيادة البلد في أقصر فترة زمنية ممكنة بالطرق الديمقراطية.
**************

أكثر افراد الطبقة السياسية الحاكمة تولّوا المناصب القيادية عن طريق الصدفة كما قلنا. نعم كان هنالك قلة من المناضلين الحقيقيين ضد النظام السابق، وقلة من شيوخ العشائر الحقيقيين ذوي الشهامة العالية، وقلة من الكفاءات المخلصة ضمن الفترة السابقة، ومن المتصدين الجدد؛ لكن للأسف الشديد، تمت ازاحة الكثير من الكفاءات المخلصة بطرق مختلفة لعلّ إحداها كان تحت مسمى الاجتثاث الذي طُبّق بانتقائية كبيرة باجتثاث غير الموالين وإن كانوا أكفاء، ورفع الاجتثاث عن الموالين وإن كانوا في قمة الفساد. الكثير من أفراد الطبقة السياسية الحاكمة تولوا المناصب من خلال القوائم المغلقة لمجلس النواب خلال الفترات السابقة، ومن خلال التملق للحكام الجدد، ومن خلال الانتماءات الحزبية، ومن خلال الولاء للخارج. نعم اثبت البعض كفاءةً في الحكم، ولكن للأسف، الكثير من عديمي الكفاءة والاخلاص انغمسوا في الفساد وأوصلونا الى هذا الوضع السيء والمزري.
مازال الكثيرون من هذه الطبقة السياسية يتمتعون بخبرة سياسية عالية بحكم نضالهم وعملهم السياسي في السابق والحاضر، ولكن إذا ما انعدمت النزاهة والاخلاص، فإن الخبرة السابقة ستغدو وبالاً على البلد ويمكن أن تقوده إلى الهاوية كما هو حاصل الآن.
عناصر قوة المفسدين تتمثل في انتماءاتهم الحزبية، فضلاً عن المبالغ المالية الضخمة التي اصبحت في جعبتهم بسبب السرقات والفساد، فضلاً عن خداعهم للجماهير التي انتخبتهم بمزاعمهم المخادعة ووعودهم الباطلة.
المعوّل على الشباب أن يتحركوا ويخططوا من أجل قلب المعادلة وإزاحة الطبقة الفاسدة من الحكام الحاليين، وهذا ما سنتناوله ببعض التفصيل في الحلقات المقبلة إن شاء الله، لأن ما يظهر من قوة وهيمنة وسيطرة واستحواذ الفاسدين على الحكم يمكن احالته الى ضعف وهوان وتقهقر وخوف، ولكن ذلك لا يتحقق إلا بالتخطيط الصحيح والتحرك الفاعل وبذل الجهود المخلصة؛ فكلمة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي اصبحت شعاراً لكل الثائرين على الجور والظلم والفساد والطغيان في قوله:
“إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ
فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر"

الواجب الملقى على عاتق المخلصين وبالذات الشباب منهم هو ارادة الحياة ورسم منهج مدروس للتحرك، والسعي الجدي للتغيير والتبديل، والمثابرة الصادقة والمخلصة لاستبدال الواقع السيئ والرديء إلى واقع صالح وطيب ونزيه. إذا تحرك المخلصون بجد واخلاص وتخطيط سليم، فستظهر عناصر ضعف الفاسدين التي يمكنها أن تُنهي حياتهم السياسية في المستقبل المنظور؛ ولكن عناصر الضعف تلك لا يمكن تفعيلها إلا بالتخطيط الدقيق والجهد البالغ والعمل الدؤوب؛ فعنصر قوة الكثير من المفسدين في انتمائهم الحزبي على سبيل المثال، سيزول بمجرد خروج الحزب الحاكم من السلطة بعد تولي المخلصين للحكم؛ فالأمر لا يعدو قضية وقت في مسار البلد في عملية تداول السلطة ديمقراطياً. أما ما يتمتعون به من سلطة بسبب ما يمتلكونه من اموال الفساد، فإن هذه السلطة أيضاً لن تدوم، وسيأتي اليوم الذي ستكون تلك الأموال وبالاً عليهم، فمن منظار السنن الالهية هي ابتلاؤهم في أنفسهم والقريبين منهم، ومن جانب السنن والقوانين الوضعية، فإن عقابهم الاجتماعي هو تشوّه صورتهم والقريبين منهم وسوء سمعتهم بين الناس ثم مآلهم الأخير هو السجن. هذا ما شاهدناه وتعلمناه من الواقع ومن تجارب التأريخ؛ أما مزاعمهم الكاذبة، فقد بانت حقيقة بعضهم، والآخرون ستُبان حقيقتهم عاجلاً أم آجلاً، ولن يطول منهج خداعهم للمواطنين وسوف لن يستمر مسلسل انتخابهم.
سنتناول الخطط المطلوب تنفيذها والخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق ما تطرقنا إليه أعلاه في الحلقة الثالثة من هذا الموضوع.
أما أمثلة الفساد لهذه الفئات وفقدانهم للكفاءة وخداعهم من انتخبوهم، فلا يمكن حصرها، وقد نشر الكثير منها في وسائل الإعلام خلال السنين الماضية، لكني أحب هنا أن أورد بعض النماذج التي عايشتها، لعلها تزوّد القارئ الكريم ببعض الأمثلة وتقربه من الواقع:

1. في عام 2006 بعد بضعة أشهر من توليتي وزارة الاتصالات، جاءتني إحدى النائبات الى الوزارة واخبرتني بأنها من لجنة العمل والخدمات البرلمانية، وإن شؤون وزارة الاتصالات ترجع إليهم، فاهتممت بها وبدأت أشرح لها مشاريع الوزارة، لكنني تفاجأت بأنها لا تفقه شيئاً مما أقول، فاستغربت من شأنها وسألتها إن كانت ترغب بشيء من زيارتها، فقالت: جئت إليك لتعطيني سيارة من سيارات الوزارة، فأجبتها بأني ساستدعي المستشار القانوني، وكان حينها المرحوم السيد حسين الشمري، فكانت إجابته بالإيجاب لعدم تخيّله ما كانت تقصده وقال لها: في أي يوم ترغبين بزيارة أحد مشاريع الوزارة اخبرينا لنرسل لك سيارة توصلك إلى المشروع؛ فأجابت: كلا، أنا أريد سيارة تكون ملكي، فتفاجأ المستشار وقال: كيف نملكك سيارة وهي بذمة الوزارة؟ (هذا نموذج من النواب الذين يمثلون الشعب وعقليتهم؛ لا يبتغون من النيابة إلاّ تحقيق المصالح الشخصية فقط ولا علاقة لهم بمصالح البلد والمواطنين)

2. في عام 2007 بدأنا مع وفد من الوزارة بزيارات مكوكية الى البرلمان للنقاش مع لجنة العمل والخدمات لمناقشة قانون الاتصالات، وكان عدد اعضاء اللجنة حوالي 25، وكان قانون الاتصالات من صلب عملهم. في أول جلسة حضر جميع أفراد اللجنة تقريباً، وخلال الجلسة لم يتبق إلا ثلاثة اعضاء، لأن الآخرين لا يفقهون ما نتحدث به، وفي زياراتنا المتتالية لم نجتمع إلاّ مع هؤلاء الثلاثة، وإن حضر شخص آخر، فإنه يبقى متفرجاً (هذه حقيقة كفاءتهم؛ في حين من المفترض أنهم أكثر الناس معرفةً لأنهم يشرّعون أهم القوانين التي ستحدّد مستقبل البلد).

3. في بداية عام 2008 عندما تركت الوزارة والتحقت مرة أخرى بالبرلمان، تفاجأت بالمستوى العلمي الضحل لأغلب أعضاء البرلمان، وعندما كنت أقارن بين أعضاء البرلمان وموظفي وزارة الاتصالات، اكتشفت أن الموظفين في أدنى السلم الوظيفي في الوزارة أفضل من الكثير من النواب (هذا حال النواب في دورة عام 2006 – 2010، ولا علم لي بالنواب المعاصرين الذين لا معرفة لي بأغلبهم).

4. قامت إحدى النائبات عام 2013 بالافتراء باطلاً والزعم أن مشروع الكابل الضوئي الذي يمر بإقليم كردستان وتركيا باتجاه أوربا ستقوم اسرائيل بالتجسس عليه، وفي الواقع من المستحيل إمكانية التجسس على الكابل الضوئي من على البعد من اسرائيل؛ ومن المفارقات، إن وزارة الاتصالات كانت قد انشأت خلال فترة وزراء الاتصال السابقين كابلات تمر بالأردن ثم الى أوربا والخطورة في هذا الخط، أنه يمر بإسرائيل ويقطعها من الشرق إلى الغرب. هذا يدل على أن تلك النائبة، أما هي جاهلة وغير مؤهلة لأن تكون نائبة تمثل الشعب، أو أنها تستهزئ بعقول المواطنين الذين انتخبوها، فتزعم لأهداف سياسية بحتة، أن الكابل الذي يمر من خلال شمال العراق وتركيا يخضع للتجسس الاسرائيلي وتتغاضى عن تجسس اسرائيل للكابل الذي يمر بها!
وقد قام رئيس الوزراء السابق المالكي بتفعيل العقد بشأن الكابل الضوئي الذي يمر بإقليم كردستان، ولم تنبس النائبة ببنت شفة، بشأن تفعيل العقد بنفس الشروط ومع نفس الجهة. الغريب في الأمر أن النائبة أعيد انتخابها بعد تلك الحادثة (هذا هو حال بعض النواب، يستخفون بعقول ناخبيهم ويُعاد انتخابهم من قبل المواطنين!).
(يتبع)

شارك الخبر على